آخر الأخبار

فيروس كورونا: كيف أثر على مستقبل أطفالنا اجتماعياً ونفسياً؟

شارك
مصدر الصورة

خلّفت الضغوط والعزلة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا تأثيراً اجتماعياً ونفسياً بدأ يظهر بالفعل على أطفالنا، كما يتوقع العلماء حدوث خسائر اقتصادية جسيمة نتيجة اضطراب العملية التعليمية خلال تلك الفترة.

لاحظت معلّمة مرحلة رياض الأطفال الأمريكية، ريبيكا أندروود، وجود تفاوت ملحوظ بين الأطفال الذين التحقوا بالحضانة العام الجاري، إذ تقول إن الأطفال الذين تدرّس لهم، وتتراوح أعمارهم بين خمس وست سنوات، يظهرون حذراً جسدياً بدرجة أكبر مقارنة بأقرانهم الذين التحقوا بنفس المرحلة في سانتا مونيكا، في ولاية كاليفورنيا، قبل تفشي فيروس كورونا.

وتضيف: "العديد من الأطفال لا يستطيعون التدحرج، ولا القفز باستخدام القدمين معاً، كما يترددون كثيراً في تسلق الأشياء"، وتتساءل إذا كان هذا ناتجاً عن قلة الأنشطة خلال مرحلة الطفولة المبكرة، لاسيما وأن ولادة هؤلاء الأطفال صادفت فترة تفشي الفيروس.

يُذكر أنه في شهر مارس/آذار عام 2020، بدأت المدارس في مختلف أنحاء العالم فرض تدابير إغلاق بشكل مفاجئ، مما أدى إلى تغيّر جذري في حياة 2.2 مليار طفل وشاب على مستوى العالم، والتزمت الأسر بالإقامة داخل منازلها، ولا تخرج إلا في أوقات قصيرة ومُحددة، بينما تولى الوالدان مسؤولية تعليم الأطفال، أو حصولهم على دروس عن بُعد.

وتسببت الجائحة في فقدان الأطفال لنسق الحياة اليومية المعتاد، إذ حُرِموا من المشاركة في الأنشطة كالذهاب إلى الأندية وممارسة الرياضية والهوايات، واستُبدلت تلك التجارب بأعمال يدوية منزلية ومشاهدة التلفزيون.

كما لم يشاركوا في العديد من المناسبات كتنظيم الحفلات المدرسة وحفلات التخرج، وفي بعض المناطق، لم يتمكن الطلبة من العودة للاختلاط بأقرانهم إلا بعد مرور عام كامل، وبلغ متوسط فترة إغلاق المدارس على مستوى العالم نحو 5.5 أشهر، إلا أن بعضها ظل مغلقاً لفترات أطول.

وقد أدى هذا الواقع، بالإضافة إلى الضغوط النفسية للجائحة والوضع الاستثنائي الذي واجهته الأسر، إلى إثارة جدل واسع بشأن الأثر الذي تركته هذه التجربة في نفوس الجيل الذي عاشها.

إنّ تجارب الطفولة غالباً ما تترك أثراً بالغاً في مسار حياة الفرد، نظراً لقدرتها على التأثير في تطور الدماغ، والسلوك، والرعاية الاجتماعية للفرد.

مصدر الصورة

ورصدت أندروود وزملاؤها تفاوتاً واضحاً في سلوك الأطفال أثناء عملية التدريس لهم بمجرد إعادة فتح المدارس في عام 2021، أما في العام الحالي، والذي يضم أطفالاً وُلدوا مع بداية الجائحة، فقد بدأوا يلاحظون تحسناً نسبياً مقارنة بدفعات الالتحاق السابقة.

ويُظهر الأطفال في الفصول الصغيرة التي تُشرف عليها أندروود حساسية مفرطة تجاه المُحفّزات الخارجية، إذ اضطرت المدرسة التي تعمل بها إلى تعليق دروس الموسيقى قبل عامين، إذ كانت الآلات الموسيقية تمثّل عبئاً كبيراً على الأطفال، فالضوضاء العالية، رغم طابعها المبهج، كانت تثير اضطرابهم الشديد.

وتقول أندروود: "جلس نصف الفصل في الخارج بسبب فرط التحفيز، لا سيما في الفصول التي تعتمد على التفاعل بطريقة عملية، وكان من الصعب ضبط الأمر"، وتتساءل إن كان عدم مشاركة هؤلاء الأطفال سابقاً في مجموعات الموسيقى أو ساحات اللعب قد جعلهم عاجزين عن التكيّف مع البيئات الصاخبة. وفي هذا العام، بدأوا إعادة إدخال الموسيقى إلى المناهج تدريجياً.

وبدأ الباحثون، بعد خمس سنوات من بدء تفشي جائحة كورونا وما تبعها من تدابير إغلاق واسعة النطاق، دراسة وتحليل التأثيرات التي ربما أثرت بها التغييرات الاجتماعية المفاجئة على الأطفال، إذ أثّرت الجائحة على سلوكهم، وصحتهم النفسية، ومهاراتهم الاجتماعية، ومستواهم التعليمي، بيد أن عمق ذلك التأثير وأثره طويل الأمد قد لا يظهر إلا في العقود القادمة.

مصدر الصورة

وفي مرحلة الطفولة المبكرة، تُعد كل تجربة تواجه الطفل جديدة، من زيارة الحديقة، إلى استنشاق رائحة منتجات متجر البقالة، إلى ملمس حيوان أليف ناعم، لكن، ما الذي قد يحدث إن لم يحظ الطفل بفرصة للتعرّف على هذا التنوع الغني من تجارب الحياة؟

تسعى دراسة بريطانية بعنوان "تأثيرات الإغلاق الأساسية على مواليد عام كوفيد-19"، إلى تحليل تأثير تدابير الإغلاق على الأطفال المولودين في الفترة ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020.

وتُعبّر لوسي هنري، المتخصصة في النطق واللغة بجامعة سيتي سانت جورج بلندن، عن قلقها وتقول: "كنا نشعر بقلق بالغ أثناء جائحة كوفيد إزاء خوض الأطفال تجربة غير مألوفة للغاية".

وترصد الدراسة تأثير الجائحة على مجموعتين من مئتي طفل وُلدوا قبل جائحة كوفيد-19، أثناء فترة الإغلاق في عام 2020، وبعد رفع القيود في 2021، مع التركيز على مهارات اللغة والوظائف التنفيذية في سن الرابعة.

ويشارك الباحثون بعض الألعاب البسيطة مع الأطفال، بما في ذلك لعبة يتعين على الأطفال النقر عند ظهور صورة قطة على الشاشة، والهدف من اللعبة هو "الضغط على القطة" مع تجنب النقر عند ظهور صورة كلب، وذلك لقياس القدرة على الكبح وضبط النفس ووظائف تنفيذية أخرى.

ومن المتوقع إعلان النتائج الأولية لهذه الدراسة في وقت لاحق العام الجاري، إذ تشير النتائج الأولية إلى أن الأطفال الذين كانوا رضّعاً أثناء الجائحة يمتلكون مخزوناً لغوياً أقل، وقد يواجهون تحديات في مهارات التفكير الأعلى.

وتُوضح نيكولا بوتينغ، عالمة نفس النمو في جامعة سيتي سانت جورج بلندن والمشرفة المشاركة على الدراسة: "تشير المعطيات بشكل عام إلى أن مهارات التواصل ربما من بين المجالات التي تأثرت".

ويتطلع الباحثون إلى أن يسهم عملهم في تسليط الضوء على أسباب هذا التراجع، مع توقعهم أن تكون لقلة الفرص الاجتماعية للأطفال في عامهم الأول، تأثير بالغ على نموهم، إذ أن الأطفال الذين وُلدوا خلال أشد فترات تدابير الإغلاق لم يحظوا بفرص التواصل الاجتماعي العامة، كالتلويح للآخرين، واللعب على الأراجيح، ورؤية وجوه متعددة تتحدث، أو سماع أصوات مختلفة.

وتقول بوتينغ: "استناداً إلى كم هائل من الأبحاث، تعد الأشهر الأولى من حياة الطفل ذات أهمية بالغة في تعلم أسس التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أن الرضّع يبدون وكأنهم غير مشاركين في أي نشاط، إلا أنهم يقومون بمهام، من بينها إدراك الفرص الاجتماعية المتنوعة".

مصدر الصورة

وعلى الرغم من أن تداعيات هذا التراجع في النمو على المدى الطويل يستغرق وقتاً لفهمه، قد يكون من الممكن أن يستعيد الأطفال الصغار مستواهم بسرعة نسبية، بعد أن ركز محور أساسي في البحث على رصد آثار الجائحة على مستوى التحصيل التعليمي للأطفال.

ويُقدّر الباحثون أن نحو 1.6 مليار طالب في أكثر من 190 دولة تعرّضوا لتعطيل في مسيرتهم التعليمية بسبب جائحة كوفيد-19، بسبب تدابير إغلاق المدارس، وانتقلت مسؤولية التعليم بشكل كبير إلى أولياء الأمور الذين سعوا إلى تعليم أبنائهم في المنازل إلى جانب الدروس التي تُقدّم عن بُعد عبر الإنترنت، وبلا شك، تأثر الأطفال الذين لا تتوافر لديهم أجهزة كومبيوتر أو اتصال بالإنترنت بشكل أكبر.

ونشرت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في الولايات المتحدة في عام 2023 تقريراً شاملاً بشأن تأثيرات جائحة كوفيد-19 على الأطفال، حيث خلص التقرير إلى أن "جميع مؤشرات المشاركة في المدرسة ونتائج التعلم أظهرت تراجع مستوى الطلاب مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الجائحة".

وتظهر هذه الآثار بوضوح على الأطفال الذين ينتمون إلى الأسر ذات دخل منخفض والمجتمعات المهمشة، وهو نمط يتكرر باستمرار عند دراسة مختلف جوانب تأثيرات الجائحة على مرحلة الطفولة.

وخلص التقرير بشكل مثير للقلق إلى أن الفجوات التعليمية التي تشكلت خلال فترة الجائحة قد تترك آثاراً اقتصاديةً طويلة الأمد عند بلوغ هؤلاء الأطفال سن الرشد.

ونُشرت دراسة حديثة في يناير/كانون الثاني 2025 سعت إلى تقدير حجم الخسارة في العملية التعليمية اعتماداً على بيانات درجات الاختبارات على مستوى العالم، وأظهرت النتائج تراجعاً في درجات مادة الرياضيات بنسبة 14 في المئة.

وكانت بعض الفئات، من بينها طلاب في المدارس التي شهدت إغلاقاً أطول نسبياً، فضلا عن المهاجرين، والطلاب المحرومين، قد تعرضت لآثار أشد سوءاً، كما أن التعليم عن بُعد، الذي يعتمد على حضور الطلاب للدروس عبر الإنترنت، لم ينجح في وقف تراجع التحصيل العلمي.

وتشير الدراسة إلى أن هذه الخسائر التعليمية قد تتحول إلى خسائر في الدخل، مما قد يكلف هذا الجيل من الطلاب تريليونات الدولارات.

مصدر الصورة

ويقول ماشيي جاكوبوفسكي، الباحث في مجال التعليم بجامعة وارسو ببولندا والمشرف على الدراسة: "الفجوات موجودة لا تتلاشى"، وتتوافق النتائج مع نتائج دراسات أخرى، ففي أوروبا، مثلاً، ضاع على الأطفال ما يعادل من شهر إلى ثلاثة أشهر من العملية التعليمية، مع تسجيل بعض الدول مثل بولندا واليونان خسائر تفوق ذلك بثلاثة أضعاف.

كما لوحظت تأثيراً أشد في دول كالبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة، مع خسائر أكبر في تحصيل مواد الرياضيات والعلوم مقارنة بالمواد الأخرى، كما قدّرت مراجعة رئيسية، شملت 42 دراسة في 15 دولة خلال سنة ونصف من الجائحة، أن الطلاب ضاع عليهم ثُلث عام دراسي من التحصيل العلمي بسبب تدابير الإغلاق.

واستمر هذا التراجع التعليمي أيضاً مع تفشي الجائحة، في ظل عدم توفر أي تعويض واضح حتى بعد استئناف المدارس نشاطها الطبيعي، وفقاً لما ذكره باستيان بيثاويسر، الباحث في مجال مكافحة انعدام المساواة الاجتماعية بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة والمشرف على تلك الدراسة.

وقال بيثاويسر: "لاحظنا أن هذا التراجع التعليمي المبكر كان ثابتاً جداً. ولم يتفاقم بشكل كبير مع استمرار الجائحة، ولم يظهر لنا في ذلك الوقت أي اتجاه واضح نحو التعافي".

وتطابقت النتائج أيضاً بين طلاب المدارس الابتدائية والثانوية، وكان ذلك بمثابة مفاجأة إلى حد ما، إذ توقع الباحثون أن تكون الفجوات أكبر لدى الطلاب الأصغر سناً، الذين من المرجح أنهم عجزوا عن التحصيل العلمي بمفردهم.

ولفت بيثاويسر إلى أن السبب في ذلك قد يعود إلى أن إغلاق المدارس كانت أطول وأكثر حدّة بالنسبة للطلاب الأكبر سناً، مما أدى إلى غيابهم لفترة أطول وفقدانهم المزيد من المحتوى الدراسي.

ومنذ بداية الجائحة، بذلت العديد من المدارس جهوداً لتعويض الطلاب عبر تقديم برامج تعليمية سريعة، إلا أن النجاح كان متفاوتاً، وتحدث بيثاويسر عن مؤشرات إيجابية، إذ أظهرت أدلة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن هناك بعض التعافي في الفجوات التعليمية الكبيرة، إلا أن هذا التعافي لم يكن كاملاً.

وأضاف: "يميل هذا التعافي لأن يكون أسرع لدى الأطفال من ذوي الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية الأفضل حظاً، مما يعني أن فجوات التحصيل العلمي بين الطلاب من خلفيات مختلفة لا تزال واسعة جداً، وأحياناً أكبر من تلك التي كانت قائمة قبل الجائحة".

ويقول جاكوبوفسكي إن آثار هذا التراجع في العملية التعليمية قد يستمر ويُترجم إلى تكاليف اقتصادية جسيمة يتكبدها المجتمع.

وفي بعض الدول، مثل بولندا، تُترجم خسائر العملية التعليمية إلى تراجع في معدل النمو الاقتصادي بنسبة 0.35 في المئة، وتشير تحليلات شركة "ماكينزي" للاستشارات الإدارية إلى أن التعليم غير المكتمل الذي عاناه الطلاب خلال فترة الجائحة قد يؤدي إلى تراجع دخلهم مدى الحياة بمئات الآلاف من الدولارات مقارنة بأقرانهم الذين لم يتعرضوا لتعطيل دراستهم، وقد يكلّف ذلك الاقتصاد الأمريكي ما بين 128 و188 مليار دولار سنوياً بمجرد انضمام دفعة طلاب 2020 إلى سوق العمل.

ويقول جاكوبوفسكي: "إنها تأثيرات اقتصادية هائلة"، مشيراً إلى وجود تدخلات تهدف إلى سد فجوات العملية التعليمية، مثل التعليم ضمن مجموعات صغيرة أو تقديم دروس خصوصية في مواد محددة، مع الإشارة إلى أن هذه الحلول مكلفة.

وقد تمتد التكلفة المجتمعية طويلة الأمد لتتجاوز التعليم، فقد أثارت تدابير الإغلاق في ظل جائحة كوفيد-19 مخاوف بشأن التغيرات التي طرأت على الصحة الجسدية للأطفال خلال هذه الفترة.

وأظهرت دراسة في المملكة المتحدة ارتفاع معدلات السمنة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عاماً خلال الجائحة، وهو ارتفاع مستمر حتى الآن.

ويقدّر الباحثون أن ذلك يعادل زيادة إضافية بواقع 56 ألف طفل يعانون من السمنة، ويُعزى ذلك إلى حدوث تغيير في السلوك الغذائي والنشاط البدني في العديد من الدول أثناء الجائحة وربما استمر، ويقول الباحثون إن ذلك قد يكلف المجتمع البريطاني مبلغاً يقدر بـ 8.7 مليار جنيه إسترليني على المدى الطويل.

وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 أحدثت صدمة مفاجئة في حياة وتعليم الأطفال، فإنها أسهمت كذلك في تفاقم اتجاهات كانت قائمة قبل ظهور الفيروس.

وتراقب الباحثة، غوديث بيريغو، من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجيليس، التراجع التدريجي في درجات القراءة والرياضيات في الولايات المتحدة على مدى سنوات عديدة، وهي تشرف على دراسة طويلة الأمد تستهدف تلاميذ الحضانة لمدة 14 عاماً، وهي دراسة تطلب من المعلمين تقييم صحة وحالة الطلاب البدنية، والكفاءة الاجتماعية، والنضج النفسي، وتطور اللغة والإدراك، والتواصل والمعرفة العامة لكل طالب.

بيد أنها وفريقها اكتشفوا أن الجائحة سببت تراجعاً أكثر حدة في مهارات اللغة، والإدراك، والكفاءة الاجتماعية، وكانت الدراسة فريدة من نوعها، إذ قام الباحثون بجمع نفس البيانات لما يزيد على عشر سنوات، الأمر الذي جعل باستطاعتهم تتبع التأثير الصادم الشامل لجائحة كوفيد-19 على الأفراد مقارنة بأوقات أخرى.

وتقول: "أثرت جائحة كوفيد في الحقيقة سلباً على نمو الأطفال"، لكنها تشير إلى أن دراستها توضح أن هذا التراجع كان قائماً قبل حدوث الجائحة.

وتوقعت بيريغو وفريقها أن يشهدوا تراجعاً في جميع المجالات التي قيمّها المعلمون، بيد أنهم اكتشفوا أن ثلاثة من كل خمسة مجالات فقط سجلت تراجعاً، وهي مهارات اللغة والإدراك، ومهارات التواصل، والكفاءة الاجتماعية.

أما الصحة البدنية فظلت مستقرة، ويرجع ذلك ربما إلى التركيز الشديد على الصحة العامة خلال تلك الفترة مما سهل الحفاظ على الصحة، أو لأن الأطفال قضوا وقتاً أطول في الهواء الطلق خلال تدابير الإغلاق الأولى عندما سُمح لهم بالخروج.

والمفاجأة أن الباحثين لاحظوا تحسناً في درجات النضج النفسي للأطفال أثناء الجائحة، رغم ما قد يبدو تناقضاً في البداية، وتؤكد بيريغو أن هناك مجموعة من الدراسات التي تربط بين الأزمات والنضج النفسي.

وتقول: "عندما يواجه الأطفال أزمات مثل الطلاق أو العنف في الحي، يكتسبون نضجاً نفسياً مصاحباً لتلك التجارب. وأثناء جائحة كوفيد، لم يكن هناك أي مكان للخروج إليه، وكانت الأخبار تُبث باستمرار، وكنا نتابع أرقام الوفيات يومياً، وتعرّض الأطفال للعديد من القضايا الكبرى والمعقدة، لذا سجلت درجات النضج النفسي لديهم ارتفاعاً فعلياً".

ولايزال الأمر قيد الدراسة لتحديد إذا كان ذلك سيسهم في إعداد هذه الفئة العمرية بشكل أفضل لمواجهة الأزمات التي سيتعرضون لها لاحقاً في حياتهم أم لا، إلا أن ضغوط الجائحة تركت آثاراً أخرى على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، إذ أظهرت العديد من الدراسات ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب والغضب وسرعة الانفعال خلال فترة الإغلاق.

كما أظهرت دراسات وجود علامات متزايدة على الانطواء والمشاكل السلوكية نتيجة لفترات العزلة الطويلة، أما أولئك الذين مارسوا الرياضة، وتوفر لهم الترفيه، وتمتعوا بعلاقات أسرية إيجابية، أظهروا أداءً أفضل، ومن المتوقع أيضاً أن يكون توتر الآباء خلال فترة الإغلاق مرتبطاً باضطرابات الصحة النفسية لأطفالهم.

كما توجد أدلة تشير إلى أن بعض المشكلات استمرت إلى ما بعد إعادة فتح المدارس والجامعات، وأظهرت دراسة أجريت في الصين أن الأطفال كانوا أقل استعداداً للسلوك الاجتماعي الإيجابي، أو التصرف بطرق تفيد الآخرين.

ولاحظت تاندي باركس، الأخصائية الاجتماعية التي تشرف على مجموعات أولياء الأمور في لوس أنجلوس، أن الأسر لا تزال تتعامل مع آثار اضطرابات العملية التعليمية الروابط الاجتماعية التي حدثت خلال الجائحة، وأن العديد من الأطفال الذين تعمل معهم يتأخرون في الاستقلال والابتعاد عن أولياء الأمور.

وتقول: "أتلقى مكالمات من أولياء أمور أطفال تتراوح أعمارهم بين أربع إلى سبع سنوات، وهي في جوهرها مشابهة للمحادثات التي كنت أتلقاها من أولياء أمور أطفال بعمر عامين ونصف".

وعلى الرغم من ذلك، توجد آمال في أن تحديد كيفية تكيّف الأطفال خلال وبعد الجائحة قد يسهم في تحديد استراتيجيات لدعمهم مستقبلاً.

وتقول هنري: "نأمل أن يكون بعض ما نتوصل إليه من نتائج لا يقتصر على الاستعداد لجائحة أخرى، بل يتناول أيضاً قضايا الفرص الاجتماعية المحدودة لأنواع مختلفة، مثل النمو ضمن مجموعات قد تعاني من العزلة لأسباب ثقافية أو غيرها".

وتحث بيريغو على ضرورة تقديم المزيد من الدعم للشباب في مختلف أنحاء العالم، ممَن عانوا من تغيرات مفاجئة في حياتهم. وتشدد على أنه إذ لم يبدأ صانعو السياسات والآباء والمعلمون في تركيز الجهود وتطبيق الأساليب العلمية المعتمدة لتحسين الرعاية، فإن هذه الاتجاهات ستزداد سوءاً بمرور الوقت.

وتقول: "هذه المسارات واضحة جداً، كلها تسجل تراجعاً، ولا أرى سبباً يدعو للاعتقاد بأنها ستتحسن من تلقاء نفسها خلال الخمس أو العشر سنوات القادمة، إلا إذا طبّقنا إجراءات مركزة لضمان حدوث ذلك".

ولن تظهر الآثار الكاملة لجائحة كوفيد-19 على جيل الأطفال إلا مع مرور السنوات والعقود المقبلة، أما بالنسبة لمعلمة مرحلة رياض الأطفال، ريبيكا أندرود، فهي تلاحظ علامات تبعث على الأمل حالياً، إذ يقفز الأطفال ويتدحرجون ويستمتعون بحصص الموسيقى أكثر مما كانوا يفعلون قبل عام أو عامين.

وتقول: "الوضع في تحسّن مستمر بلا شك،" وتضيف: "هم أكثر مغامرة، مع أن التطور الاجتماعي والنفسي لا يزال يشكل بعض الصعوبات".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار