عندما بدأت بخطواتي الأولى في عالم التلفزيون، كنت أشعر أن الظهور على الشاشة لا يقتصر فقط على ما أقدمه من محتوى، بل يشمل أيضاً الانطباع الذي أتركه بمظهري.
كنت لم أتجاوز سنتي الثانية بعد العشرين، ورغم صغر سني، كنت أجد نفسي متوتراً من التجاعيد الصغيرة التي بدأت تظهر على جبيني، كما شعرت أيضاً بأن شكل أنفي لا يبدو جيداً أمام الكاميرا.
قرّرت حينها زيارة صديق الطفولة الذي أصبح طبيب تجميل، فاقترح عليَّ حقن البوتوكس للتقليل من ظهور التجاعيد، وقال لي إن هذه الإجراءات برأيه تكون أكثر فاعلية عند البدء بإجرائها مبكراً.
لم أكتفِ بذلك، بل استغللت أيضاً حاجتي لعملية إزالة اللحمية من الأنف وقمت في الوقت نفسه بعملية تجميلية له، مما جعلني أشعر بثقة نفس إضافية أمام الشاشة.
قصتي هذه تمثل جزءاً من ظاهرة آخذة في الانتشار بين الرجال في العالم العربي وحول العالم، حيث لم تعد الإجراءات التجميلية حكراً على النساء.
وثقت الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل من عام 2012 إلى عام 2022، زيادة بلغت 24 في المئة في الإجراءات التجميلية لدى الرجال.
ولا يزال إقبال الرجال على هذه الإجراءات، سواء الجراحية منها أو غير الجراحية، في تزايد مستمر في الولايات المتحدة، إذ وثقت إحصائيات الجمعية، زيادة إضافية بين عامي 2022 و2023.
عام 2022، تصدرت عمليات تجميل الأنف القائمة بـ 65 ألف و121 إجراء، حيث شكّل الرجال 24 في المئة منها، تليها حقن البوتوكس بـ 473 ألف و354 إجراء منها لتقليل التجاعيد، ثم الفيلر بـ 99 ألف و148 عملية لتحسين ملامح الوجه.
كما خضع الرجال في الولايات المتحدة لـ 33 ألف و911 جلسة إزالة شعر بالليزر، خاصة لمنطقتي الظهر والصدر.
أما في ما خص عام 2023، ارتفعت عمليات حقن البوتوكس بين الرجال بنسبة 6 في المئة مقارنة بالعام السابق 2022، لتصل إلى 569 ألف و438 إجراء.
كما زادت عمليات تجميل الأنف بنسبة 10 في المئة، مع إجراء 6 آلاف و867 عملية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت عمليات إزالة الشعر بالليزر ارتفاعاً بنسبة 7 في المئة، حيث بلغت 242 ألف و600 جلسة.
وأوضحت الإحصائيات أن الفئة العمرية بين 30 و50 عاماً من النساء والرجال على حد سواء، هي الأكثر إقبالاً على الإجراءات التجميلية بشكل عام، مع تأثيرات متطلبات سوق العمل والضغوط الاجتماعية، ووسائل التواصل الاجتماعي.
في ما يتعلق بالعالم العربي، تحتل السعودية المرتبة 22 بين الدول الـ 25 الأكثر إجراءً لعمليات التجميل حول العالم لفئتين النساء والرجال، ما يعكس تزايد الإقبال على هذا المجال في المجتمع السعودي وفقاً لـ "المجلة السعودية لأمراض الأنف والأذن والحنجرة".
أكد الطبيب المختص بالجراحة التجميلية، فادي أبي عازار، الذي يعمل بين بيروت والكويت، في مقابلة مع بي بي سي عربي، أنه لاحظ خلال عمله أن عدد الرجال الذين أصبحوا يلجأون للإجراءات والجراحات التجميلية في تزايد مستمر.
وأضاف أن عمليات تجميل الأنف، تعتبر من الأكثر طلباً بين الرجال الذي عالجهم، وتأتي مدفوعة بالرغبة في تحسين المظهر ومعالجة مشكلات التنفس.
وتشمل العمليات التجميلية الجراحية الأكثر شيوعاً بين الرجال بحسب أبي عازار، شفط الدهون، خصوصاً من البطن والخصر، وعلاج ما يسمى بـ"تثدي الرجال" والذي يعاني منه "ثلث الرجال عالمياً".
ويضيف: "يؤثر التثدي على الثقة بالنفس، ما يدفع العديد للخضوع لجراحة بسيطة لإزالته".
ووفقاً لإحصائيات الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل لعام 2022، أُجريت أكثر من 40 ألف و775 عملية لعلاج التثدي لدى الرجال في الولايات المتحدة أيضاً.
ويلفت أبي عازار أيضاً إلى تزايد الإقبال على شد الجفون لدى الرجال كبار السن وهو إجراء "من شأنه المساعدة في تحسين نوعية النظر" من خلال التخلص من الجلد المترهل فوق العيون، بحسب تعبيره.
إلا أنه يشير إلى أن "الإجراءات غير الجراحية، مثل البوتوكس والفيلر، تبقى الخيار الأكثر تفضيلاً، لأنها تعطي نتائج سريعة وتحتاج فترة تعافٍ قصيرة". ويتابع: "كما أن الرجال عادةً ما يميلون إلى تجميل غير ملفت على عكس النساء اللواتي يفضلن تغييرات واضحة" بحسب خبرته.
لعب التقدم التكنولوجي دوراً بارزاً في مجال التجميل خلال السنوات الماضية، إذ قدّم تقنيات جديدة لشد الجلد، على سبيل المثال، باستخدام الموجات فوق الصوتية والليزر، والتي أصبحت إجراءات أسرع وأماناً ومن دون جراحة.
مما أتاح للراغبين في المحافظة على "مظهرهم الشاب"، التركيز على الوقاية بدلاً من إصلاح ما تغيّر مع التقدم بالعمر، ومما يساهم في التقليل من الحاجة لعمليات جراحية في المستقبل.
تحدثنا مع المختصة بقضايا الجندر، بيترا حلاوي، لنرى كيف تغيرت المفاهيم المتعلقة بالرجولة مع بدء الرجال الاستعانة بتدخل طبي تجميلي للاهتمام بمظهرهم.
وتقول حلاوي لبي بي سي عربي: "لا يزال هناك وصمة تجاه الرجال الذين يقومون بإجراءات تجميلية، فصورة الرجل مفتول العضلات صاحب الصوت الخشن والملامح الحادة، لا تناسبها فكرة إجراء هذا الرجل عملية لتصغير أنفه أو تغيير ملامحه".
وتضيف: "قد يرى جزء من المجتمع أن القيام بهذه الإجراءات تصرف أنثوي، رغم أن هذه الصورة بدأت تتراجع شيئاً فشيء مع تزايد قبول هذه الإجراءات".
أمّا عن تغير مفهوم الرجولة بشكل عام في بعض المجتمعات، فتقول حلاوي: "ترتبط الرجولة التقليدية عادة بالقوة والخشونة وكبت المشاعر أيضاً، بينما أصبح مفهوم الرجولة اليوم يشمل أيضاً المظهر الأنيق والدقيق في ما يتعلق بالشعر واللحية والأظافر والملابس والتركيز على المظهر الجميل وحتى التعبير عن المشاعر".
وتضيف: "ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير بإعادة تعريف الأدوار الجندرية، إضافة إلى دور الرأسمالية في إعادة تعريف مفهوم العناية بالمظهر والمنافسة بين الشركات الكبرى التي دفعتها إلى الاستثمار في تغيير الصورة وإقناع الرجال بضرورة القيام بهذه الممارسات".
وتؤكد حلاوي أن المفاهيم عادةً ما تتغير مع كل جيل وزمن: "فمنذ الأزل، كان لدى الرجال ممارسات تتعلق بالمظهر، لكنها كانت تختلف مع السنوات، وما نراه اليوم هي المعايير السائدة (في عصرنا)".
وتشير دراسة نُشرت في مجلة الأمراض الجلدية السريرية والتجميلية الأمريكية، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت عاملاً أساسياً في زيادة الإقبال على التجميل، حيث أظهرت بيانات مؤشرات غوغل بين عامي 2004 و2017، ارتفاع الاهتمام بالإجراءات غير الجراحية، مثل البوتوكس والفيلر، مقارنةً بالجراحية.
وربطت الدراسة هذا الاتجاه، بتوسع استخدام إنستغرام وفيسبوك، مؤكدةً أن المحتوى الذي يقدمه الأطباء والمشاهير يؤثر بشكل كبير على قرارات الأفراد بشأن التجميل.
ومن جهته، يؤكد أبي عازار على هذا التأثير قائلاً: "إن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تحولاً جذرياً في مفاهيم الجمال لدى الرجال، حيث أصبحوا أكثر وعياً بمظهرهم، تحت تأثير المشاهدة اليومية لأجسام ووجوه مثالية".
ويضيف: "حديث المؤثرين عن تجاربهم مع التجميل، إلى جانب انتشار الأطباء الذين يقدمون محتوىً مبسطاً حول الإجراءات التجميلية، ساهم في تطبيع هذه الفكرة وترسيخها بين الرجال".
ويشير إلى أن "المنافسة المتزايدة بين أطباء التجميل، والتي أدت إلى خفض الأسعار، لعبت أيضاً دوراً هاماً في جعل هذه الإجراءات تصبح متاحة لشريحة أوسع من المجتمع".
ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع نسبة لجوء الرجال إلى إجراءات تجميلية لتحسين المظهر، مع ارتفاع نسبة قبول ذلك اجتماعياً بتأثير من وسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب التطورات التكنولوجية التي تجعل من هذه الإجراءات أكثر بساطة.