عمان- لسنوات طويلة، ظل المشهد الكروي الأردني مقيدا بصورة الصراع بين قطبي العاصمة (الفيصلي والوحدات) اللذين يتقاسمان 52 لقبا في دوري المحترفين. لكن تلك السيطرة تلاشت لصالح أندية مغمورة.
ولم يكسر هذه السيطرة شبه المطلقة منذ عام 1983 سوى نادي شباب الأردن الذي بدا حينها مشروعا طموحا، حيث استطاع بعد 4 سنوات من تأسيسه الحصول على لقب الدوري عام 2006، وبعد 7 سنوات من هذا الإنجاز نجح في تكراره والحصول على اللقب للمرة الثانية.
ولكن هذه الطفرة قتلها عدم وجود خطة مالية للاستمرار في مستوى المنافسة، ليتحول الفريق إلى مستوى الصف الثاني في الدوري.
منذ عام 2021 بدأ المشهد يتغير، حيث استغل نادي الرمثا التخبطات الإدارية لأندية العاصمة لخطف لقب الدوري بعد نحو 39 عاما على تتويجه بآخر ألقابه عام 1982.
وعاد الفيصلي رغم مشاكله الإدارية للحصول على لقب دوري 2022، وظن الجميع حينها أن السيطرة عادت إلى العاصمة، لكن هناك من كان يعمل على مشروع طموح وبشكل احترافي غير معهود على صعيد الأندية الأردنية.
واستطاع نادي الحسين إربد عقد الصفقات وضخ الأموال والاستحواذ على أهم اللاعبين المحليين الذين شكلوا عمادا لمنتخب "النشامى" الذي تأهل إلى كأس العالم .
فخلال التوقف الدولي الحالي، تم استدعاء 5 من لاعبي الحسين إربد لتمثيل المنتخب في مباراتيه أمام كل من روسيا والدومينيكان، وكان النادي المحلي الأعلى تمثيلا في تشكيلة المنتخب التي تعتمد بشكل أساسي على المحترفين بالخارج، الأمر الذي مكن النادي من السيطرة على لقب الدوري في العامين الأخيرين.
مطلع الموسم الحالي حاول قطبا العاصمة تعزيز صفوفهما بلاعبين جدد، والاستعداد للدوري على أمل عكس الصورة واستعادة السيطرة، لكن الجولات الخمس الأولى عززت حالة الشك، إذ تمكن الرمثا من هزيمة القطبين متسببا في إقالة مدربيهما جمال أبو عابد (الفيصلي) والتونسي قيس اليعقوبي (الوحدات) وتصدر الترتيب خلال هذه الجولات.
وبينما شهدت مباراة "كلاسيكو الذهاب" فوز الفيصلي على الوحدات فقد سجل الحضور الجماهيري مستوى متواضعا، وبدت مدرجات ملعب عمان الدولي شبه فارغة، وكانت قمة الشمال بين الحسين إربد والرمثا أغنى فنيا، وبحضور جماهيري لافت.
المشاكل الإدارية التي تعانيها كل من الفيصلي والوحدات، وتحت ضغوط الجماهير ومطالبهم بنتائج أفضل، تولد تخبط كبير انعكس في الإقالات والاستقالات التي ترجمت هذا التخبط.
وخلال الفترة الممتدة من عام 2021 وحتى الآن، تولى قيادة الفيصلي 7 مدربين، منهم واحد مكرر، في حين قاد الوحدات 7 مدربين.
ويؤكد هذا التشابه في الأرقام أن التغيير الفني المتكرر سمة مشتركة في كلا الناديين، في حين تتسم سياساتهما بالاستجابة الفورية للنتائج السلبية بدلا من الاستناد لخطط طويلة المدى، ومنح المدربين الوقت الكافي والفرصة لتطبيق أفكارهم وتحقيق الانسجام بين اللاعبين.
لا تتوفر أرقام واضحة حول الأداء المالي لناديي الفيصلي والوحدات، إلا أن السلوك المالي يعكس غياب الإدارة المالية السليمة المحترفة، رغم ندرة الموارد المالية.
ووصلت الأوضاع المالية في الفيصلي إلى حد تأخرت فيه رواتب اللاعبين لأكثر من 3 أشهر، في وقت يحاول النادي تلافي أي مطالبات مالية جراء فسخ العقود والإقالات عبر تسويات مالية.
وقد أدى ضعف الاستقرار المالي إلى خسارة الوحدات لتعاقدات مميزة كانت في متناول اليد لكنها ذهبت لأندية أخرى، مع التفريط في مواهب النادي التي تفضل الذهاب لتجارب احترافية في أندية مغمورة خارجيا لأسباب مالية بحتة.
في المقابل، استطاع الحسين إربد إظهار استقرار إداري وإدارة أكثر احترافية لموارد النادي وطريقة التعاقدات.
ورغم الانتقادات الموجهة بالاستحواذ على أهم اللاعبين والمواهب في المملكةف فإن ذلك ساعد النادي في بناء فريق قوي، واستطاع من خلال عمليات الاستحواذ هذه توفير موارد مالية جراء بيع عقود اللاعبين وإعارتهم بمبالغ كبيرة.
وبينما لم تتوفر بيانات مالية حديثة للعام الماضي، فإن بيانات عام 2023 التي نشرها النادي عبر صفحته الرسمية أظهرت وفرة وصلت إلى أكثر من 420 ألف دولار أميركي.
كما استطاع النادي توقيع اتفاقية لـ3 سنوات مع نادي "إيغلز" الهولندي لإنشاء أكاديمية لتطوير الناشئين، مما يعكس إستراتيجيته لأن يصبح مصدرا للمواهب بدلا من الاعتماد على اللاعبين الجاهزين، ويفتح الباب لتسويقهم مستقبلا، الأمر الذي سيعزز الاستقرار المالي بشكل أكبر.
وقد صرح كميل السكران عضو مجلس إدارة الحسين إربد وأمين الصندوق -للجزيرة نت- بأن ما حققه النادي خلال الموسمين الأخيرين لم يكن صدفة، بل كان نتيجة للاستقرار الإداري والمالي، والاختيار الدقيق للمحترفين المحليين والأجانب، ومنح الجهاز الفني صلاحيات كاملة.
وأشار السكران إلى دور مجلس الإدارة وتكاتفه والذي استطاع تسخير كل الإمكانات لخدمة الفريق، بل إن المجلس استطاع تحويل ديون النادي السابقة إلى تبرعات لدعمه.
وعلى عكس الحسين إربد، فقد أجبرت الظروف المالية الصعبة نادي الرمثا على استغلال الخزان الضخم من المواهب في المدينة.
وأدى حرمانه من التعاقدات إلى تصعيد عدد كبير من المواهب الشابة التي فرضت حضورا كبيرا في منافسات الدوري للموسم الماضي، عندما حددت بوصلة اللقب باتجاه مدينة إربد ومنحته للحسين على حساب الوحدات، واستمر الأداء الإيجابي ليتصدر الرمثا فرق الدوري خلال الجولات الخمس الأولى.