آخر الأخبار

مفاوضات سوريا وإسرائيل.. ماذا يجري على الطاولة؟

شارك

منذ سقوط نظام الأسد وقدوم النظام الثوري الجديد، والحديث يدور عن مفاوضات بين إسرائيل وسوريا، والتلميح بإمكانية انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام التي انطلقت في عهد ترامب في ولايته الأولى والتحقت بها مجموعة من الدول العربية.

أَأصبحت سوريا فعليا ضمن خريطة الخطة الأميركية المستهدفة لانضمام دول عربية جديدة إلى اتفاقيات أبراهام والتي عنوانها: (السلام مقابل السلام)، أم أن الأمر لا يتعدى مفاوضات أمنية، ومجرد تبريد لملفات شائكة وحساسة؟

احتلال أراضٍ وأهداف إسرائيلية إستراتيجية

لا يبدو أن الأمر بتلك البساطة في الحديث عن قيام سلام بين إسرائيل وسوريا، فالمسائل العالقة بين البلدين تختلف عن كل البلاد العربية التي ركبت قطار التطبيع والتحقت باتفاقيات أبراهام، فسوريا من بلاد الطوق وبلد يتمتع بجغرافيا وديمغرافيا كبيرة ومؤثرة، وثروات وموارد طبيعية تؤهلها لتكون مشروعا مهما ورائدا في المنطقة، والأهم من كل ذلك وجود المناطق السورية المحتلة من قبل إسرائيل.

قضية الجولان تعد من أهم المسائل الشائكة والعالقة ما بين سوريا وإسرائيل، إذ تشكل هضبة الجولان 1% من مساحة سوريا الكلية، وتبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع، احتلت إسرائيل في عام 1967 أكثر من ثلثي الهضبة، واستطاعت سوريا في حرب 1973 أن تستعيد جزءا بسيطا منها، لتبقى إسرائيل تسيطر على 1150 كيلومترا من مساحة الجولان.

وتم تهجير معظم سكانها ونزوحهم داخل المناطق السورية، ولم يتبقَ فيها إلا عدد محدود لا يزيد على 40 ألف سوري، معظمهم من الدروز الذين يرفض أكثر من 80% منهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى الآن، رغم مرور ما يقارب 60 عاما على احتلالها.

في عام 1981 أصدرت دولة الاحتلال الإسرائيلي (قانون الجولان)، وبموجبه فرض تطبيق القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان وضمها لدولة إسرائيل وإقامة المستوطنات عليها، إلا أن مجلس الأمن اتخذ قرارا بعد 3 أيام من صدور القانون باعتبار قرار إسرائيل بضم الجولان ملغى وباطلا وليس له أثر قانوني، مطالبا تل أبيب بإلغائه، وفي عام 2019، وقع الرئيس الأميركي ترامب مرسوما رئاسيا اعترف بموجبه بالجولان كجزء من دولة إسرائيل.

إعلان

تشكل مرتفعات الجولان قيمة إستراتيجية كبيرة، إذ تطل على دمشق ومناطق الجليل في الداخل المحتل، كما تتمتع بمخزون مائي كبير، وتشكل هضبة الجولان رافدا مهما من روافد بحيرة طبريا التي تعتمد عليها إسرائيل في أمنها المائي.

ما إن سقط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 حتى استغلت إسرائيل الفرصة وسيطرت على المناطق العازلة بين إسرائيل وسوريا التي تم الاتفاق عليها في اتفاقية فك الاشتباك عام 1974، والتي تبلغ مساحتها 235 كيلومترا مربعا، واحتلت مناطق أخرى من ريف القنيطرة وجبل الشيخ، وبعض المناطق والقرى في ريف درعا جنوب سوريا، وأقامت 9 قواعد عسكرية فيها لفرض واقع عسكري جديد على الأرض.

القيادة الأمنية الإسرائيلية تفرق ما بين القدرة والرغبة السورية على محاربة إسرائيل، فهي تعلم أن الأسد لم يكن يملك القدرة ولا الرغبة في مهاجمة إسرائيل، لذلك لم تقم بأي عمل عسكري ضد النظام السوري، وفي أثناء الثورة كانت أعمالها العسكرية تقتصر على استهداف السلاح الذاهب إلى حزب الله عبر سوريا والتواجد الإيراني فقط.

بيد أنه بعد وصول النظام السوري الجديد ذي الخلفية الإسلامية، تعلم إسرائيل أن الرغبة قائمة للقيام بأعمال ضد إسرائيل، لذلك عمدت إلى شل كل القدرات التي يمكن أن تمنح النظام الجديد القدرة على الاشتباك مع إسرائيل أو تشكيل قلق أمني لها في المستقبل، فقامت بمهاجمة السلاح السوري وألحقت به أضرارا طالت أكثر من 70% من قوات الجيش السوري البرية والبحرية والجوية.

إسرائيل في هذه المرحلة التاريخية من عمرها، المتمثلة بصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف وصعود اليمين الأميركي الذي يعطي اليمين الإسرائيلي أكثر مما يطلب، والشعور بفائض القوة بعد الانتصارات التكتيكية الكبيرة التي حققتها في لبنان، واليمن، وإيران والإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، فإن خطتها الإستراتيجية في سوريا تقوم على تقسيمها إلى أربعة أقاليم على أسس عرقية وطائفية.

فهي تسعى إلى ضم الجولان لها أولا، وإقامة دويلة درزية في السويداء أو جبل العرب ترتبط مع إسرائيل بعلاقات وطيدة؛ لتكون خنجرا في الخاصرة الجنوبية السورية، كما تسعى إلى إقامة دويلة كردية في الشمال الشرقي السوري ترتبط بإسرائيل بعلاقات سياسية وعسكرية قوية، وتشجع على انفصال الساحل السوري عن الدولة السورية وإقامة دولة علوية.

وهي في ذلك تتفق أهدافها مع الدولة الإيرانية، فكلتاهما راغبة في إبقاء سوريا الجديدة دولة محاصرة بدويلات عرقية وطائفية يسهل ابتزازها وإخضاعها في المستقبل.

تعلم إسرائيل أن حالة الضعف السورية والتفوق الإسرائيلي حالة مؤقتة يجب استغلالها إلى أكبر درجة ممكنة، وأن منح سوريا الفرصة لإقامة دولة موحدة يعني خطرا إستراتيجيا على إسرائيل وأمنها الوجودي، لذلك تسعى لفرض واقع جغرافي وعسكري جديد.

جولات من المفاوضات وطبيعتها

جاء أول إعلان عن جولات مباحثات بين سوريا وإسرائيل على لسان الرئيس السوري أحمد الشرع في مايو/أيار لهذا العام، إذ أعلن من باريس عن مفاوضات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب من أجل تهدئة الأوضاع، وعدم فقدان السيطرة في الجنوب السوري.

إعلان

أعقب ذلك التصريح لقاءات مباشرة بين الجانب السوري والجانب الإسرائيلي في أذربيجان بوساطة تركية- قطرية- إماراتية، هدفت إلى إمكانية إقامة مناطق منزوعة السلاح جنوب دمشق مع ضمانات تركية بمحاربة المليشيات المدعومة من إيران، مقابل انسحاب إسرائيل من بعض المناطق الحدودية وتسليمها لدمشق.

لتتوالى بعد ذلك الاجتماعات المباشرة بين دمشق وتل أبيب في باريس برعاية واشنطن، وكانت المباحثات تدور حول التصعيد الأمني الإسرائيلي في جنوب سوريا والأوضاع الأمنية في السويداء والتدخل الإسرائيلي فيها، واستعداد سوريا للعودة إلى اتفاقية حدود فض الاشتباك لعام 1974، كما طالب الوفد السوري بضرورة احترام وحدة الأراضي السورية، وانسحاب إسرائيل من مواقع متقدمة في الأراضي السورية.

وكان آخر تلك اللقاءات في باريس ما أعلنته الوكالة السورية بأن المفاوضات الأمنية تتضمن وقف التدخل في الشأن السوري، ويقصد به ملف السويداء والأكراد، وتعزيز الاستقرار في جنوب سوريا وإعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، والذي كان مضمونها وقف القتال بين سوريا وإسرائيل وتواجد قوات أممية في المناطق منزوعة السلاح، فيما يجري الحديث عن إمكانية توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل في سبتمبر/أيلول مترافقا مع إلقاء الرئيس السوري كلمة في الأمم المتحدة لأول مرة منذ 60 عاما، وهو ما لم يتم تأكيده حتى الآن.

مقدمات تطبيع دائم أم تبريد لملفات حساسة؟

الجدل السياسي لا ينتهي حول تفسير تلك العلاقة الملتبسة بين سوريا وإسرائيل، رغم شفافية التصريحات السورية في هذا الخصوص. بيد أن البعض يراها مقدمة لتطبيع قادم بلا شك والتحاق سوريا بقطار اتفاقيات أبراهام القائمة على مبدأ السلام مقابل السلام، فيما يراها آخرون مجرد اتفاقيات أمنية لتبريد الجبهات والمحافظة على استقرار البلاد لإفساح المجال لاستكمال قيام سوريا الموحدة.

من يرى أن العلاقات السورية الإسرائيلية مقدمة لعلاقات التطبيع يسوق مجموعة من الحجج والدلائل التي تؤيد تلك الفرضية، إذ يرى هذا الفريق في رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، والذي جاء بوساطة سعودية- تركية، أنه جاء مشروطا بحماية الأقليات الدينية والإثنية في سوريا، وإخراج كل المسلحين الأجانب منها، وضمان عدم توافر ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية، وعدم السماح بعودة تنظيم الدولة الإسلامية.

غير أن الأهم من بين كل ذلك هو طلب الرئيس الأميركي من الرئيس السوري الالتحاق باتفاقيات أبراهام متى ما كانت ظروفه الداخلية تسمح بذلك، وقد قال الرئيس الأميركي إن الشرع رد عليه بالإيجاب.

كما يرى هذا الفريق في حالة احتضان الدول الغربية ودول الاعتدال العربي والدول المطبعة مع إسرائيل للنظام السوري الجديد مؤشرا على التحاق سوريا بذات الركب، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، إذ يرون في سقوط نظام الأسد السريع نتيجة مؤامرة محكمة جاءت بتوافق الثورة مع إسرائيل دون أي أدلة تدعم هذا الزعم حتى الآن.

لكن الفريق الذي يرى أن العلاقات السورية الإسرائيلية لن تتعدى التوافقات الأمنية ولن تصل إلى السلام الدائم مع إسرائيل في المرحلة القريبة أو المتوسطة، يؤكد على عدة نواحٍ من هذه المفاوضات.

فالمفاوضات جاءت تحت حالة الضرورة في ظل الواقع الجديد على الأرض الذي فرضته إسرائيل بعد سقوط النظام السوري واحتلال مساحات كبيرة من الأراضي السورية.

كما أن الوضع العسكري الحالي الهش للدولة السورية والفارق الكبير ما بين سوريا وإسرائيل في الجانب العسكري والاستخباراتي، يجعلان الخسائر السورية كبيرة في حال نشوب نزاع عسكري بينهما.

كما أن هذه المفاوضات تعني قطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية في تغذية تقسيم سوريا من أجل إضعافها، وتحويل سكان بعض المناطق السورية إلى حرس حدود لإسرائيل وحديقة خلفية لأمنها الإستراتيجي، بالإضافة إلى أن هذه المفاوضات الأمنية تعني تثبيت الشرعية الدولية للنظام السياسي الجديد، وعدم الانزلاق لأي صراع مسلح مع إسرائيل يمكن أن يؤخر مرحلة التعافي في بناء سوريا جديدة موحدة.

إعلان

لا شك أن الوضع السوري الحالي لا يسمح بالمواجهة العسكرية مع إسرائيل، وأن سوريا الآن والنظام الجديد فيها يمران بأضعف حالاتهما العسكرية مقابل تفوق نوعي واستخباراتي إسرائيلي.

فيما يبدو أن كل ما تريده سوريا أن تمر مرحلة توحيد الأراضي السورية ومرحلة التعافي الأولى بأقل قدر ممكن من الإشكاليات، وأن يتم ترتيب أوراقها الداخلية وبناء مؤسساتها الديمقراطية لتختار الطريق الأسلم والأكثر تحقيقا للمصالح السورية في صراعها مع إسرائيل مصحوبا بتفويض والتفاف شعبي يضمن تحقيق المصالح السورية واستعادة أراضيها المحتلة منذ 1967.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا