آخر الأخبار

مومياوات مصر ليست الأولى.. الكيمياء تكشف التحنيط الآسيوي قبل 12 ألف سنة

شارك

كشف فريق دولي من الباحثين عن أدلة تشير إلى أن الإنسان مارس تقنيات معقدة لحفظ الجثث في مناطق جنوب الصين وجنوب شرق آسيا منذ نحو 12 ألف عام.

هذه النتائج تجعل تلك المومياوات "المجففة بالدخان" أقدم من المومياوات المصرية الشهيرة، بل حتى من مومياوات حضارة تشينتشورو في صحراء أتاكاما بأميركا الجنوبية.

وقد أظهرت الدراسة ، المنشورة في دورية "بي إن إيه إس"، أن الهياكل العظمية التي عُثر عليها في كهوف ومواقع دفن متفرقة تحمل آثارًا مميزة للتجفيف بالدخان، حيث شملت عظام مسوّدة، ومواضع احتراق منخفض الحرارة، ووضعيات جلوس متقرفصة مع تقييد الأطراف.

مصدر الصورة كان الاعتقاد السائد أن التحنيط بدأ في مصر منذ حوالي 4500 سنة، أو ربما في تشيلي قبل 7 آلاف سنة (الأناضول)

كيف كشفت الكيمياء عن التحنيط؟

للوصول إلى تلك النتائج، حلل العلماء مومياوات مستخرجة من مقاطعة غوانغشي في جنوب الصين، كما حصلوا على مومياوات من مواقع في فيتنام وإندونيسيا وماليزيا ولاوس وتايلند والفلبين.

قام الفريق بقياس نسب الكربون المتحوّل على العظام، وهو المادة السوداء التي تتكون عندما تتعرض بقايا عضوية، مثل الخشب أو العظام أو الأنسجة، إلى حرارة منخفضة مع نقص الأكسجين.

وفي حالة الحرق الكامل (كالجنائز التقليدية)، تتحول العظام إلى رماد أبيض هش بفعل حرارة ما بين 600 و800 درجة مئوية، لكن في هذه الهياكل، وجدت آثار كربون أسود وطبقات مسوَّدة على سطح العظم تشير إلى تعرضه لحرارة منخفضة (100-250 مئوية تقريبًا) مع دخان كثيف، أكد هذا للباحثين أن العملية لم تكن حرقًا، بل تدخين وتجفيف مقصود.

مصدر الصورة دخان الخشب غني بمواد كيميائية مثل الفينولات والألدهيدات المعروفة بقدرتها على قتل البكتيريا والفطريات وإبطاء نشاطها (بيكسابي)

تدقيق إضافي

إلى جانب ذلك، استخدم الباحثون التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء وقياسات حيود الأشعة السينية، والتي بينت أن التركيب المعدني للعظام (خاصة هيدروكسي أباتيت الكالسيوم) لم يتغير كما يحدث عند الحرق الشديد، بل احتفظ بخصائصه، مع تغييرات طفيفة فقط ناجمة عن حرارة خفيفة ودخان عضوي.

إعلان

ورغم مرور آلاف السنين في بيئة رطبة، وُجدت جزيئات عضوية محروقة جزئياً (مثل بقايا كولاجين متفحم) في هذه المناطق، وهو أمر مستحيل لو كانت الجثث قد أُحرقت أو تركت تتحلل طبيعي، ومن ثم فهذه البصمات الكيميائية لا تحدث إلا في ظروف تجفيف بالدخان، بحسب الدراسة.

إلى جانب ذلك، اعتمد العلماء على تأريخ بالكربون-14 لبعض العينات لتحديد العمر الزمني للدفنات، النتائج أعطت تواريخ تصل إلى 12 ألف سنة، مما يضعها في فجر العصر الهولوسيني.

الكربون المشع، أو الكربون-14، هو نوع خاص من ذرات الكربون يوجد بكميات صغيرة جدًا في الهواء والغذاء الذي نتناوله. كل الكائنات الحية تحتويه في أجسامها ما دامت على قيد الحياة.

لكن بمجرد الوفاة، يتوقف دخول الكربون-14 الجديد، ويبدأ الموجود بالتحلل تدريجيا بمعدل ثابت يشبه ساعة طبيعية، ومن خلال قياس ما تبقى منه في العظام أو الأخشاب القديمة، يستطيع العلماء حساب العمر الحقيقي لتلك البقايا، وأحيانا بدقة تصل إلى آلاف السنين.

مصدر الصورة من خلال قياس ما تبقى من الكربون 14 في العظام أو الأخشاب القديمة، يستطيع العلماء حساب العمر الحقيقي لتلك البقايا (غيتي)

لم التجفيف بالدخان؟

في المناطق الاستوائية حيث الحرارة والرطوبة عاليتان، تتحلل الجثث بسرعة كبيرة، في هذه البيئات فإن الرمال الجافة التي ساعدت المصريين القدماء لم تكن موجودة، فكان لا بد من وسيلة تمنع التعفن، حسبما نقلت فرانس برس.

هنا يأتي دور دخان الخشب، فهو غني بمواد كيميائية مثل الفينولات والألدهيدات، وهي معروفة بقدرتها على قتل البكتيريا والفطريات وإبطاء نشاطها. هذه المواد نفسها تُستخدم حتى اليوم في حفظ الأطعمة المدخنة كالسمك واللحوم.

كما أن النار الهادئة تجفف أنسجة الجثة من دون أن تحرقها، فتقل نسبة الرطوبة التي يحتاجها التحلل، إنها أشبه بعملية "تجفيف" طويل الأمد.

بدايات الحضارة

وفي المجمل، يظهر الباحثون أن هذا النمط من التعامل مع الجسد البشري لا يشبه الحرق الجنائزي أو الدفن الطبيعي، بل يشير إلى عملية مقصودة لتجفيف الأجساد بواسطة نار هادئة ودخان كثيف، مما يمنع تحلل الأنسجة في بيئة استوائية رطبة عادة ما تسرّع التعفن.

حتى الآن، كان الاعتقاد السائد أن التحنيط بدأ في مصر منذ حوالي 4500 سنة، أو ربما في تشيلي قبل 7 آلاف سنة، أما هذه الاكتشافات فترجّح أن فكرة حفظ الجسد قديمة أضعاف ذلك، وظهرت في بيئات مختلفة وبطرق متباينة.

يدفع ذلك علماء الآثار إلى إعادة النظر في مفهوم "بدايات الحضارة"، إذ يبدو أن التعقيد الرمزي والاهتمام بالموتى كانا حاضرين منذ أزمنة أبعد بكثير مما نظن.

ورغم قوة الأدلة، يحذر بعض الباحثين من التسرع في تبني الفرضية. فالهياكل لم تحتفظ بأنسجة لينة كما هو الحال في مومياوات مصر، بل بقيت العظام فقط. لذا يبقى السؤال مطروحا: هل يمكن اعتبارها مومياوات كاملة؟ وهل كان الهدف من الدخان هو الحفظ أم أنه كان جزءًا من طقس رمزي لا أكثر؟

الأبحاث المقبلة، باستخدام تحاليل كيميائية دقيقة وكربون مشع إضافي، قد تحسم الجدل خلال سنوات قليلة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار