شكّلت سنة 2025 مرحلة انتقالية حاسمة للاقتصاد التونسي، حيث نجحت البلاد في تجاوز تداعيات الأزمات العالمية المتتالية، مظهرةً درجة عالية من المرونة، مدعومة بإصلاحات هيكلية واستثمارات مهمة في البنية التحتية والقطاعات الصاعدة.
وتشير معطيات عدد من التقارير المحلية والدولية الصادرة خلال السنة الجارية إلى أن تونس ستدخل عام 2026 في وضع اقتصادي مريح نسبيًا مقارنة بمحيطها الإقليمي.
و بفضل التناغم بين السياستين المالية والنقدية، استطاعت البلاد تعزيز سيادتها الاقتصادية وتكريس مكانتها كمركز استثماري إقليمي واعد، مع طموح مشروع لتحقيق معدلات نمو أعلى على المدى المتوسط.
وسجّل الاقتصاد الوطني خلال سنة 2025 أداءً إيجابيًا على مستوى عدد من المؤشرات الرئيسية، مدفوعًا بتحسّن ملحوظ في نشاط قطاعات حيوية، أبرزها الفلاحة والخدمات والسياحة، إلى جانب تراجع نسبي في معدلات التضخم وتحسن المؤشرات المالية.
وتُظهر البيانات الاقتصادية أنه من المنتظر أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي لتونس نموًا بنسبة 3.2% خلال عام 2025، مقابل 1.4% في سنة 2024، في مؤشر واضح على تعافٍ تدريجي للنشاط الاقتصادي.
وكان للقطاع الفلاحي دور بارز في هذا التحسن، إذ سجّل ارتفاعًا في القيمة المضافة بنحو 9.8% على أساس سنوي، في حين واصل قطاع الخدمات أداءه الإيجابي محققًا نموًا بنسبة 1.9%، إلى جانب ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة الصناعية بنسبة 3.4%.
وعلى صعيد الأسعار، شهد معدل التضخم تراجعًا طفيفًا ليبلغ 4.9%، مدفوعًا بتباطؤ نسق ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية، لا سيما المواد الغذائية. وقد أتاح هذا المسار التنازلي للتضخم، الذي انطلق منذ الأشهر الأولى من السنة، هامشًا أوسع أمام السياسة النقدية، ما دفع البنك المركزي التونسي إلى خفض نسبة الفائدة الرئيسية إلى 7.5% خلال شهر مارس، في أول خطوة من هذا النوع منذ سنوات من التشديد النقدي.
وشهدت الاستثمارات في تونس خلال سنة 2025 زيادة ملحوظة، حيث استقطبت البلاد أكثر من 2.588 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى حدود نهاية سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 28.1% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024. وتركزت هذه الاستثمارات أساسًا في قطاعات الصناعات المعملية والطاقة المتجددة والخدمات، مع نمو لافت في الاستثمارات المعلن عنها التي بلغت 5.97 مليار دينار، وما رافقها من إحداث فرص عمل وتزايد الاهتمام بالتعاون في مجالات الطاقة المتجددة وصناعة السيارات الكهربائية.
وفي ما يتعلق بالمبادلات الخارجية، ارتفعت صادرات الفسفاط ومشتقاته بنسبة 11.9%، كما سجلت صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية نموًا بنسبة 6.7%، في المقابل تراجعت صادرات الطاقة بنحو 39% نتيجة انخفاض شحنات المواد المكررة.
وشكّل قطاع السياحة أحد أبرز محرّكات النمو خلال السنة، إذ ارتفعت العائدات السياحية بنسبة 8.2% مقارنة بسنة 2024، لتقترب من ملياري دولار، وفق بيانات إحصائية رسمية. كما واصلت تحويلات التونسيين بالخارج مسارها التصاعدي لتبلغ نحو 2.2 مليار دولار، محققة زيادة سنوية قدرها 8%.
وعلى مستوى الاحتياطات، سجلت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تحسنًا ملحوظًا، لتغطي حوالي 107 أيام توريد، وفق أرقام البنك المركزي، وهو ما عزز قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية.
وانعكست هذه المؤشرات الإيجابية على التصنيف السيادي لتونس، حيث قامت عدة وكالات تصنيف ائتماني دولية بمراجعة تقييمها للبلاد نحو الأفضل، في ظل تحسن الاحتياطي من النقد الأجنبي، والسيطرة على العجز الجاري، وتراجع الضغوط على الميزانية. كما نجحت تونس في سداد أقساط ديونها الخارجية لسنة 2025 وفق التقديرات الواردة في قانون المالية.
وعمومًا، مثّلت سنة 2025 منعطفًا حاسمًا للاقتصاد التونسي، إذ باتت الإصلاحات الاقتصادية خيارًا لا محيد عنه لدفع مردودية القطاعات الواعدة، مثل السياحة والفسفاط والتصدير والفلاحة. كما شكّلت البيئة المؤسساتية والاجتماعية الآمنة عاملًا أساسيًا في إنجاح هذه الجهود، وركيزة محورية لمواجهة التحديات التي يفرضها الظرف الاقتصادي العالمي.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية