آخر الأخبار

بقلم بيتر زالماييف من تونس: الرأي العام الأميركي، التهديد الروسي والحرب الهجينة — الجزء الرابع

شارك
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

الجزء الثالث — أوروبا بين التبعية والتفكّك.

الجزء الثاني —ترامب وبوتين والتعرّجات الأميركية.

الجزء الأول — أيّ سلام «عادل» لأوكرانيا؟

تطلق Tunisie Numérique سلسلة من خمسة أجزاء مع بيتر زالماييف ، محلّل وصحافي من أصل أوكراني، في زيارة إلى تونس.

الجزء الرابع: الرأي العام الأميركي، هل روسيا تهديدٌ أبدي؟ وهل يخسر الغرب الحرب الهجينة؟

8) كان الرئيس ترامب قاسياً بشكل غير مسبوق مع أوكرانيا وأوروبا في آخر تصريحاته، ولا سيما في إستراتيجية الأمن القومي. ووفقاً لاستطلاع رأي، فإن 62% من الأميركيين لا يوافقونه على توجهاته واستنتاجاته. ماذا يمكن أن تقول لنا عن ذلك، وأنت المنغمس في هذه الإشكالية؟

بيتر زالماييف — الإجابة (النص الأصلي الكامل):
ليس سراً على أحد أن دونالد ترامب ودائرته الضيقة يحملون عداءً عميقاً تجاه السياسة الأوروبية والحكومات الليبرالية-الديمقراطية في أوروبا. وهم يودّون رؤية مزيد من القادة على شاكلة فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، أو روبرت فيتسو، رئيس وزراء سلوفاكيا، يفوزون بالانتخابات في القارة الأوروبية، تحديداً لأنهم مصطفّون أيديولوجياً معهم.

لقد أعلن دونالد ترامب حرباً على ما يسميه أجندة «الووك» لدى الديمقراطيين التقدميين أي الاعتراف بمختلف الأقليات داخل المجتمع، وإعادة طرح التاريخ الأميركي للنقاش، وبصورة أوسع كل ما يتصل بما يُسمّى الصوابية السياسية. وهكذا يأمل ترامب وفريقه في إقامة نوع من اتحاد عالمي محافظ، يميني ومسيحي.

نرى أن هذا التوجّه يكتسب زخماً على المستوى العالمي، كما يوضحه انتخابٌ حديثٌ لرئيس يميني في تشيلي، قيل إن جدَّه كان نازياً وعضواً في الحزب النازي بألمانيا. نحن أمام ظاهرة عالمية بالفعل، وهذا يفسّر، مرة أخرى، تساهل دونالد ترامب تجاه فلاديمير بوتين، إذ يراه حليفاً محتملاً في هذا المسار.

ويفترض ذلك أيضاً قناعة مفادها أن روسيا، بوصفها جزءاً من تقليد “المسيحية البيضاء”، يمكنها — بل ينبغي لها — أن تكون جزءاً من هذه الـ«باكس أميركانا» الجديدة، إن جاز التعبير، أي من هذا الائتلاف العالمي للحكومات المحافظة، المحافظة ثقافياً، وربما “انتقامية” إذا صحّ التعبير. وهو كذلك وسيلة لفكّ ارتباط روسيا عن الصين.

أما الصين فتُنظر إليها داخل إدارة ترامب بقدرٍ أكبر من القلق والخوف، باعتبارها ثقافة أجنبية غير مسيحية. يمكن وصف هذه السياسة بالعنصرية، لكن هذا هو «العالم الأفضل» بنسخة دونالد ترامب — وهو مؤمن برؤية داروينية لا ينجو فيها إلا الأقوى، وقد نقلها إلى الحقل السياسي.

9) لم تنتظر روسيا نهاية حربها مع أوكرانيا لتُعدّ حروباً أخرى… هل ستبقى موسكو تهديداً أبدياً للسلام في العالم؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف نواجهه؟
بيتر زالماييف — الإجابة (النص الأصلي الكامل):
لا شيء يدوم إلى الأبد. الاتحاد السوفياتي، الذي كان كثيرون في الغرب يعتبرونه «إمبراطورية الشر»، على حد تعبير رونالد ريغان، لم يَدُم إلى ما لا نهاية، رغم أن قلة قليلة كانت تتخيّل أنه سيتفكك كما حدث في عام 1991. عددٌ ضئيل جداً من علماء السياسة كان يمكنه توقّع ذلك. ومع ذلك، انهار.

لذلك، حتى وإن كان كثير من أبناء بلدي في أوكرانيا لم يعودوا يصدقون أن روسيا ستتحول “بشكلٍ إعجازي” إلى أمة مسالمة بعد وفاة فلاديمير بوتين، فأنا أعتقد من جانبي أن روسيا قادرة على أن تتجدد كدولة أكثر عافية. ولكي يحدث ذلك، يجب أن تتحول روسيا من إمبراطورية — وهو ما تزال عليه — إلى دولة أكثر “طبيعية”، إن صحّ التعبير. ما دامت إمبراطورية، فلن تستطيع قياس عظمتها إلا بقدر الأراضي التي تنجح في غزوها والسيطرة عليها.

يكفي النظر إلى الخريطة: قد يعتقد المرء أن روسيا لا تحتاج إلى مزيد من الأراضي. ومع ذلك، سيكون ذلك خطأ. اليوم، يفضّل كثير من الروس الموت جوعاً على أن يروا فلاديمير بوتين يتخلى عن 20% من الأراضي الأوكرانية المحتلة منذ عام 2014. إنها مسألة وقت لا أكثر.

وهي أيضاً مسألة قدرة الدول المجاورة لروسيا، بما في ذلك أوكرانيا، على التحول إلى دول مزدهرة كي تكون أمثلة أمام الروس على الجانب الآخر — أمثلة على نموذج مختلف للعظمة، يضع الفرد فوق مفاهيم عابرة للعظمة الوطنية، مفاهيم لا تراعي الرفاه الحقيقي للمواطنين.

10) هل خسر الغرب بالفعل المعركة، وخصوصاً الحرب الهجينة، أمام خصمٍ غير مقيّد بقواعد الديمقراطية ولا بأطر حقوق الإنسان؟
بيتر زالماييف — الإجابة (النص الأصلي الكامل):
إذا قرأتم الصحافة الغربية — الصحف والمجلات الغربية مثل The Guardian وThe Independent وLe Figaro وBritain Remain — سترون يومياً مقالات بعناوين لافتة وغالباً متناقضة: «بوتين لن يفوز بهذه الحرب»، «أوروبا ستصمد»، «اقتصاد بوتين ليس متيناً بما يكفي»، ولكن أيضاً على النقيض: «بوتين فاز بالفعل بهذه الحرب»، «الغرب خسر»، «بوتين أثبت عجز الغرب عن البقاء موحداً»، وما إلى ذلك.

إذن، هناك تصورات متناقضة جداً حول هذا الموضوع. برأيي، من المبكر القول إن الغرب خسر، حتى لو لم يكن من المبكر القول إن روسيا منخرطة بالفعل في حرب هجينة ضد أوروبا. بطريقة ما، نحن دخلنا بالفعل حرباً عالمية ثالثة — أو، كما قد يقول البعض، حرباً عالمية رابعة، إذا اعتبرنا أن الحرب العالمية الثالثة كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفياتي وأتباعه من جهة أخرى، بعد الحرب العالمية الثانية.

من الواضح أن روسيا حققت قدراً من النجاح عبر التدخل في الشؤون الأوروبية، وتقويض قيمها، والمساهمة في صعود بعض السياسيين من اليمين المتطرف في أوروبا. لكن حتى من دون تدخل روسيا، كانت بعض هذه التطورات ستحدث. نحن نتحدث هنا عن اختلالات اقتصادية وسياسية وثقافية جذورها أعمق بكثير من مجرد نزعات فلاديمير بوتين “الانتقامية” — نزعات يمكن، لدى كثيرين، إرجاعها إلى خطابه العدائي في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2006.

لقد أظهرت روسيا أنها مستعدة للتضحية بالأرواح — لا بالمال فقط، بل بالأرواح البشرية للدفاع عن مصالحها كما يتصورها فلاديمير بوتين. وأتذكر ملاحظة قيلت قبل بضع سنوات في مؤتمر من قبل قطب النفط السابق وأبرز المعارضين الروس في المنفى، ميخائيل خودوركوفسكي. شخصية مثيرة للجدل، ولا تحظى بالضرورة بدعم واسع في أوكرانيا لأسباب مختلفة، لكنه قال شيئاً بالغ الصواب.

قال إن على الأوروبيين أن يتعلموا من روسيا. عليهم أن يفهموا أنه إذا كان أحد الطرفين في نزاع مستعداً للتضحية بحياة شبابه وشاباته من أجل مُثُله، بينما الطرف الآخر غير مستعد لذلك، فإن الطرف الذي يقبل الخسائر البشرية سيفوز عاجلاً أم آجلاً. هذا يلامس جوهر المعضلة التي نواجهها في أوكرانيا.

الأوكرانيون ينزفون في ساحات القتال، فيكبحون روسيا ويشكلون بذلك خط الدفاع الأول عن أوروبا. هذه حقيقة اعترف بها القادة الأوروبيون، خصوصاً في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، لم تُظهر أوروبا أي رغبة في التزامٍ مباشر، ولا سيما عبر إرسال قوات إلى الميدان. لقد استبعد القادة الأوروبيون مرة أخرى فكرة إرسال جنودهم للقتال.

وفوق ذلك، استطلاعاً بعد استطلاع، يصرّح شبان في بولندا وألمانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى بأنهم لن يكونوا مستعدين للدفاع عن بلدهم إذا تعرض لهجوم روسي. هذا هو واقع الحال. وهو ليس واقعاً مشجعاً.

يتبع: الجزء الخامس — سلامٌ ممكن ونظام عالمي الغد.

تعليقات
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

مواضيع ذات صلة: أوكرانيا
لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الرقمية المصدر: الرقمية
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا