تُعدّ الجزائر بلا منازع إحدى أولويات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إفريقيا. فقد خُصِّص أول «ميثاق دفاع» للإدارة الأمريكية الجديدة للجزائر، كما كان أول اتصال هاتفي لوزير الخارجية الأمريكي الجديد في القارة الإفريقية موجّهًا إلى الجزائر.
و عزّز الرئيس ترامب هذا التوجّه بإرسال رسالة دافئة جدًا إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة عيد الاستقلال.
لكن ترامب نفسه وضع الجزائر ضمن قائمة الدول الخاضعة لرسوم مرتفعة، بذريعة إعادة التوازن إلى المبادلات التجارية. «الضربة الصديقة» الثانية الموقّعة من الولايات المتحدة تطال هذه المرة قطاعًا محوريًا في الصادرات الجزائرية خارج المحروقات: حديد التسليح.
هل أثارت نجاحات الجزائر الغيرة؟
منذ سنة 2022، باتت الولايات المتحدة أحد أكثر الأسواق ازدهارًا للمنتجات الجزائرية. ويبدو أن هذا الصعود المتسارع بدأ يثير حفيظة المنتجين الأمريكيين، الذين اتهموا الجزائر بـ«ممارسات تجارية غير عادلة»، وتقدّموا بشكوى إلى السلطات المختصة.
و جاءت العقوبة سريعة : فرض رسم مكافحة إغراق بنسبة 127% على المنتج الجزائري، عقب تحقيق أولي خلص إلى أن حديد التسليح المستورد قد يُسوَّق بسعر أدنى من قيمته الحقيقية.
و يرى قسم التجارة الأمريكي أن واردات حديد التسليح الجزائري تُباع في السوق الأمريكية بأسعار «منخفضة بشكل غير عادل». وعلى أساس هذا الاستنتاج الأولي فُرض الرسم الإضافي، رغم أن الجميع يدرك أن مثل هذه الإجراءات تطال، دون تمييز، كل المنتجات العالمية التي تتفوّق من حيث الجودة مقابل السعر على الإنتاج المحلي، والتي يُقبل عليها المستهلك الأمريكي، كما هو الحال مع المنتجات الأوروبية أو الصينية وغيرها.
و يُشار إلى أن هذا الإجراء يظلّ مؤقتًا بالنسبة إلى الجزائر، إذ من المرتقب أن يُعلن قسم التجارة قراره النهائي عقب استكمال التحقيقات، خلال نحو 75 يومًا. وكانت شركة Commercial Metals (CMC)، وهي مجموعة أمريكية تنشط في إنتاج وإعادة تدوير وتوزيع المنتجات الحديدية، من بينها حديد التسليح والصلب الطويل، قد كشفت عن هذه الخطوة يوم الجمعة 19 ديسمبر. وبحسب CMC، فإن هذا الإجراء جاء على خلفية شكوى قُدّمت في شهر جوان الماضي من قبل عدد من الفاعلين في صناعة الصلب الأمريكية.
و يؤكد مقدّمو الشكوى أنهم تكبّدوا أضرارًا ناجمة عن واردات حديد التسليح القادمة من الجزائر وبلغاريا ومصر وفيتنام. وكانت Rebar Trade Action Coalition (RTAC)، وهي تكتّل صناعي يمثّل مصنّعي حديد التسليح في الولايات المتحدة، قد قدّمت إشعارين في جوان الماضي، تضمّنا المطالبة بإجراءات مكافحة الإغراق وفرض رسوم تعويضية.
الملف لم يُحسم بعد، سيد مات
و تتهم RTAC بشكل خاص حكومات الجزائر ومصر وفيتنام بتقديم دعم مالي قد يعرّضها لعقوبات. وتؤكد المنظمة أن «واردات حديد التسليح القادمة من الجزائر وبلغاريا ومصر وفيتنام تُباع في الولايات المتحدة بأسعار تقلّ عن قيمتها العادلة». ووفقًا لما أعلنته Commercial Metals، فإن الإجراءات المتّخذة لا تقتصر على هذا القرار الأولي، إذ جرى بالفعل تحديد مواعيد أخرى ضمن المسار نفسه.
و من المنتظر الإعلان عن القرارات الأولية المتعلقة بالرسوم التعويضية التي تستهدف الجزائر ومصر وفيتنام خلال شهر جانفي 2026، في حين يُتوقّع استكمال تحقيقات مكافحة الإغراق الخاصة بمصر وفيتنام وبلغاريا في شهر مارس 2026.
و قد سارع الرئيس التنفيذي لشركة Commercial Metals، بيتر مات، إلى إعلان «الانتصار» والإشادة بتدخل قسم التجارة، قائلًا: «أودّ أن أشكر Department of Commerce على دفاعه عن التجارة العادلة». واعتبر أن هذا الإجراء يساهم في حماية «مصانع الصلب الوطنية، والأهم من ذلك، العمال والعاملات» في مواجهة ما وصفه بممارسات تجارية «مُربِكة وغير عادلة».
غير أن الكلمة الفصل لم تُقَل بعد. وسيُظهر شهر جانفي المقبل ما إذا كان حماس السيد مات في محلّه. وما هو ثابت أن الولايات المتحدة أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، سوقًا مهمة لمنتجي الصلب الجزائريين. ففي سنة 2023، بلغت صادرات الصلب الجزائري إلى بلد «العم سام» نحو 485 ألف طن، قبل أن تتراجع بشكل حاد خلال السنة الماضية إلى حوالي 100 ألف طن.
و من المؤكد أن رسم مكافحة الإغراق لن يخدم مصالح المنتجين الجزائريين الناشطين في السوق الأمريكية، ولا سيما كبار الفاعلين مثل «توسيالي الجزائر» و«الجزائرية القطرية للصلب». غير أن الولايات المتحدة ليست الوجهة المزدهرة الوحيدة، فالعالم واسع، بدءًا بالامتداد الطبيعي للجزائر: إفريقيا.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية