آخر الأخبار

الاصلاح الجبائي في تونس : مسار شامل للعدالة الضريبية

شارك
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

يسير إصلاح النظام الجبائي في تونس نحو العدالة والشفافية، عبر حزمة متكاملة من الاجراءات في سياق تنزيله التدريجي عبر قوانين المالية، بهدف توسيع الوعاء الضريبي ودمج الاقتصاد غير المهيكل، وتحسين كفاءة الإدارة الجبائية.

يركز الاصلاح، في هذا المجال، على الضرائب التصاعدية، وتطوير الضريبة على الشركات، وإصلاح الجباية المحلية، ودمج قيم المواطنة الضريبية، لتكريس الدور الاجتماعي للدولة وضمان تمويل الخدمات العامة في اطار نموذج تنموي مستدام يراعي القدرات ويحفز الاستثمار .

سبل تطوير النظام الجبائي

نشر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية مذكرة حول النظام الجبائي التونسي وسبل تطويره في سياق يدعم الانصاف والنجاعة بما يعود بالنفع على توازنات الالية العمومية والاقتصاد والمجتمع.

وقدم المعهد في مذكرته نظرة شاملة حول الاولويات المطلوبة لمزيد تطوير النظام الجبائي الوطني بمختلف مكوناته حيث جرت الدعوة الى استرجاع الموارد الضائعة بدل الترفيع في النِّسَب اذ يقدّر المعهد في هذا الصدد “الفجوة الجبائية” في تونس بـ4,2% من الناتج الداخلي الخام، أي ما يقارب 5,2 مليارات دينار سنويًا من العائدات الجبائية غير المُستخلَصة. ويعود هذا النزيف أساسًا إلى التهرّب الجبائي، والتصريح الناقص، وضعف نجاعة المراقبة، في منظومة ما تزال تعتمد بدرجة كبيرة على الإجراءات الورقية.

ولمعالجة ذلك، تقترح المذكرة الرقمنة الشاملة لإدارة الجباية، تقوم على الربط الآلي بين الإدارة العامة للأداءات، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والديوانة، والسجل الوطني للمؤسسات. والهدف عملي وواضح: تقاطع منهجي للمعطيات لتوجيه عمليات المراقبة والحدّ من التهرّب دون زيادة الضغط الجبائي الإجمالي. وللمقارنة، مكّن النظام البريطاني للربط بين المنظومات، في هذا الاطار، من تحقيق مليارات الجنيهات من الموارد الإضافية دون الترفيع في النِّسَب.

وفي خصوص الضريبة على الدخل، تم التركيز على اهمية تصحيح منظومة أصبحت تراجعية حيث تشير المذكرة إلى أنّ 57% من الموارد الجبائية في البلاد ما تزال متأتية من الضرائب غير المباشرة، وهو ما يجعل المنظومة الجبائية في مجملها تراجعية. إذ تتحمّل الطبقات المتوسطة من الأُجراء العبء الأكبر، في حين تبقى بعض الفئات ذات الدخل المرتفع ضعيفة الخضوع للضريبة.

مقترحات عملية

وتقترح الإصلاحات مراجعة سُلَّم الضريبة على الدخل عبر الترفيع في عتبة الإعفاء من 5 آلاف إلى 10 آلاف دينار سنويًا، وإحداث شرائح إضافية للدخول المرتفعة جدًا، اضافة الى تطبيق النسبة الهامشية القصوى (40%) فقط على ما يفوق 527 ألف دينار سنويًا. ومن المنتظر أن يُفضي ذلك إلى إعادة توازن العبء الجبائي دون المساس بالقدرة الشرائية للأسر محدودة الدخل.

اما على مستوى الامتيازات الجبائية، فقد قدرت الخسارة في الموارد بما يعادل 2,8% من الناتج علما ان الإجراءات الجبائية الاستثنائية تستفيد منها غالبًا قطاعات معيّنة دون تقييم منتظم لنجاعتها الاقتصادية. ويوصي المعهد بمراجعة شاملة للامتيازات الجبائية، مع الإلغاء التدريجي لتلك التي لم يُثبت أثرها على الاستثمار والتشغيل. وهنا أيضًا تختلف المقاربة عن الإصلاحات السابقة حيث يتم التاكيد على ضرورة توسيع الوعاء الجبائي بدل الترفيع في النِّسَب على الملتزمين بالتصريح.

هذا وركزت المذكرة على الجباية البيئية في سياق تغيير في المنطق اذ تقترح إدخال ضريبة كربون تصاعدية لتعويض عدد من الضرائب البيئية ضعيفة المردودية. ويأتي ذلك في سياق تجاوزت فيه قيمة دعم الطاقة 7 مليارات دينار سنة 2023، ما يخلق تناقضًا بين السياسة الميزانية والأهداف المناخية. وحسب المعهد، فإن جباية بيئية مُحكمة الصياغة يمكن أن توفّر موارد جديدة وتوجّه السلوكيات الاقتصادية، مع إعادة توزيع جزء من العائدات على الأسر.

اصلاح متدرج قائم على الحوكمة

في نفس السياق، جرى التطرق الى الاقتصاد الرقمي ذلك ان عديد النصوص هي بلا تطبيق ويذكّر المعهد بأن تونس أقرّت منذ 2020 ضريبة على الخدمات الرقمية دون أن تُطبّق فعليًا. وبالمقارنة، أقرّ السنغال سنة 2024 أداء على القيمة المضافة بنسبة 18% على الخدمات الرقمية، محققًا أكثر من 1,7 مليون دولار في أقل من عام.

وعليه، يوصي المعهد بالتنفيذ الفعلي لجباية المنصّات الأجنبية الناشطة في السوق التونسية، لتعبئة جزء من القيمة المضافة المحققة محليًا.

وتشكل عموما هذه التوصيات والمقترحات قطيعة مع الإصلاحات السابقة حيث يكمن الاختلاف الجوهري مع الإصلاحات الجبائية السابقة في المنهجية. فبينما اعتمدت السياسات الماضية على تعديلات سنوية فرضتها استعجالات الميزانية، تقترح مذكرة المعهد إصلاحًا مُتدرّجًا، مُحدّد الكلفة، ومحكومًا بالحوكمة، مع مؤشرات أداء وآلية قيادة مؤسسية مخصّصة. ومن خلال التركيز على الوعاء الجبائي، والأداة الإدارية، والحوكمة قبل أي ترفيع في النِّسَب، تقدم المذكرة مسارًا بديلًا لعقدٍ من الإصلاحات الجبائية المحدودة وغالبًا غير المُجدية.

تعليقات
Facebook Twitter LinkedIn WhatsApp

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

مواضيع ذات صلة:
الرقمية المصدر: الرقمية
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا