لكي تحظى أيّ إصلاحات كبرى بقبول شعبي واسع، لا بدّ من إشراك الجميع دون استثناء، و منع أيّ امتيازات أو استثناءات، ومعاقبة كلّ مخالفة بما يتناسب مع خطورتها.
هذا هو جوهر مشروع القانون المتعلّق بـ«قانون المرور» الجديد. وقد عرض الوثيقة وزير الداخلية والجماعات المحلية والنقل، سعيد سايود، أمام لجنة النقل بالمجلس الشعبي الوطني.
و أقلّ ما يمكن قوله إن السلطات لم تعد تتسامح مع آفة حوادث الطرقات و ما تخلّفه من قتلى.
تشديد شامل لمواجهة «حالة استعجال وطنية»
لكل داءٍ دواء من جنسه. وأمام الاستعجال الوطني كان لا بدّ من نصّ طموح، ومنظومة ردعية صارمة بما يكفي لتجفيف منابع مآسي المرور.
لذلك أعدّت السلطات نصًا يضمّ 190 فصلًا، يتناول نطاقًا واسعًا لوضع كلّ طرف أمام مسؤولياته. من السائقين إلى المشاة، الجميع معنيّ، ولا أحد سيفلت من المتابعة.
من شروط رخصة السياقة إلى عقوبات المشاة
يبدأ الأمر بشروط الحصول على رخصة السياقة ضمن إطار أكثر صرامة، وبعقوبات أشدّ في حال الإخلال. وينتهي بالمشاة الذين يُعدّون، دون شك، جزءًا من المشكلة.
و رغم أنّ الرأي العام لا يولي ذلك اهتمامًا كبيرًا، فإنّ المشاة بدورهم سيُعاقَبون عند عدم احترام قواعد السير.
ويصنّفهم القانون الجديد ضمن مخالفات الدرجة الأولى، وهي الأقلّ خطورة نسبيًا، لكن غرامتها حُدّدت بـ4 آلاف دينار جزائري.
و يُذكر أنّ النصّ الحالي ينصّ على غرامة قدرها 2000 دينار جزائري لكلّ عبور خارج الممرّات المخصّصة للمشاة، غير أنّ هذا الإجراء نادرًا ما كان يُطبَّق. أمّا القانون الجديد فيعلن نهاية هذا التهاون: السلامة المرورية تصبح مسؤولية الجميع، لا السائقين وحدهم.
تصنيف جديد للمخالفات: مخالفات وجنح وجرائم
يعزّز مشروع القانون العقوبات عبر تصنيف المخالفات إلى: مخالفات، وجنح، وجرائم. وفي ما يتعلّق بالمخالفات، رُفعت الغرامات المالية وقُسّمت إلى أربع درجات بحسب مستوى الخطورة:
مخالفات الدرجة الأولى: غرامتها 4000 دينار جزائري، وتشمل – إلى جانب مخالفات المشاة – رفض تقديم وثائق السير، وعدم وضع حزام الأمان، وعدم احترام معايير نقل الأطفال، وحتى الزجاج المتّسخ.
مخالفات الدرجة الثانية: غرامتها 6000 دينار جزائري، وتتعلق بالاستعمال المفرط للمنبّهات الصوتية، والوقوف في المسالك المخصّصة للنقل العمومي، وعدم وضوح لوحات الترقيم، إضافة إلى عدم احترام أولوية المرور للمشاة.
مخالفات الدرجة الثالثة: تصل غرامتها إلى 9000 دينار جزائري، وتشمل أساسًا تجاوز السرعة بنسبة تقلّ عن 10%، والوقوف الممنوع، والاستعمال غير المبرّر لممر التوقّف الاضطراري، ورمي النفايات خارج المركبة، والنقل غير الآمن للأشياء، أو قيادة الأطفال دون سنّ 10 سنوات للدراجات.
مخالفات الدرجة الرابعة: وهي الأشدّ خطورة، وتُعاقَب بغرامة قدرها 15 ألف دينار جزائري. وتضمّ سلوكيات بالغة الخطورة مثل عدم احترام إشارات التوقّف، والتسارع أثناء التجاوز، والقيادة دون رخصة، واستعمال الهاتف أثناء القيادة، وغياب الفحص الفني، وعدم احترام مسافة الأمان، إضافة إلى تجاوزات السرعة التي تفوق 20%.
عقوبات جزائية أشدّ… قد تصل إلى 20 سنة سجنا
ولا يقتصر التشديد على الغرامات فقط، بل يشمل العقوبات الجزائية أيضًا التي تمّت مراجعتها بشكل كبير. ففي المخالفات المصنّفة ضمن الجنح والجرائم الخطيرة، خاصة القتل أو الجروح غير العمدية، قد تصل العقوبات إلى 20 سنة سجنًا نافذًا وغرامة قدرها مليونا دينار جزائري…
وتزداد العقوبات صرامة عندما تُرتكب المخالفة بواسطة مركبات ثقيلة أو نقل جماعي. فهذه المركبات تتصدر الأخبار كثيرًا بسبب حوادث مأساوية تُفجع عشرات العائلات.
مكافحة المخدرات: فحوصات إلزامية ومراقبة دورية
ولم يُغفل قانون المرور الجديد مسألة تعاطي المخدرات. إذ يفرض النصّ إجراء فحوصات طبية تثبت عدم التعاطي عند طلب رخصة السياقة أو تجديدها. كما يُلزم السائقين، ولا سيما سائقي الشاحنات الثقيلة وناقلات المسافرين، بالخضوع لمراقبة طبية دورية، مع إمكانية إجراء فحوصات مفاجئة.
وتُطبَّق الإجراءات نفسها على ملفات انتداب المهنيين في هذه الفئات. كما يتناول المشروع تجميد أو سحب رخصة السياقة، وحالات العود، وحجز المركبة، وإمكانية إخضاع السائق لفحص طبي للتثبت من أهليته البدنية والذهنية.
الهدف واضح: صفر تسامح ومسؤولية جماعية
الوجهة واضحة: من الآن فصاعدًا لا تسامح مطلقًا، مع تحميل جميع مستعملي الطريق مسؤولياتهم، لوضع حدّ للمآسي الإنسانية المتكرّرة.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية