آخر الأخبار

هل ستنجح سياسات التحفيز في إنعاش نمو الاقتصاد الصيني؟

شارك الخبر

في العقود الأخيرة، كانت الصين المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي. خلال الفترة من 2008 إلى 2019، والتي تشمل السنوات بين الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد، نما الاقتصاد الصيني بمتوسط 8%، وهذا يمثل حوالي ثلث النمو العالمي. ومنذ ذلك الحين، أدت مجموعة من العوامل المحلية إلى تباطؤ ملحوظ في وتيرة النمو الاقتصادي للصين.

في السنوات الماضية، انتشر قدر كبير من التشاؤم بشأن النمو الاقتصادي في الصين مع فشل المؤشرات الاقتصادية في تلبية التوقعات. وقد تم تأكيد ذلك من خلال مؤشر المفاجآت الاقتصادية في الصين، الذي يعتبر مقياساً رسمياً لمقارنة إصدارات البيانات مع التوقعات. منذ يونيو من العام الماضي، انخفض المؤشر إلى المنطقة السلبية ليعكس مدى انتشار الأخبار السلبية للأشهر الأربعة التالية قبل أن يتعافى منذ منتصف الربع الأخير.

مصدر الصورة

علاوة على ذلك، بدأت المخاوف تتزايد مع تحول التركيز نحو عملية التصحيح في الأسواق العقارية التي يبدو أنها لم تصل إلى أدنى مستوياتها بعد، فضلاً عن التهديد المتنامي الذي ينطوي عليه تراكم الديون المستحقة على الحكومات المحلية. وفي هذا السياق، بدأ الصبر ينفد تجاه النهج الحذر والتدريجي الذي تتبعه الحكومة لتنفيذ سياسات التحفيز الاقتصادي. وأشار إجماع توقعات بلومبرغ إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيبلغ 4.7% في عام 2024. وعلى الرغم من أن هذا الرقم كبير وفقاً للمعايير الدولية، إلا أنه كان أقل بمقدار 3.3 نقطة مئوية عن متوسط 8% المسجل بين عامي 2008 و2019.

ومن غير المرجح أن تعود معدلات النمو إلى المتوسطات العالية جداً المسجلة قبل الجائحة، نظراً للتطورات الهيكلية التي تقود الاقتصاد إلى اتجاه طبيعي طويل الأجل من اعتدال النمو. ومع ذلك، فإن العديد من الرياح المواتية ستتيح تحسن النمو في العام الحالي. نناقش في هذا المقال ثلاثة عوامل من شأنها أن تدعم النمو في الصين في عام 2025.

أولاً، تقدم المؤشرات الاقتصادية مفاجآت إيجابية، مع إشارات باستمرار الزخم البنّاء، فقد دخل مؤشر المفاجآت الاقتصادية بشكل مريح النطاق الإيجابي في الربع الأخير من عام 2024، حيث جاءت البيانات أفضل من المتوقع في قطاعات الإنتاج الرئيسية. وأظهرت أسواق العقارات علامات الاستقرار مع اعتدال الانخفاض في الأسعار والمبيعات، حتى أن بعض الإحصاءات أظهرت نمواً إيجابياً. يأتي ذلك بعد أن عززت الحكومة الحوافز لهذا القطاع من خلال تسهيل شروط الإقراض العقاري والإعلان عن تخصيص أموال للمشاريع المستهدفة والإسكان للأسر ذات الدخل المنخفض.

بالإضافة إلى ذلك، يشير النمو القوي في مبيعات السيارات الكهربائية والأجهزة المنزلية إلى زيادة شهية الأسر للاستهلاك. وبشكل أعم، دخل مؤشر مديري مشتريات القطاع الصناعي أيضاً في النطاق التوسعي في الربع الأخير من العام الماضي، بعد أن ظل في المنطقة السلبية لخمسة أشهر متتالية. ويشير هذا التطور الإيجابي في المؤشرات عبر مختلف القطاعات إلى أنه ينبغي مراجعة التوقعات الحالية صعوداً.

ثانياً، تعمل الحكومة الصينية على إطلاق مجموعة قوية من التدابير النقدية والمالية المنسقة لتوفير التحفيز للاقتصاد. وأعلن المكتب السياسي بقيادة الرئيس شي جين بينج أنه سينفذ استراتيجية سياسة نقدية “ميسرة إلى حد ما” هذا العام، متوقعاً موقفاً لم يتم تبنيه منذ الأزمة المالية العالمية. وعلى وجه التحديد، تُرجم هذا الأمر إلى توقعات بخفض أسعار الفائدة بمقدار 40-60 نقطة أساس من قبل بنك الشعب الصيني، ولكن من المؤكد أن ذلك سيكون مصحوباً بإجراءات أخرى للتيسير النقدي. وعلى الصعيد المالي، من المتوقع أن يحدد صناع السياسات سقفاً لعجز الموازنة يبلغ 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأوسع منذ عام 1994، وأكبر من المستويات الاعتيادية التي لا تتجاوز 3%.

مصدر الصورة

تضاف الإعلانات الأخيرة إلى الجولات السابقة من المبادرات التي شملت إعادة رسملة البنوك الحكومية، وخفض أسعار الفائدة ونسب الاحتياطي الإلزامي، والإنفاق العام، وتدابير دعم أسواق العقارات وأسواق رأس المال، وحزمة بقيمة 1.4 تريليون دولار أمريكي لتخفيف ضغوط الديون الحكومية المحلية، من بين العديد من المبادرات الأخرى. وسينتقل تأثير هذه السياسات تدريجياً إلى الاستهلاك والاستثمار لدعم النمو الاقتصادي هذا العام.

ثالثاً، يساهم استمرار دورات التيسير التي تتبعها البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى في تحسين الأوضاع الخارجية للصين. ففي العام الماضي، ومع السيطرة على التضخم، خفض كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس. وتشير التوقعات هذا العام إلى تخفيضات إضافية بمقدار 100 و75 نقطة أساس. ونتيجة لذلك، ستستمر الأوضاع المالية العالمية في التحسن بشكل كبير. ومع خفض البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى لأسعار الفائدة، تتوسع السيولة والائتمان. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون لدى بنك الشعب الصيني مجال أكبر لتيسير السياسة النقدية، حيث يشير انخفاض فروق أسعار الفائدة إلى تلاشي المخاوف من خروج رؤوس الأموال من الصين بحثاً عن عوائد أعلى في الخارج. وبالتالي، فإن الأوضاع المالية العالمية المواتية تمثل عاملاً إضافياً يسمح بتيسير السياسة بشكل استباقي مما يعزز النمو.

في نظرنا، وفي حال عدم حدوث صراع تجاري كبير مع الولايات المتحدة، سيحظى النمو الاقتصادي الصيني بدعم من الزخم الإيجابي، وسياسات التحفيز الأكثر قوة، وتحسن الأوضاع المالية العالمية، مما يؤدي إلى معدل نمو يفوق إجماع التوقعات يقارب 4.8%.

الرقمية المصدر: الرقمية
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا