من بين العادات الموروثة عن الحكومات السابقة، نجد عادة قيام وزراء أو مسؤولين في وزارة التجارة بزيارات فجائية لأسواق الجملة، وهي زيارات يبرزها الإعلام التونسي كإشارة على اهتمام هؤلاء المسؤولين باستهلاك المواطن. كما حذت الولاة والمعتمدون حذوهم في ذلك.
وهنا يطرح سؤال ملح: لماذا لا تتجه هذه الزيارات الميدانية نحو الحقول والواحات ومخازن التبريد، حيث يمكن معرفة أصل المشكلة وحقيقة الاحتكار والتحكم في الأسعار؟
في تلك الأماكن، يقوم بعض أصحاب المال والأعمال بنوع خاص من الهيمنة بطرق خفية، عبر شراء كميات كبيرة من المنتجات الزراعية قبل قطفها، وذلك من خلال نظام يُعرف بـ”الخضارة”، أي شراء المحصول قبل جنيه دون دفع أية ضرائب. ويتم توجيه هذه الكميات إما إلى مخازن مبردة خاصة بهم أو إلى أصحاب هذه المخازن للتحكم في الأسعار، أو بيعها مباشرة لشركات ومصانع التصدير بأسعار منخفضة.
وهناك أمثلة كثيرة على هذه العمليات في مناطق الإنتاج، مثل الرقاب بسيدي بوزيد، حيث تنتج أصناف متعددة من الغلال، وكذلك في مناطق الجنوب التونسي التي تضم واحات إنتاج التمور، بالإضافة إلى مناطق أخرى مثل سبيبة بالقصرين، وبني خلاد وبني خيار في الوطن القبلي، وقرمبالية بولاية نابل.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على الغلال فحسب، بل تشمل أيضاً “صابة الزياتين” حيث تمارس عمليات الاحتكار والتحكم في أسعار هذا المحصول الغزير، لا سيما في صفاقس والعديد من مدن الساحل كالمهدية و حتى في جرجيس والقيروان.