خلصت مجلة جامعة كولومبيا للصحافة إلى أن ما تُعرف بظاهرة "تجنّب الأخبار" لا تعني العزوف التام عن متابعة المجريات في العالم، بل النفور من الأنماط الصحفية التقليدية، مشيرة إلى أن "متجنبي الأخبار" ما زالوا يصلون إليها لكنْ بطرق شخصية وغير مباشرة عبر المنصات الرقمية.
ووجد تقرير صدر مطلع العام الجاري عن معهد رويترز، الذي استطلع آراء نحو 34 ألف شخص في 17 دولة، أن استهلاك الأخبار انخفض في السنوات العشر الماضية، حيث قال 40% من المشاركين إنهم يتجنبون الأخبار، أما الأسباب فكان أكثر ما أشار إليه المشاركون في الاستطلاع هو التأثير السلبي على مزاجهم والشعور بالإرهاق من الكم الإخباري المتدفق.
لكنْ، وفقا لبنيامين توف، الأستاذ المشارك في كلية هوبارد للصحافة والاتصال الجماهيري بجامعة مينيسوتا ومؤلف كتاب "تجنب الأخبار.. جمهور متردد في متابعة الصحافة"، لا يمكننا التخلص من هذه المشكلة بهذه السهولة، لافتا إلى أن العديد ممن يصفون أنفسهم بأنهم يتجنبون الأخبار لا يزالون يحصلون على ما يسميها "الأخبار غير المباشرة".
وتشمل الطرق غير المباشرة، بحسب توف، سماع الأخبار من الأصدقاء أو العائلة، أو متابعة مناقشات بشأن الأحداث التي وردت في الأخبار على موقع فيسبوك.
ووفقا لبيانات حديثة من مركز بيو للأبحاث، أفاد 43% من البالغين دون سن الـ30 في الولايات المتحدة بأنهم يحصلون بانتظام على الأخبار من تيك توك، بارتفاع كبير عن عام 2020 حيث سجل آنذاك 9% فقط.
ووجدت دراسة أخرى أجراها مركز بيو أن 38% من الأميركيين يحصلون بانتظام على الأخبار من فيسبوك، و35% من يوتيوب، و20% من إنستغرام، و12% من إكس.
وتشير مجلة جامعة كولومبيا للصحافة إلى أن الأخبار موجودة هناك، وإنْ كانت في بعض الأحيان مجردة من التدقيق والسياق الذي تحرص عليه وسائل الإعلام، التي يرغب الجمهور بشكل متزايد في تخطيها.
وربما لا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئا بالنظر إلى مستويات الثقة المنخفضة في الصحافة، فبحسب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تبلغ الثقة في وسائل الإعلام الجماهيرية في نقل الأخبار "بشكل كامل ودقيق وعادل" 8% حاليا.
ويقول فيليب لويس المحرر في هافنغتون بوست "ربما يميل الناس إلى الوثوق بما يأتي من شخص أكثر مما يأتي من علامة تجارية".
ويتساءل لويس (34 عاما) المعروف بحسابه على إكس الذي يتابعه نحو 430 ألف، عن مصطلح "تجنب الأخبار" بعد أن أدرك من خلال تجربته ارتباط استهلاك الأخبار بالعادات الشخصية، واستنادها إلى الهوية.
ويشير إلى أن الأميركيين السود غالبا ما يتفوقون في مشاهدة الأخبار، ووفق بيانات بيو لعام 2024، يقول 76% من البالغين السود إنهم يحصلون على الأخبار من التلفزيون على الأقل في بعض الأحيان، مقارنة بـ 62% من البيض واللاتينيين، و52% من الآسيويين.
كما أن البالغين السود في الولايات المتحدة يبحثون عن الأخبار على يوتيوب وفيسبوك وإنستغرام وتيك توك بمعدلات أعلى من البيض.
تقول راشيل لويس (32 عاما)، وهي مديرة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، إنها لا تولي اهتماما كبيرا بالأخبار المحلية لأنها لا تخبرها مطلقا بما يحدث في منطقتها.
وعندما تقرأ الأخبار في وسائل الإعلام التقليدية، تتساءل "هل هذا مقال حقيقي أم كتبه الذكاء الاصطناعي؟ من كتب المقال؟"، لافتة إلى أن مجرد معرفة ما إذا كان ما تقرأه حقيقيا أم لا يتطلب الكثير من الجهد.
وقالت "أهتم كثيرا بمنصة ريديت (Reddit) الخاصة بمدينتي وبما يتحدث عنه الناس هناك"، ووجد بيو أن قرابة 9% من الأميركيين يحصلون على أخبارهم من منصة ريديت.
وتؤكد لويس أن الطريقة المثالية للحصول على الأخبار بالنسبة لها هي حضور اجتماع عام، مضيفة "أريد فقط أن أجلس في دائرة مع أفراد مجتمعي وأتحدث عن القضايا التي تهمنا جميعا، لكن الجميع مشغولون ومرهقون للغاية، ولا أحد يريد أن يطرق بابه شخص غريب، لذا أعتقد أن شيئا مثل ريديت أو مجموعة فيسبوك هو أقرب ما يمكنك الحصول عليه".
وتختم مجلة جامعة كولومبيا للصحافة تقريرها بالإشارة إلى الطرق الأخرى في الوصول إلى الأخبار، مثل مجموعات "واتساب" والتطبيقات الجماعية التي تتعقب -على سبيل المثال- أنشطة إدارة الهجرة والجمارك، مضيفة أن المعلومات التي توفرها هذه الطرق لن تظهر في نتائج البحث عن الأخبار، خصوصا مع تدريب الخوارزميات على تقليل التغطية الصحفية على أي حال، ويرجع ذلك جزئيا إلى أبحاث "تجنب الأخبار".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة