مع كل موسم انتخابي في العراق، يعود الجدل مجددا حول دور العشائر في رسم المشهد السياسي وتوجيه بوصلة التصويت، بين من يرى أن نفوذها تراجع بفعل التحولات الاجتماعية والتمدّن، ومن يعتقد أنها ما زالت تمثل أحد أهم مفاتيح التأثير في العملية الانتخابية، خصوصا في المحافظات الجنوبية والغربية.
ففي الوقت الذي تتبدل فيه موازين القوى بين الأحزاب والتيارات السياسية والوجوه الجديدة، تبقى البنية العشائرية عاملا ثابتا ومؤثرا في مناطق عديدة، إذ يُنظر إلى الزعيم العشائري بوصفه رمزا اجتماعيا وسياسيا في الوقت نفسه، وقناة عبور لأي مرشح يسعى إلى ضمان كتلة تصويتية موثوقة.
شراكات سياسية عشائرية
يرى مراقبون أن الدور العشائري لم يعد مقتصرا على الحشد الانتخابي، بل تطوّر إلى مستوى الشراكة السياسية مع القوى المتنفذة.
فالعديد من الزعامات القبلية، بحسب المراقبين، تشارك مباشرة في القوائم الانتخابية أو تدعم مرشحين محددين مقابل ضمانات خدمية ومكاسب محلية، ما يجعل تأثيرها يمتد إلى مرحلة ما بعد الانتخابات من خلال تثبيت الأرجحية والشرعية السياسية.
اللاعب الوسيط
ويقول الكاتب والباحث السياسي إبراهيم الخضر، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": " العشائر لاعب وازن بين الأحزاب والجمهور، خاصة في المحافظات التي تعاني من ضعف مؤسسات الدولة أو تخلف الخدمات، حيث يُنظر إلى الشيخ كمصدر ثقة ووسيط لحل المشكلات اليومية أكثر من السياسي نفسه".
ويضيف الخضر أن تأثير العشيرة يتراجع كلما ارتفع الوعي السياسي وتوسعت الخدمات الحكومية، لكنه يعود بقوة حين يشعر المواطن بغياب الدولة أو عجزها عن تلبية احتياجاته.
"لكن رغم ذلك، فإن النفوذ العشائري لم يعد مطلقا كما في السابق، بفعل التطور الاجتماعي والتوسع المديني والتواصل الرقمي، الأمر الذي حدّ من قدرة الزعامات على السيطرة الكاملة على خيارات أفراد العشيرة، خصوصًا الأجيال الشابة التواقة للخطاب الإصلاحي والمستقل"، يوضح الخضر.
نفوذ يتقلص
من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي ريبين عمر أن من الخطأ المبالغة في تقدير النفوذ العشائري انتخابيا، قائلا في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "حتى العشيرة الواحدة تجدها متوزعة مذهبيا ما بين سنة وشيعة، ما يعني أن أصواتها تتوزع وفق اعتبارات ومصالح متعددة ولا يمكن تقييدها في قالب واحد".
ويضيف عمر أن في المنطقة الواحدة قد يتنافس أكثر من مرشح من نفس العشيرة، ينتمون لقوائم سياسية مختلفة، مشيرًا إلى أن تعدد الكتل الصغيرة في هذه الدورة الانتخابية يخفف من حدّة التحشيد الطائفي ويفتح المجال لتنافس البرامج والمشاريع.
تكيّف لا انحسار
ويرى خبراء أن المشهد يسير نحو تكيّف تدريجي بين العشيرة والدولة، بحيث لم تعد العلاقة صدامية كما في السابق، بل قائمة على توازن المصالح والتعايش بحكم الواقع.
فالعشيرة باتت قناة وسيطة بين المواطن والدولة في ظل ضعف الخدمات، ما يجعلها عنصرا بنيويا في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه.
ومع هذه الانتخابات، يبدو أن العشائر ما زالت تحتفظ بجزء من ثقلها التاريخي والاجتماعي، لكن تأثيرها أصبح مرنا ومتعدد المستويات، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، يعكس، كما يقول الخبراء، هشاشة البنى المؤسسية واستمرار الحاجة إلى مراجع اجتماعية محلية تمنح المواطنين الثقة والانتماء.
المصدر:
سكاي نيوز