في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- في محاولة لاحتواء التراجع غير المسبوق في شعبيتها داخل الولايات المتحدة، وخصوصا بين صفوف المسيحيين اليمينيين المحافظين، تستعد الحكومة الإسرائيلية لإطلاق حملة واسعة بتكلفة عشرات ملايين الدولارات، تتولاها شركات أميركية متخصصة في التأثير الإعلامي وصناعة الرأي العام.
وتركز الحملة على استعادة تأييد المسيحيين الإنجيليين والمحافظين، الذين كانوا تاريخيا من أكثر الفئات دعما لإسرائيل، لكن هذا الدعم تراجع بشكل ملحوظ خلال الحرب على غزة ، خصوصا بين الشباب الجمهوريين الذين بدؤوا ينظرون إلى سياساتها بعين أكثر نقدا من أي وقت مضى.
وتهدف إلى تعزيز صورة تل أبيب وإعادة ترسيخ حضورها في الخطاب الديني والسياسي الأميركي، بعد أن أظهرت استطلاعات حديثة انخفاضا في تأييدها، وتحاول إسرائيل إعادة تشكيل هذا الخطاب ليس فقط عبر الإعلام التقليدي، بل أيضا من خلال الذكاء الاصطناعي وروبوتات المحادثة المنتشرة عالميا.
" نتنياهو بعد القاء كلمته في الامم المتحده خطط خصيصا للقاء مشاهير إمريكيين على مواقع التواصل
.
" نتنياهو تحدث معهم أن اسلحة الحروب التي يتم استخدامها تتغير بمرور الوقت
.
وأهم سلاح حاليا هو سلاح مواقع التواصل
.
" وتحدث عن أهم سلاح يتم شراؤه
.
ليتدخل احد المؤثرين ويتحدث عن البوتات… pic.twitter.com/tOFeFDUN0O— Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) September 27, 2025
وكشفت وثائق لصحيفة "هآرتس" أن منظمة "أصوات إسرائيل"، التابعة لوزارة الشؤون الإستراتيجية، باتت تعتبر الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في حملاتها العالمية لمواجهة ما تصفه بـ"محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل".
وتشير إلى أن المنظمة تدير غرفة عمليات رقمية متطورة تستخدم الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات ضمن مشروع "ماكس" الممول من وزارة الشتات الإسرائيلية، في إطار تحول الدعاية إلى منظومة رقمية متكاملة تخوض معركة على العقول.
وأظهرت وثائق مالية أن الإنفاق الحكومي على الإعلانات الرقمية تجاوز 45 مليون دولار خلال النصف الثاني من عام 2025، موزعة بين غوغل ويوتيوب ومنصة " إكس " و"أوتبرين" (Outbrain).
كما اتسعت دائرة النفوذ لتشمل أنشطة ميدانية، إذ مولت وزارة الخارجية الإسرائيلية، خارج نظام المناقصات، جمعية أميركية لتنظيم جولات مؤثرين من اليمين المسيحي إلى تل أبيب، شملت زيارات للمستوطنات في الضفة الغربية و القدس المحتلتين وهضبة الجولان السوري المحتلة.
ووصفت الوزارة تلك الزيارات بأنها "رحلات إعلامية ذات قيمة إستراتيجية وسياسية"، تستهدف إعادة بناء جسور التأييد التي تصدعت بين إسرائيل والمحافظين الأميركيين الشباب.
وفي سبتمبر/أيلول 2025، التقى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، عددا من هؤلاء المؤثرين في نيويورك، ودعاهم إلى "استخدام أهم سلاح في عصرنا، وسائل التواصل الاجتماعي، لضمان وجود قاعدتنا في الولايات المتحدة".
ووفقا لوثائق مسربة كشفت عنها صحيفة "هآرتس" في تقرير لها، تخطط إحدى الشركات المتعاقدة مع تل أبيب لاستخدام تقنيات تحديد المواقع الجغرافية لرصد ملايين المسيحيين غير الملتزمين بالكنائس، ومن ثم توجيه رسائل دعائية لهم تتضمن "حججا كتابية تؤكد أهمية إسرائيل واليهود بالنسبة للإيمان المسيحي".
وتشمل الخطة أيضا إطلاق حملة رقمية متقدمة تعتمد على تتبع المستخدمين الذين يزورون الكنائس في ولايات الغرب الأميركي أثناء أوقات الصلاة، بهدف استهدافهم بإعلانات متكررة ومحتوى مصمم خصيصا لهم.
وتنوي الشركة تنظيم معرض متنقل يعرف باسم "تجربة السابع من أكتوبر"، سيجوب الكنائس والجامعات الأميركية، ويضم أدوات الواقع المعزز "في آر" (VR) التي تتيح للمشاركين "معايشة أهوال الحفل الموسيقي نوفا" كما تصفها الخطة، في محاولة لتأجيج التعاطف مع إسرائيل.
وحسب الوثائق ذاتها، ستتولى إحدى الشركات مهمة التأثير على طريقة تناول أدوات الذكاء الاصطناعي لقضايا إسرائيل، بما في ذلك محاولات "إنتاج نتائج على مستوى التأطير في محادثات (جي بي تي)، وأنظمة الخطاب القائمة على الذكاء الاصطناعي".
ويثير هذا البند مخاوف واسعة حول احتمال توظيف الذكاء الاصطناعي في الدعاية السياسية المنظمة، بما يشكل سابقة عالمية في مسار استخدام التقنية للتأثير على تشكيل الرأي العام.
بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، يتعين على الشركات الأميركية التي تعمل نيابة عن حكومات أجنبية أن تسجل نشاطها لدى وزارة القضاء الأميركية. وفي الشهرين الماضيين كشفت وثائق عن تعاقدات متعددة بين الحكومة الإسرائيلية، ومن بينها وزارتا الخارجية والسياحة، مع شركات أميركية لترويج مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة.
حكومة نتنياهو توقع عقودًا سرّية لشراء الذكاء الاصطناعي، وتوجيهه لخدمة دعايتها في أمريكا والعالم.
وفقا لصحيفة "هآرتس" فإن شركات دعاية أمريكية تُغرق الإنترنت برسائل مُبرمجة تدافع عن إسرائيل وتهاجم كل صوت ينتقدها !! pic.twitter.com/lEXVZ85PXs
— وطن. يغرد خارج السرب (@watanserb_news) November 8, 2025
ويقول مراسل الشؤون السيبرانية والتضليل الإعلامي في صحيفة "هآرتس" عومر بن يعقوب إن الوثائق تشير إلى أن شركة "هافاس ميديا" الألمانية، الفرع التابع لمجموعة "هافاس" العالمية، تعمل كوسيط ينقل المدفوعات وينفذ العقود مع هذه الشركات الأميركية.
وتكشف الأرقام أن "هافاس" تلقت منذ عام 2018 ما لا يقل عن 100 مليون دولار مقابل حملات ترويجية في الولايات المتحدة تهدف -من بينها- إلى تشجيع السياحة إلى إسرائيل. ويضيف أن أكبر العقود الحديثة وقعت في أغسطس/آب 2025، مع شركة "كلوك تاور إكس" (Clock Tower X)، المملوكة لبراد بارسكال، الذي قاد سابقا الحملات الرقمية للرئيس الأميركي دونالد ترامب .
العقد الذي تبلغ قيمته 6 ملايين دولار ولمدة 4 أشهر، وُقّع مع شركة "هافاس ميديا" لصالح الحكومة الإسرائيلية لتقديم استشارات إستراتيجية وتخطيط وخدمات اتصالات ضمن حملة واسعة لمكافحة ما سمته الحكومة "معاداة السامية".
وتنص بنوده على إنتاج ما لا يقل عن 100 مادة أصلية شهريا (فيديو، وصوت، وبودكاست، وتصاميم ونصوص)، و5 آلاف نسخة مشتقة شهريا، بهدف بلوغ 50 مليون مشاهدة شهريا، مع توجيه 80% من المحتوى إلى الشباب عبر منصات تيك توك و إنستغرام ويوتيوب.
كما يتضمن العقد دمج الرسائل داخل شبكة إعلامية مسيحية محافظة "سالم ميديا"، التي تمتلك أكثر من 200 محطة إذاعية وموقع إلكتروني، كما كلف بارسكال هذا العام بإدارة إستراتيجية شبكة البث المسيحية. وتأتي هذه الحملة -حسب بن يعقوب- في ظل تحول في مواقف الجمهور الأميركي، إذ تشير تقارير رأي عامة إلى تراجع غير مسبوق في دعم إسرائيل بين 2022 و2025.
وتستعرض الوثائق ذاتها أيضا حملة منفصلة لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية أُوكلت إلى شركة "شو فيث باي ووركس" المملوكة للمستشار الجمهوري تشاد شنيتغر، بميزانية تتجاوز 3 ملايين دولار، دفع منها جزء عبر "هافاس"، وتركز على الكنائس والمنظمات المسيحية في غرب الولايات المتحدة لمحاولة مواجهة انخفاض الدعم والعمل على زيادة الوعي عبر استخدام الروابط والمواد الدعائية الصادرة عن الفلسطينيين وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ).
وتقترح الحملة استخدام رسائل ذات طابع توراتي تؤكد "أهمية إسرائيل واليهود للمسيحيين"، وتروج لسرديات مفادها أن "الفلسطينيين اختاروا حماس"، و"يحتفلون بمذبحة 7 أكتوبر"، و"لديهم نوايا تهدد وجود إسرائيل".
كما تتضمن ما وُصف بـ"أكبر حملة تحديد جغرافي في تاريخ الولايات المتحدة"، تهدف إلى تحديد مواقع الكنائس الكبرى والكليات المسيحية في ولايات كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وكولورادو أثناء أوقات الصلاة، لتحديد هوية المصلين وتتبعهم واستهدافهم بإعلانات مخصصة. وقدر القائمون على الخطة أن الجمهور المستهدف يصل إلى نحو 8 ملايين من رواد الكنائس و4 ملايين طالب مسيحي.
وتتطرق الوثائق أيضا إلى أسماء مشاهير أُدرجت كمشاركين محتملين، من بينهم كريس برات، وجون فويت، ووالد أنجلينا جولي ، وتيم تيبو، وستيفن كاري، من دون دليل قاطع على تواصل فعلي معهم حتى الآن، بحسب بن يعقوب.
كما تقترح الحملة إنتاج "مواد تعليمية للقساوسة"، إضافة إلى عرض متنقل أسمته "تجربة السابع من أكتوبر"، بمفهوم صممه "مصممو ديكورات هوليود" ويستعين بتقنيات الواقع المعزز "في آر" لعرض هجوم حماس وأحداث الحفل الغنائي نوفا، بغرض إثارة التعاطف مع إسرائيل.
ويقول بن يعقوب إن تحقيقات سابقة كشفت أن شركات "الإعلانات الاستخباراتية" طورت أدوات تسمح بعزل مناطق جغرافية واستخلاص بيانات تعريفية من الحاضرين هناك لاستهدافهم لاحقا. وهي ممارسة -برأيه- تثار حولها مخاوف بشأن انتهاك الحق في الخصوصية، إذ تشير مسودات الحملة الحالية إلى أن مثل هذه الأدوات قد تستخدم لتحديد الجمهور المسيحي وتوجيه رسائل محددة إليه.
وتكشف هذه الوثائق عن صورة معقدة لحملة دعاية منظمة على نطاق واسع تستهدف تشديد الروابط مع قطاعات محددة من الجمهور الأميركي، وتثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول حدود العمل الدعائي، وخصوصية الجمهور، ودور الوسطاء الدوليين في تسهيل وتوجيه الرسائل السياسية والثقافية عبر الحدود.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة