فبينما تتحدث الأطراف الوسيطة عن تقدم نسبي، تبقى المرحلة الثانية من الاتفاق معلقة على أسئلة معقدة: من سيدير غزة؟
من سيضمن نزع سلاح حماس؟
هل يستطيع نتنياهو تجاوز قيود الداخل الإسرائيلي، في وقت تراهن فيه واشنطن على تثبيت التهدئة وتحويلها إلى مسار سياسي أوسع؟
تقدم حذر.. والمرحلة الثانية الأكثر صعوبة
رغم الخروقات التي يحمل مسؤوليتها لإسرائيل، يرى الوزير الفلسطيني السابق سفيان أبو زايدة أن الاتفاق يسير "أفضل مما كان متوقعاً"، مشيراً إلى أن أكثر من 50 فلسطينياً قتلوا منذ إعلان وقف إطلاق النار.
ويضيف أبو زايدة:
المرحلة الأولى: شملت إطلاق سراح الأسرى والمختطفين، وتم تنفيذها بنسبة كبيرة.
المرحلة الثانية: تواجه تحديات أعقد، وتشمل:
* تشكيل مجلس إدارة فلسطيني لإدارة غزة.
* تشكيل قوة عربية ودولية داعمة.
* إنشاء مجلس سلام لمراقبة تطبيق الاتفاق.
ويؤكد أبو زايدة أن هذه المرحلة "لم تبدأ فعلياً بعد"، على الرغم من الحضور المكثف للوسطاء الأميركيين وعلى رأسهم ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، وانضمام نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى جهود المتابعة.
ويشير إلى أن "إصرار الوسطاء على البقاء في المنطقة يعكس تصميم واشنطن على تنفيذ الاتفاق، وأن هدف الضغط الأميركي هو نتنياهو لمنع أي تراجع عن الالتزامات".
نتنياهو بين حسابات الداخل وضغوط الحلفاء
يشير أبو زايدة إلى أن نتنياهو لا يرغب في الانتقال إلى المرحلة الثانية لأنها:
* "تعني انسحاباً جديداً من مناطق داخل غزة، ووجود قوة عربية دولية تحد من حرية الجيش الإسرائيلي في القصف والتحرك".
* "تقلص صلاحياته العسكرية وتفتح الباب أمام ترتيبات جديدة قد تضعف نفوذه".
ويضيف:
*
الولايات المتحدة تمارس ضغطاً واضحاً على تل أبيب للاستمرار في التنفيذ.
* "واشنطن لا تريد إرسال قوات إلى غزة، لكنها أقامت مركز متابعة مؤقتاً في كريات جات يضم نحو 200 جندي أميركي لمراقبة سير الاتفاق وليس للمشاركة في عمليات عسكرية".
قضية الجثامين.. اختبار إنساني وسياسي
من أبرز العقبات التي تواجه الاتفاق، ملف الجثامين الفلسطينية والإسرائيلية.
ويشير أبو زايدة:
* " حماس سلمت كل المختطفين الأحياء خلال أقل من 72 ساعة، لكن الجثامين لا تزال محل تعقيد".
* "بعض الجثامين مفقود تحت الأنقاض في مناطق دمرت بالكامل شمال غزة، ويصعب الوصول إليها دون معدات ثقيلة تمنع إسرائيل دخولها".
* "إسرائيل مطالبة بالسماح بإدخال هذه المعدات، والفلسطينيون يريدون دفن شهدائهم تحت الركام".
* "لا يمكن أن تكون الجثامين الإسرائيلية فقط ذات قيمة إنسانية، بينما يظل أكثر من 15 ألف فلسطيني مفقودين تحت الأنقاض".
قوة الدفع الأميركية.. بين حماس ونتنياهو
يشير أبو زايدة إلى أن استمرار الاتفاق "رهين بقوة الدفع الأميركية"، مضيفاً:
* "طالما أن الرئيس ترامب متحمس لإنجازه، فإن الوسطاء قادرون على تجاوز العراقيل".
* "الرهان على استمرار حماسة ترامب مغامرة، لأنه لا أحد يراهن عليه لفترات طويلة".
* "الموقف الأميركي كان حاسماً في منع التصعيد بعد مقتل جنديين إسرائيليين، ولو تُرك الأمر لنتنياهو لكانت الحرب استؤنفت".
المنظور الاستراتيجي.. رؤى الخبراء
يرى الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية منصور معدي أن المرحلة الثانية هي المفصل الحقيقي للاتفاق، لأنها تجمع بين وقف إطلاق النار واستكمال تحرير المخطوفين، وتشمل ترتيبات السلاح والإدارة. ويضيف:
* "وقف إطلاق النار مصلحة مشتركة لكل الأطراف: إسرائيل، الولايات المتحدة، والدول العربية وتركيا".
* "نتنياهو يريد الوصول إلى الانتخابات المقبلة مع تسجيل إنجاز مزدوج: إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين".
* "حماس تستخدم ورقة الجثامين والمخطوفين لكسب الوقت وترتيب أوراقها، وتكشف عن المواقع تحت الركام تدريجياً".
* "الاتفاق صُمم ليخدم المصالح الإسرائيلية، ويضمن بقاءها ميدانياً إلى حين استكمال نزع السلاح وترتيب الإدارة الجديدة".
* "الضغط الأميركي للإسراع بالمرحلة الثانية قد يربك المشهد ويهدد وقف إطلاق النار، خصوصاً دخول قوة عربية أو
تركية ما زال موضع تحفظ في تل أبيب".
دور واشنطن وحماس بين الضغوط والعزلة
* حماس فقدت كثيراً من رصيدها الشعبي والسياسي ولم تعد تحظى بالدعم العربي السابق.
* الدول العربية (قطر،
مصر، تركيا) تضغط للحفاظ على الاستقرار الإقليمي دون دعم مباشر لحماس.
* واشنطن تؤدي دوراً مزدوجاً:
* بالنسبة لحماس: راعٍ يضغط على إسرائيل.
* بالنسبة لتل أبيب: شريك يضمن مصالحها ويمنع انهيار الاتفاق.
* أميركا تسعى لإنجاز سريع قبل الانتخابات الأميركية والإسرائيلية، وتسابق الزمن للانتقال إلى ملفات أخرى مثل توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية والملف الإيراني.
غياب الأفق السياسي والاستعجال في التنفيذ
يشير الخبراء إلى أن غياب أفق سياسي شامل يمثل نقطة ضعف مركزية في الاتفاق:
* الرئيس ترامب لم يذكر حل الدولتين، والشارع الإسرائيلي لا يريد سماع هذه العبارة.
* إعادة إعمار غزة قد تستغرق بين 10 و15 عاماً، وتشكيل إدارة فلسطينية جديدة يحتاج إصلاحات داخل السلطة.
* السلام الحقيقي لن يتحقق إلا إذا عاد المسار الفلسطيني إلى أساسه: دولتان لشعبين، وكل اتفاق آخر سيبقى هدنة مؤقتة.
خلاصة المرحلة
المرحلة الأولى أُنجزت نسبياً، لكن المرحلة الثانية هي الحاسمة لتحديد مستقبل الاتفاق.
معادلة الاتفاق رهينة بين:
* ضغط واشنطن لإتمام الالتزامات.
* رغبة نتنياهو في إدارة الوقت لصالحه.
* محاولة حماس الحفاظ على أوراقها المتبقية.
* مصير غزة يبقى معلقاً بين جرافات الإعمار وديناميات السياسة، فيما يراقب العالم ما إذا كانت الهدنة نهاية الحرب أم فصلها الهادئ فقط.