رام الله- تاركا حياة الرفاهية التي عاشها لسنوات كمحام في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية ، يعيش ياسر علقم في بلدته ترمسعيا، وقد اعتاد سنويا التوجه مع عائلته ومن في ضيافتهم من أصدقائهم المتضامين مع الفلسطينيين إلى أرضه الواقعة شرق البلدة، ليقطف الزيتون الذي يمثل بالنسبة له جزءا لا يتجزأ من هويته الفلسطينية، كما يقول في حديثه للجزيرة نت.
لكن صباح أمس لم يكن مألوفا، فقد عاش المحامي ياسر علقم، وصديقه الصحفي المستقل جاسبر ناثانيال، والمتضامنون المرافقون لهما، نصف ساعة متواصلة من الرعب، وهم يحاولون النجاة بحياتهم من هجمات المستوطنين الشرسة التي استهدفت قاطفي الزيتون في البلدة.
ورغم أن علقم حاول تغيير الطريق لتجنب هجوم مستوطنين، إلا أن سيارة عسكرية إسرائيلية (جيب) اعترضت طريقهم، ليكتشفوا بعد انسحابها لاحقا أن المنطقة التي كانت تقف فيها قد اختبأ فيها أكثر من 100 مستوطن.
يقول علقم "انسحب الجيب فجأة من المنطقة، وهذا جعلنا نشك أن هناك خطرا قريبا، فحاولنا المغادرة، وبعد مسافة 100 متر، بدأ عشرات المستوطنين بالهجوم علينا بشكل مفاجئ، وقاموا بتكسير السيارة ما أدى لتضرر زجاجها وهيكلها المعدني، إضافة إلى الاعتداء على الناس على جانبي الطريق".
في الأثناء، نزل الصحفي ناثانيال الذي كان يوثق الهجوم لمساعدة امرأة مسنة تعرضت للضرب على رأسها بقصد القتل، بعصا يتجاوز طولها مترا ونصفا، بينما واصل صديقه علقم طريقه لإنقاذ متضامن سويدي تعرض للضرب المبرح من المستوطنين، ما أدى لتعرضه لكسور في يده وقدمه وجروح غائرة في رأسه، كما قام المستوطنون باستهداف سيارة علقم بالحجارة.
كان أهالي ترمسعيا الواقعة شمال شرق محافظة رام الله والبيرة، والتي تشهد بشكل متكرر هجمات عنيفة من قبل المستوطنين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قد اتفقوا على أن يتحركوا بشكل جماعي لقطف الزيتون من الأراضي المحاذية لمستوطنة "شيلو"، في محاولة لتأمين أنفسهم من هجمات المستوطنين المنظمة.
ويحمل قرابة 85% من سكان ترمسعيا الجنسية الأميركية، ويقومون بشكل مستمر بإبلاغ السفارة الأميركية بما يتعرضون له من هجمات المستوطنين، دون أن يتلقوا أي ردود فعالة أو تدخلات جادة من السفارة للتصدي لهذه الهجمات.
يصف علقم هذه اللحظات بقوله إن "الحدث كان عبارة عن نصف ساعة، لكنها (مدة) مرعبة، كانوا متوحشين جدا، أي أحد في طريقهم يضربونه بقصد القتل، تستطيع أن ترى الغل في وجوههم، يضربون ليقتلوا".
وعن سبب اتخاذه قرار العيش في البلدة، يجيب علقم الجزيرة نت بإصرار وثبات بادٍ في صوته "لقد تركت حياة الرفاهية في كاليفورنيا ورجعت إلى وطني، لأن للوطن دَينا علينا أن ندفعه، ولأن لدينا رسالة أن نبقى في ترمسعيا ولا نترك بيوتنا للمستوطنين، ولن نخضع لهذا التخويف، أنا أفضّل أن أموت في بيتي ولن أهاجر".
وقال الناشط في اللجان الشعبية في ترمسعيا عوض أبو سمرة للجزيرة نت إن "هجمات المستوطنين ازدادت شراسة بعد إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، وخصوصا من مستوطنين كانوا قد أقاموا بؤرة حديثة على الأراضي بين بلدتي المغير وترمسعيا، ويتناوبون على الهجمات على البلدتين".
ويضيف أنهم تفاجؤوا بهذه الهجمة الشرسة التي اعتدى فيها المستوطنون على المواطنين بالسلاح الناري والأدوات الحادة وقنابل الغاز، "وقد أحرق المستوطنون أكثر من 7 سيارات في المنطقة الشرقية للبلدة التي تمتد مساحتها لألفي دونم، حيث وُجد المواطنون في أراضيهم لقطف الزيتون" حسب قوله.
وأكد أبو سمرة أن إصرار المواطنين على التصدي لهذه الهجمة دفع المستوطنين للانسحاب، وبسبب هذا التصدي تمكن أهالي البلدة من العودة في اليوم التالي لمواصلة قطف الزيتون، دون التعرض لهجمات من المستوطنين، خصوصا مع الضجة التي أحدثها التوثيق المصور لهذه الهجمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أطلق نشطاء حملة "زيتون 25" للتضامن مع الفلسطينيين في وجه الاعتداءات التي يتعرضون لها في موسم قطف الزيتون، والتي يشكل حضور المتضامنين الأجانب فيها الجزء الأهم، لدعم صمود العائلات الفلسطينية في قطفها للزيتون.
وقال منير عميرة أحد منسقي الحملة وسكان ترمسعيا إن "هذا الاستهداف من قبل المستوطنين عمل منظم، ويستهدف منع كافة الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم المزروعة بالزيتون، في كافة الأراضي وعلى وجه الخصوص تلك المصنفة ضمن مناطق ج حسب اتفاقية أوسلو ".
ويضيف عميرة في حديثه للجزيرة نت أن "القصة اليوم هي قصة كل فلسطيني يمتلك زيتونة على هذه الأرض، وهو مستهدف تماما كما الناس، وليس هذا الاستهداف فقط للبعد الاقتصادي للزيتون، بل وأيضا المعنوي"، مؤكدا أن هناك تنظيما واضحا لهذه الجماعات، سواء في توقيت الهجوم أم في طريقته وأسبابه.
ويقول "إنهم يهجمون دون أي حسابات، حتى إنهم يظهرون بوجوه مكشوفة، وهذا يثير مخاوف المتضامين، في ظل وجود مستوطن حاقد مستعد للقتل" موضحا أن الهجمات بالأمس لم تستثنِ أحدا، بما في ذلك من حضر من النشطاء الإسرائيليين المؤمنين بحقوق الشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره.
وأكد عميرة أن الاستهداف لا ينحصر فقط في ترمسعيا، بل يمتد لكافة المناطق التي يوجد فيها الفلسطينيون لقطف الزيتون، مشددا على أن المستوطنين يتصرفون بنفس طريقة جنود الاحتلال، حيث يتفردون بإعلان مناطق بوصفها عسكرية مغلقة، أو يقومون بمصادرة مفاتيح سيارات الفلسطينيين، وتحت غطاء وحماية من الجيش الإسرائيلي .
وصل قرابة 200 متضامن أجنبي من خلال هذه الحملة إلى أراضي الضفة الغربية لهذا العام، وذلك بهدف الوجود مع الفلسطينيين وحمايتهم أثناء قطف الزيتون، فيما يواجه هؤلاء المتضامنون حملة تحريض واسعة من قبل المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
و يحرص الجيش الإسرائيلي على إبلاغ المزارعين بأن شرط حصولهم على تنسيق لقطف محصول الزيتون في أراضيهم هو عدم الترحيب بهؤلاء المتضامنين الأجانب، "لأنهم سبب المشاكل" حسب ادعائهم.
وأشار عميرة إلى سياسة بالغة الخطورة كانت قد مورست بحق المتضامنين الأجانب، حيث أجبرهم الجيش الإسرائيلي على مغادرة حقول الزيتون في بورين وحوارة. وفور وصولهم إلى أماكن إقامتهم؛ تم اعتقال وترحيل 32 متضامنا في يوم واحد، في محاولة لفرض عزلة على الفلسطينيين في ظل ما يواجهونه من هجمات المستوطنين.
ويختم عميرة حديثه بصوت ممزوج بالقهر "لقد تحول موسم الزيتون من موسم تتجمع فيه العائلة الفلسطينية وتعمل وتنتج فيه، إلى موسم للخوف والترقب والقلق، أصبح موسما قاسيا جدا، حيث حطم الاحتلال الأمان الاجتماعي والاقتصادي الذي كان يحيط بهذا الموسم فيما مضى".