في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على مر العصور، قاد الثورات زعماء كانوا المحرك الرئيسي للتغيير. لكن المعادلة تغيرت اليوم، فلم يعد هناك من يقود الثورات، بل أصبحت المظاهرات تنفجر بشكل عفوي، وتكفي أي ذريعة ليتفجر الاستياء، وتفيض مشاعر الغضب، وتندفع جموع الغاضبين بسرعة هائلة ومدمرة، تحرق كل ما يعترض طريقها.
وفي تقرير نشره موقع "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات"، سلط الكاتب فاليري بورت الضوء على موجة الاحتجاجات التي يقودها " جيل زد " في العديد من دول العالم، ومدى قدرتها على تحقيق تغييرات حقيقية ومستدامة في بنية السلطة والمؤسسات الحاكمة.
يقول الكاتب إن "جيل زد" -أي الجيل الذي وُلد بين أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الثاني من الألفية الجديدة- أصبح في قلب هذه المعادلة، حيث يشكل القوة الدافعة الرئيسية للحركات الثورية.
هذا الجيل الذي يُطلق عليه "أبناء الإنترنت"، يقضي وقتا طويلا في الفضاء الافتراضي ويعيش في عالم خيالي، وغالبا ما يتسم بالطموح ويرفض الأوامر ولا يُكن أي احترام للسلطة، حتى تلك التي يمثلها كبار السن.
ويتابع قائلا إن شباب جيل زد يهتم اهتماما بالغا بالسياسة، ويطمح إلى إصلاح الدولة وتغيير إستراتيجيتها، لكنه في بعض الأحيان يعمل على التغيير من خلال ثورات عنيفة، وهو ما شهدته عدة دول.
وعلى حد تعبيره، فإن شباب اليوم غالبا ما ينظر إلى التاريخ بازدراء، لكنه ينبش في الماضي بحثا عن رموز يقدسها، ومن تلك الشخصيات الثورية تروتسكي و ماو تسي تونغ و لينين و ستالين و تشي غيفارا و فيدل كاسترو .
ويوضح الكاتب أن عملية الحشد وتحريك الشارع أصبحت أسهل من أي وقت مضى، بسبب سهولة انتشار الشعارات والأفكار في الفضاء الرقمي، مما يساعد على استقطاب آلاف الشباب، كثير منهم من محدودي الدخل أو العاطلين عن العمل، ويرون في العصيان المدني وسيلة فعالة للتأثير السياسي.
في نيبال على سبيل المثال، أثار قرار الحكومة حظر وسائل التواصل الاجتماعي للحد من تسريب ملفات الفساد غضبا شعبيا واسعا، وأظهر قدرة جيل زد على التحرك بسرعة وتنظيم الاحتجاجات عبر الفضاء الرقمي.
أدى قرار الحكومة النيبالية إلى اندلاع موجة غضب شعبي تحولت إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة والجيش، مما أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين.
وذكر الكاتب أن الاحتجاجات في نيبال بلغت حدا غير مسبوق، إذ اضطرت السلطات إلى التراجع عن الحظر، لكن ذلك لم يخفف من حدة الغضب الشعبي، حيث أحرق المتظاهرون البرلمان، ومقر حزب "المؤتمر النيبالي" الحاكم، واستولوا على القصر الحكومي، بينما أُجبر الوزراء على الاستقالة من مناصبهم.
ورغم أن المتظاهرين نجحوا في إجبار الحكومة على فتح قنوات تفاوض مع المعارضة، فمن غير الواضح إن كانت الاحتجاجات قد حققت أهدافها، وفقا للكاتب.
يضيف الكاتب أن الغضب الشعبي في المغرب اندلع بسبب ارتفاع الإنفاق الحكومي على التحضيرات لاستضافة كأس الأمم الأفريقية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، والاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030.
من أجل سد الفجوة في الميزانية لتمويل المشاريع الرياضية، لجأت السلطات إلى تقليص حجم الدعم المخصص لقطاعي الصحة والتعليم، قبل أن يتفاقم الغضب بسبب وفاة عدد من النساء الحوامل نتيجة إهمال طبي.
ويؤكد أن حالة الاحتقان دفعت الشباب المغربي للخروج إلى الشوارع، محطما كل ما يعترض طريقه، ومطالبا بمحاربة الفساد وتوفير الشغل واستقالة حكومة عزيز أخنوش وحل البرلمان وإلغاء الأحزاب التي لا تهتم بتحقيق مطالب الشعب.
ووفقا للكاتب، لم تحاول السلطات المغربية تهدئة الأوضاع أو إيجاد حلول توافقية، بل خرجت بعدة تصريحات أدت إلى تصعيد التوتر، مما أجج الاحتجاجات وأسفر عن وقوع قتلى وجرحى.
ذكر الكاتب أن غضب "جيل زد" في مدغشقر يرتبط بالعجز الحكومي عن تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان من مياه وكهرباء، مما دفع الشباب إلى إطلاق حركة "سئمنا الانقطاعات"، في تعبير واضح عن استيائهم العميق من الإهمال وعدم الاستجابة لمطالبهم.
ويضيف أن الاحتجاجات أدت إلى اشتباكات مع قوات الأمن وتخريب بعض المباني وسقوط ضحايا من الطرفين، وقد أعلن رئيس الدولة أندري راجولينا عن حل الحكومة لتخفيف حدة التوتر، لكن المستقبل لا يزال غامضا ومفتوحا على عدة احتمالات، وفقا للكاتب.
ويقول إن جغرافيا ثورات "جيل زد" تتسع يوما بعد يوم، فإلى جانب نيبال والمغرب ومدغشقر، شهدت الفلبين وبيرو وإندونيسيا وكينيا و بنغلاديش وجورجيا احتجاجات واسعة، ولا تزال الشرارة مشتعلة في عدة دول أخرى، ولا يمكن التنبؤ بالمكان الذي سيخرج فيه المواطنون المستاؤون إلى الشوارع.
ويرى الكاتب أن هذه الثورات التي يقودها "جيل زد" تندلع غالبا في دول تعاني من مستويات مرتفعة من الفساد والأزمات الاقتصادية، بينما تنأى السلطات التشريعية والتنفيذية بنفسها عن الشعوب باستخدام قوى الأمن، وتنشغل بمصالحها الخاصة على حساب المواطنين.
ويستبعد أن تحقق هذه الاحتجاجات نتائج إيجابية ملموسة مهما بلغت حدتها واتساعها، معتبرا أن "جيل زد" قادر على الإطاحة بالحكومات وتغيير البرلمانات، لكنه يقف في الغالب عاجزا عن القيام بإصلاحات جذرية للدولة أو إعادة هيكلة مؤسساتها بالكامل، أو بناء منظومات تحل محل الأنظمة الفاسدة.
ويضيف أن المتظاهرين يتسمون بالحماس، لكنهم يفتقدون إلى قيادات تملك الخبرات والمهارات اللازمة لإدارة الدول. وفي نيبال على سبيل المثال، طالب المحتجون بتعيين مغني الراب باليندرا شاه رئيسا للوزراء، نظرا لشعبيته بين الشباب، لكنه رفض تولي المنصب لأنه لا يملك أي مؤهلات سياسية.
ويخلص الكاتب إلى أن الخطر الحقيقي وراء ثورات "جيل زد" هو تفكيك الأنظمة دون بديل جاهز لإدارة المرحلة الانتقالية، وهو ما قد يُغرق الدول التي شهدت مثل هذه الثورات في فوضى عارمة لا تُحترم فيها أي قوانين.