في ظل أجواء انتخابية مشحونة، يخوض الرئيس الكاميروني بول بيا سباقًا نحو ولاية رئاسية ثامنة في الانتخابات المقررة غدا، 12 أكتوبر/تشرين الأول، وسط تأكيدات من أنصاره بأن الفوز محسوم لصالحه.
ورغم الانقسامات الحادة التي تشهدها صفوف المعارضة، فلا تزال بعض القوى السياسية تأمل في إحداث تغيير عبر صناديق الاقتراع.
ومع دخول الحملة الانتخابية مراحلها الأخيرة، يكثف المرشحون تحركاتهم، في محاولة منهم لتعزيز قواعدهم الشعبية أو التوسع نحو مناطق جديدة.
في المقابل، تشهد البلاد ذروة موسم الشائعات، حيث تهيمن على المشهد السياسي التحولات المفاجئة، والأخبار الكاذبة، ومحاولات التلاعب، والتكهنات المتضاربة.
وفي هذا السياق، يتوجه نحو 7.8 ملايين ناخب كاميروني غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع، ليقرروا إذا ما كانوا سيمنحون بيا فرصة جديدة في الحكم، أو سيختارون أحد منافسيه من المعارضة في محاولة لتغيير المسار السياسي للبلاد.
رغم بلوغه92 عاما، وبعد سنوات من الحكم الذي اتسم بالصمت والغياب، فإن التساؤل الذي لا يزال مطروحا: هل سيتمكن بيا من خوض حملة انتخابية فعلية؟ حتى قبل إعلانه الرسمي للترشح يوم 13 يوليو/تموز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الشكوك تحيط بقدرته على الظهور الميداني.
في انتخابات عام 2018، اكتفى بيا بتجمع واحد في مدينة ماروا. أما هذه المرة، فقد وعد فريقه بحضور عدة فعاليات عامة. وبحلول نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، كان رئيس الديوان المدني للرئاسة، صامويل مفوندو أيولو، يُخطط لظهور الرئيس في 3 مناسبات خارج العاصمة: تدشين سد لوم بانغار في الشرق، وزيارة إلى دوالا في منطقة ليتورال، وأخرى إلى ماروا في أقصى الشمال.
لكن الواقع خالف التوقعات. فبعد عودته من إقامته مرة أخرى في سويسرا، اقتصرت حملة بيا على تمثيل غير مباشر عبر وكلائه، ولم يظهر علنا سوى مرة واحدة أمام أنصاره، وذلك يوم الثلاثاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول في مدينة ماروا، وهي المدينة نفسها التي احتضنت تجمعه الوحيد في الانتخابات السابقة.
اختيار ماروا لم يكن عشوائيا، إذ يولي الحزب الحاكم (التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني) اهتماما خاصا بالشمال، الذي يشهد تحولات سياسية مقلقة.
فقياداته تخشى من انتقال كتلة كبيرة من الأصوات نحو اثنين من الحلفاء السابقين الذين انضموا مؤخرا إلى المعارضة: عيسى تشيروما بكاري وبيلو بوبا مايغاري.
ولم يُترك شيء للصدفة. فقد تم تجهيز طائرة طبية احتياطية، وتنسيق الإجراءات الأمنية مع جهات أميركية، كما حدث خلال زيارة الرئيس الأخيرة إلى سويسرا، حسب ما أفادت به مجلة "جون أفريك".
الحضور الأمني كان لافتا، إذ جرى استدعاء قوات من مناطق أخرى لتأمين التجمع وتعزيز الحشود.
ويُعد هذا الحدث، الذي أصر عليه مستشارو بيا، الظهور العلني الوحيد له خلال الحملة الانتخابية.
تسود أجواء "نهاية عهد" في أروقة الرئاسة الكاميرونية منذ سنوات، حيث تتنافس الكتل الداخلية على النفوذ والسلطة. ومع إعلان بول بيا ترشحه في يوليو/تموز، بدا أن هذه الصراعات قد دخلت مرحلة تهدئة مؤقتة.
الصراع شبه العلني بين الأمين العام للرئاسة فرديناند نغوه نغوه ووزير العدل لوران إيسو خفت حدته، كما تراجع التوتر بين نغوه نغوه ورئيس الديوان المدني صامويل مفوندو أيولو، حتى طموحات فرانك بيا، نجل الرئيس، وحركة "الفرانكيين" التي كانت تروج له، توقفت مؤقتا.
الخلاف الذي نشب بين وزير الرياضة نارسيز كومبي ورئيس اتحاد الكرة صامويل إيتو بشأن تعيين المدرب البلجيكي مارك برايس هدأ أيضا، بعد أن أُشيع كذبا أن برايس استقال بسبب تأخر الرواتب. وتم التوصل إلى اتفاق أعاد الهدوء -ولو شكليا- إلى المشهد الرياضي.
أما إيتو، الذي طالما لاحقته شائعات حول طموحه الرئاسي، فقد نفى ذلك رسميا، وانضم إلى حملة بيا الانتخابية بصفته نائبا في منطقته الأصلية نغامبي في ليتورال، وذلك في خطوة تعكس اصطفافا سياسيا واضحا في هذه المرحلة الحساسة.
موريس كامتو، الذي كان يُعتبر المنافس الأبرز للرئيس بول بيا، غاب عن السباق الرئاسي بعد أن استُبعد من قائمة المرشحين.
ففي 26 يوليو/تموز، قررت هيئة الانتخابات استبعاده بسبب "تعدد الترشيحات"، إذ تقدم شخص آخر بطلب ترشيح تحت اسم حزبه، مما أثار جدلا قانونيا.
وفي الخامس من أغسطس/آب، أيد المجلس الدستوري قرار الهيئة، ليصبح كامتو الشخصية الأكثر استقطابا داخل المعارضة، إذ سعت عدة أطراف إلى كسب دعمه.
على مدار أسابيع، حاول أبرز المرشحين المعارضين عيسى تشيروما بكاري (عن حزب الجبهة من أجل الخلاص الوطني في الكاميرون) وبيلو بوبا مايغاري (عن الحزب الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم)، الحصول على تأييد كامتو، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.
ويوم 26 سبتمبر/أيلول، بعد أن لمح إلى أنه سيعلن موقفه بعد سلسلة من المشاورات -وسط تكهنات بأنه يميل نحو دعم تشيروما- فاجأ كامتو الجميع بإعلانه أنه لا يدعم أحدا.
عجز كل من عيسى تشيروما بكاري وبيلو بوبا مايغاري -وهما وزيران سابقان في حكومة الرئيس بول بيا- عن التوصل إلى اتفاق بشأن مرشح موحد للمعارضة، رغم أسابيع من المشاورات المكثفة.
الخلاف بينهما ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى سنوات من التنافس السياسي، وقد تطور إلى صراع خفي أطاح بفرصة تشكيل تحالف انتخابي قوي.
وبدلا من تقديم مرشح واحد لمواجهة الرئيس في انتخابات تُحسم بجولة واحدة، اختارت المعارضة الدفع بمرشحين يُفترض أنهما يمثلان توافقا، لكن ذلك أضعف فرصها في المنافسة.
في هذا السباق الداخلي، يبدو أن تشيروما يحظى بأفضلية نسبية، مستفيدا من الحشود التي استقطبها خلال حملته.
في المقابل، يواجه مايغاري صعوبة في استثمار موجة الغضب الشعبي في الشمال، ولم يتمكن من تجاوز صورته بوصفه أحد المقربين سابقا من النظام.
إلى جانب هذين المرشحين، يخوض السباق الرئاسي عدد من الشخصيات الأخرى بشكل مستقل، من بينهم باتريسيا ندام نجويا، وكابرال ليبي، وجوشوا أوسي، وسيرج ماتومبا، وصامويل إيودي، وجاك بوغا هاجبي.
5. هل نتوقع مفاجأة يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول؟
الانقسام داخل صفوف المعارضة يُلقي بظلاله على مسار الانتخابات التي تُحسم بجولة واحدة، مما يجعل نتائجها عرضة للتشكيك والتدقيق، خصوصا إذا كان الفارق بين الفائز والوصيف ضئيلا.
أنصار الرئيس بول بيا يبدون ثقة مطلقة في فوزه بولاية ثامنة، بينما لا تقل ثقة مؤيدي أبرز المرشحين المعارضين، الذين يرون أن فرصهم في الفوز قائمة.
وفي تجمع جماهيري بمدينة دوالا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، وجّه عيسى تشيروما بكاري تحذيرا صريحا، قائلا "إلى وزارة الداخلية، والمجلس الدستوري، وهيئة الانتخابات.. إن الشعب لن يقبل بنتائج لا تعكس صناديق الاقتراع، الشعب لن يسمح بسرقة انتصاره، الشعب سيدافع عن انتصاره".
هذا التصريح يحمل دلالات واضحة على احتمال اندلاع احتجاجات شعبية إذا أُعلن فوز بيا، وسط أجواء سياسية مشحونة وتوتر متصاعد.