في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دمشق- طوال أكثر من نصف قرن ظل ملف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا رهين اجتهادات قانونية وتفسيرات إدارية متناقضة، وبين النصوص التي منحت الفلسطيني حقوقا مدنية واسعة، والقيود التي كبَّلت التنفيذ، تشكلت فجوة قانونية حرمت أجيالا متعاقبة من اللاجئين حقوقهم الأساسية.
ويأتي التعميم الصادر عن "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية ليعيد فتح الباب أمام تسوية الأوضاع القانونية لآلاف الفلسطينيين المحرومين من الوثائق الرسمية، وإنهاء واحدة من أعقد إشكالات الوجود الفلسطيني في سوريا.
ويعالج التعميم، الذي صدر الخميس الماضي، الثغرة القانونية المرتبطة بتطبيق القانون رقم 260 لعام 1956 الذي ساوى بين اللاجئ الفلسطيني والمواطن السوري بالحقوق المدنية باستثناء الجنسية، لكن تطبيقه اقتصر على الفلسطينيين الذين دخلوا البلاد بين عامي 1948 و1956، تاركا عشرات آلاف اللاجئين الذي وفدوا في موجات لجوء لاحقة بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، وأحداث سبتمبر/أيلول عام 1970 خارج دائرة الاستفادة.
ثمَّن حقوقيون هذه الخطوة معتبرين أنها تصحيح، طال انتظاره، للأوضاع القانونية للاجئين الفلسطينيين في سوريا؛ حيث سمح التعميم بتسجيل جميع الفئات المتضررة ضمن سجلات الهيئة، لتشملهم أحكام القانون 260، وبذلك استعادوا حقوقهم الأساسية والتي حرموا منها لعقود.
ووفق التعليمات الجديدة الصادرة عن الهيئة، يتوجب على جميع الفلسطينيين الراغبين بالاستفادة من التعميم تقديم طلباتهم مدعمة بالمستندات اللازمة عبر مديرية الشؤون القانونية في دمشق ، أو الدوائر التابعة للهيئة في مختلف المحافظات السورية لتسجيل أنفسهم وأفراد عائلاتهم في القيود الرسمية.
ويعتبر مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، فايز أبو عيد، أن التعميم الأخير يُمثِّل واحدا من أهم القرارات التي اتخذتها الهيئة، منذ تسلم مجلس إدارتها الجديد مهامه، لما يحمله من أثر مباشر على الوضع القانوني والمدني ﻵلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
ويوضح أبو عيد، في حديث مع الجزيرة نت، أن أهمية التعميم تكمن في معالجته قصورا طال أمده بسبب حرمان فئات واسعة من الفلسطينيين من التسجيل في الهيئة، ممن سيمنحون اليوم وثائق رسمية معترفا بها تثبت هويتهم ووضعهم القانوني، وتتيح لهم الحصول على خدمات أساسية كالتعليم والعمل والرعاية الصحية.
ويبين أن التعميم ينقل شريحة واسعة من اللاجئين الفلسطينيين من حالة "غير رسمية" وغير محمية قانونيا إلى وضع مدني واضح المعالم ومعترف به، مما يضمن مساواتهم مع بقية اللاجئين المسجلين سابقا، ويحسن أوضاعهم المعيشية.
وعن طبيعة الحقوق التي يستعيدها الفلسطينيون بهذا التعميم، يشير أبو عيد إلى أنها تشمل مختلف المجالات المدنية والاجتماعية، من إصدار بطاقات هوية ووثائق رسمية معترف بها، إلى الحقوق التعليمية والصحية وفرص العمل، وصولا إلى استقرار أوضاعهم القانونية بما يوازي المواطن السوري في الحقوق المدنية باستثناء الحقوق السياسية.
وبدوره، اعتبر المحامي والحقوقي الفلسطيني السوري، أيمن فهمي أبو هاشم، أن التعميم "يصحح الغُبن الذي لحق بفئات واسعة من اللاجئين الفلسطينيين الذين حرموا أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية، وعوملوا بصفتهم (مواطنين عربا) لا فلسطينيين سوريين".
ويقول أبو هاشم للجزيرة نت، إن التعميم فرصة متأخرة لإنصاف المتضررين وتمكينهم من ممارسة حقوقهم المدنية كافة، مشيرا إلى أن القانون رقم 260 ينص على معاملة الفلسطيني أسوة بالسوري في جميع القوانين النافذة باستثناء الحقوق السياسية، لكن "الحكومات السورية المتعاقبة ولا سيما في عهد البعث قيَّدت تطبيقه وحصرت الاستفادة منه في فئات محدودة للاستثمار في ملف اللاجئين الفلسطينيين كورقة سياسية، واليوم زالت هذه القيود".
ويلفت أبو هاشم إلى وجود تحديات جدية تواجه تطبيق التعميم، كآليات التسجيل في سجلات الهيئة العامة للاجئين وما إن كانت تحتاج إلى موافقات وزارية إضافية، فضلا عن الإشكالات المرتبطة باللاجئين الذين نزحوا خلال سنوات الحرب إلى الشمال السوري، وحصلوا هناك على وثائق ولادة وزواج وغيرها من الوثائق غير المعترف بها لدى الحكومة اليوم.
ويشدد على ضرورة الاعتراف بهذه الوثائق، وفتح نوافذ إلكترونية لتسجيل اللاجئين الفلسطينيين ممن نزحوا إلى لبنان أو تركيا خلال الحرب غيابيا حتى لا يحرموا من هذه الفرصة التاريخية.
ويدعو أبو هاشم إلى مراجعة القانون رقم 260 أيضا، ﻷنه يقيد بعض الحقوق المرتبطة باللاجئ الفلسطيني، إذ لا يحق للفلسطيني بموجبه امتلاك أكثر من عقار واحد (طابو أخضر) وبمساحة كبيرة، وهذا صعب بالنسبة لشريحة واسعة من الفلسطينيين ممن يعيشون في ظروف اقتصادية قاسية، مشيرا إلى أن التعميم خطوة أولى جيدة على طريق استعادة الحقوق لكنه بحاجة إلى تعديلات تراعي واقع اللاجئين.
من جهته، يشدد فايز أبو عيد، على ضرورة تكريس الحقوق التي يمنحها التعميم للفلسطينيين عبر تشريعات واضحة وملزمة، تحدد آليات التنفيذ، ولا تخضع لتقدير فردي أو إداري، داعيا إلى تأسيس آليات رقابية قضائية مستقلة تسمح للاجئ الفلسطيني باللجوء للقضاء الإداري للطعن بأي مخالفة أو إهمال في تطبيق القرارات.
ويؤكد أن نشر الوعي بين اللاجئين الفلسطينيين حول حقوقهم وطرق المطالبة بها شرط أساسي لضمان مشاركتهم الفاعلة في حماية حقوقهم وتحصينها من أن تبقى رهينة الاجتهادات الإدارية.
كرّمت منظمة أشد اليوم الطلبة الثلاثة الأوائل في الثانوية والإعدادية والتعليم المزدوج بمخيم العائدين بحماة، وسط أجواء احتفالية ودروع تقدير حافزة لمواصلة التفوق.#سوريا #مخيم_العائدين #حماة #منظمة_أشد #تكريم_المتفوقين #الشهادة_الثانوية #الشهادة_الاعدادية #فلسطينيو_سوريا… pic.twitter.com/uuSpSe56Yu
— مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا (@actgroup_pal) October 4, 2025
ويرى أبو عيد في التعميم خطوة تعكس تحولا إيجابيا في الموقف الرسمي السوري تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتؤكد على أهمية تسوية أوضاعهم القانونية بما يضمن لهم الاستقرار والحماية التي افتقدوها لعقود طويلة.
وينظر للقرار باعتباره رسالة واضحة مفادها أن القضية الفلسطينية لم تعد ملفا سياسيا يدار بمعزل عن الواقع الاجتماعي والقانوني للاجئين، وإنما "مسؤولية حقوقية وقانونية مرتبطة بالكرامة الإنسانية"، وتقتضي العمل على ضمانات تشريعية واضحة تكفل للفلسطيني الحماية ضمن الإطار القانوني والوطني المعتمد.
بينما يرى المحامي أبو هاشم أن هذا القرار يحمل رسائل حقوقية للمجتمع السوري الذي عاش مع الفلسطينيين نحو 77 عاما تعمَّقت فيها الروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين الشعبين، وخرجت فيها أصوات سورية تطالب بتجنيس الفلسطينيين اعترافا بانتمائهم لهذا المجتمع وبدمائهم التي قدموها خلال الثورة.
مشيرا إلى أن التعميم هو بمثابة استجابة لهذه الأصوات، إلى جانب أنه يعزز شعور الفلسطينيين بأنهم جزء أصيل من المجتمع السوري، وشريك أساسي في بناء مستقبل سوريا الجديدة.
وعلى المستوى العربي، يحمل التعميم -بحسب أبو هاشم- رسالة تدعو الحكومات العربية إلى مراجعة سياساتها تجاه الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، ولا سيما في دول مثل لبنان حيث يحرم اللاجئ من أبسط حقوقه.
ويؤكد أن ضمان الحقوق المدنية للاجئ الفلسطيني لا يتعارض مع تمسكه بقضيته بدليل تجارب الفلسطينيين في أوروبا ممن حصلوا على الجنسيات لكنهم ظلوا محافظين على هويتهم الوطنية وفاعلين في دعم قضيتهم، وهذا "يبطل ذرائع بعض الدول العربية التي تقول بأن منح الفلسطينيين كافة الحقوق من شأنه أن يضعف انتماءهم الوطني".
وبدأ اللجوء الفلسطيني إلى سوريا بعد النكبة عام 1948 حين دخل البلاد نحو 90 ألف فلسطيني استقروا في المخيمات التي أسستها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا " بالتنسيق مع الحكومة السورية.
وتضاعفت أعداد اللاجئين مع موجات النزوح اللاحقة عقب نكسة حزيران/يونيو 1967، وأحداث "أيلول الأسود" عام 1970 لتصل أعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى نصف مليون مع عام 2011.
واستقر مئات الآلاف منهم في سوريا ضمن مخيمات رسمية وغير رسمية كمخيمات اليرموك وخان دنون وخان الشيح وحندرات وغيرها، والتي تعرض بعضها لحصار ودمار واسع ونزوح جماعي خلال سنوات الثورة السورية.