قالت صحيفة ليبراسيون إن عدد أمهات الجنود الإسرائيليين اللائي يتهمن الجيش بعدم حماية أبنائهن بما فيه الكفاية، ويطالبن بوقف القتال في القطاع، تزايد مع ازدياد عنف الحرب في غزة .
وأشارت الصحيفة -في تقرير بقلم مراسلتها في القدس فاني ليونور كروزيه- إلى أن ملامح خطاب جديد داخل المجتمع الإسرائيلي بدأت تظهر منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو خطاب قادم من هوامش الرأي العام، لكنه آخذ في الاتساع، يتحدث عن معاناة الجنود الإسرائيليين أنفسهم، وعن الثمن النفسي والعاطفي المدفوع من قبلهم وعائلاتهم.
وعلى الرغم من أن الخدمة العسكرية واجب وطني في إسرائيل ، وضرورة لأمن الدولة، فإن آثار الحرب الطويلة، وتزايد الشهادات عن الصدمات النفسية، والانتحارات، دفعت بعض العائلات، خصوصا الأمهات، إلى التشكيك في شرعية استمرار هذه الحرب، حسب الصحيفة.
ومن أبرز المجموعات التي ظهرت في هذا السياق -حسب المراسلة- حركة "صرخة الأمهات"، التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد شهر واحد من اندلاع الحرب، وتقودها نساء من خلفيات يسارية، أبرزهن ميخال برودي باريكيت، وهي أم لثلاثة أبناء، أحدهم أنهى خدمته في غزة.
وتنتقد ناشطة السلام ميخال بشدة إرسال الشباب إلى القتال في غزة، وتقول إنهم "لا يحمون إسرائيل، بل يصبحون هم أنفسهم في خطر دائم"، مشيرة إلى أنهم يحرسون عمليات تدمير شاملة للمباني في قطاع غزة ، دون وعي كامل بتبعات ذلك، حسب المراسلة.
وقد تعرضت ميخال لعنف من مواطنين إسرائيليين -حسب المراسلة- كما واجهت اعتداءات من الشرطة، مما يكشف حساسية الطرح الذي تتبناه هي وزميلاتها، لأن بعض الإسرائيليين يعتبرون أي معارضة للحرب خيانة وطنية، ومع ذلك فإن ابنها الثاني يصر على دخول الجيش في ديسمبر/كانون الأول.
ورغم ذلك، تذكر المراسلة بأن هناك حالات نجحت فيها الأمهات في إخراج أبنائهن من الجيش، مثل شاني هدار، وهي كاتبة في الخمسينيات من عمرها، قاتلت بكل الوسائل لتحرير ابنها من الخدمة بعد أن أصيب بالاكتئاب وأبدى ميولا انتحارية نتيجة ما شاهده على الجبهة.
وبحسب شهادة شاني هدار، لم يتجاوب الجيش مع طلب ابنها الإعفاء، وهدده بالسجن بدلا من علاجه، وتقول إنها فضلت أن يسجن ابنها على أن يعود إلى غزة، مؤكدة أن وصمة "الخيانة" ما زالت تصيب كل من يرفض القتال، حتى لو كان مريضا نفسيا.
الخطاب المناهض للعسكرة آخذ في النمو، مدفوعا بواقع مأساوي على الأرض، حيث آلاف الجنود يعانون من آثار الحرب، وأمهاتهم يشاهدن أبناءهن ينهارون، والجيش لا يفعل ما يكفي لحمايتهم، لا من الأعداء، ولا من أنفسهم
ويروي تقرير المراسلة قصة جيني ميزراحي، تلك الأم التي فقدت ابنها الوحيد، الذي عاد بعد خدمة طويلة في غزة محطما نفسيا، وصار يغضب على أطفاله، ويرفض الحديث عن تجربته، ورغم إصابته 3 مرات، ظل يطلب العودة إلى القتال، حتى انتحر بعد ساعات من جلسة مع قيادة وحدته.
وتقول جيني إن المفارقة تكمن في أنها وعائلتها شجعوا ولدها على العودة إلى القتال، ظنا منهم أن ذلك قد يساعده نفسيا، قبل أن تكتشف الآن أنها كانت مخطئة، وأن المجتمع الإسرائيلي لا يعي حجم الأزمة النفسية التي سيواجهها عند عودة الجنود إلى الحياة المدنية.
ونبهت المراسلة إلى إحصائيات صحيفة هآرتس التي أوردت أن 7 جنود إسرائيليين انتحروا نهاية 2023، و21 في عام 2024، و15 خلال النصف الأول من عام 2025 وحده، وهو رقم غير مسبوق، حسب الصحيفة.
وختمت المراسلة تقريرها بتحذير واضح من أن إسرائيل ستواجه أزمة نفسية هائلة عندما يعود الجنود من غزة، لأن هناك صدمة جماعية تتكون تحت السطح، تعبر عنها الآن الأمهات، لكن مؤسسات الدولة والمجتمع الإسرائيلي عموما لم تبدأ بعد في التعامل معها بجدية.
وخلصت المراسلة إلى أن الخطاب المناهض للعسكرة آخذ في النمو، مدفوعا بواقع مأساوي على الأرض، حيث آلاف الجنود يعانون من آثار الحرب، وأمهاتهم يشاهدن أبناءهن ينهارون، والجيش لا يفعل ما يكفي لحمايتهم، لا من الأعداء، ولا من أنفسهم.