في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الفاشر- في هجوم وصف بالأكثر دموية منذ اندلاع الحرب في السودان، قتلت طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع عشرات المدنيين أثناء أدائهم صلاة الفجر داخل مسجد بحي "الدرجة الأولى" ب مدينة الفاشر ، عاصمة ولاية شمال دارفور ، في غرب البلاد.
وأفادت مصادر محلية للجزيرة نت بأن الحصيلة الأولية للغارة بلغت ما لا يقل عن 70 قتيلا و8 جرحى، معظم حالاتهم حرجة، وسط مخاوف من ارتفاع عدد الضحايا بسبب تعذر الوصول إلى بعض الجثث تحت الأنقاض، ونقص الإمكانيات الطبية واللوجستية في المدينة المحاصرة.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن توقيت القصف الذي وافق الركعة الثانية من الصلاة، أسهم في ارتفاع عدد الضحايا، إذ كان المصلون في أوضاع السجود والركوع، مما حال دون تمكنهم من الاحتماء أو الفرار.
وأكدت قيادة الجيش السوداني في الفاشر أن القصف أسفر عن مقتل 75 مدنيا.
كما أكد مجلس السيادة السوداني -في بيان- مقتل أكثر من 70 شخصا إثر استهداف مصلين في مسجد بحي الدرجة بمسيّرة من قوات الدعم السريع، ووصف ما جرى بأنه "جريمة يندى لها جبين الإنسانية".
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد مروعة من داخل المسجد، حيث بدت الجدران مشقوقة والجثث متناثرة بين الركام، وسجاد الصلاة مضرجا بالدماء، وسط دعوات شعبية وحقوقية لفتح تحقيق دولي عاجل.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال عضو اللجنة الإعلامية للقوة المشتركة لما يعرف بـ"حركات الكفاح المسلح" الرائد جمال الدين عيساوي آدم، إن "مليشيا الدعم السريع نفذت مجزرة متعمدة بدقة عسكرية بهدف إبادة المصلين العزل".
وأضاف أن الهجوم "يصب في سياق استهداف ممنهج للمدنيين، ويدخل ضمن جرائم التطهير العرقي "، مشيرا إلى أن عدد الشهداء يفوق الـ70، إضافة غلى عدد كبير من الجرحى.
سقوط 43 شـ.ـهيد وجرح آخرين بقصف مسيرة إستراتيجية تتبع لمليشيا الجنجويد على مسجد بمدينة الفاشر فجر اليوم بحسب "شبكة أطباء السودان"
يظهر بالفيديو أنقاض المسجد الذي تعرض للقصف أثناء أداء صلاة الفجر pic.twitter.com/IFGIxwhAt5
— أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) September 19, 2025
ويأتي الهجوم في سياق تصاعد وتيرة القتال داخل المدينة المحاصرة، حيث سجل الجيش السوداني وحلفاؤه هذا الأسبوع تقدما ميدانيا ضد قوات الدعم السريع، التي وسّعت من نطاق الاشتباكات.
في المقابل، كثّفت قوات الدعم السريع من طلعاتها الجوية باستخدام المسيّرات، مستهدفة الأحياء السكنية والمباني المدنية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في حصيلة القتلى من المدنيين، وسط غياب أي تدخل دولي لوقف التصعيد.
وقال المتحدث باسم المقاومة الشعبية، أبوبكر أحمد إمام، للجزيرة نت، إن الجيش السوداني وحلفاءه تمكنوا يوم الخميس من استدراج قوات الدعم السريع والاستيلاء على 11 سيارة وحرق 6 منها. وأضاف أن "ما حدث للمصليين يوم (الجمعة) هو إعلان حرب على الدين والعقيدة"، محذرًا من أن تبعات المجزرة ستكون قاسية على المستوى الشعبي والإنساني.
وبحسب مراقبين محليين فإن المجزرة التي وقعت داخل المسجد أثناء صلاة الفجر خلّفت أثرًا نفسيًا بالغًا في نفوس سكان الفاشر، الذين لطالما وجدوا في الشعائر الدينية ملاذًا روحيًا وسط أهوال الحرب والحصار. بالنسبة لكثيرين، لم يكن الهجوم مجرد استهداف لأرواح المصلين، بل ضربة مباشرة لرمزية المسجد كمكان للسكينة والطمأنينة، في مدينة باتت تعيش على حافة الانهيار.
يقول يوسف أحمد يوسف، أحد سكان حي أبوشوك، للجزيرة نت "كأنهم أرادوا أن يقولوا لنا إنه لا مكان آمن حتى بين يدي الله". ويضيف أن الطائرات المسيّرة لا تزال تحلق في سماء المدينة حتى اللحظة، مما يعكس أن الحرب لم تعد تُخاض فقط بالرصاص، بل امتدت لتطال الجسد، والروح، والعقيدة".
وتعيش مدينة الفاشر تحت حصار عسكري متواصل منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024، حيث تتعرّض لقصف مدفعي يومي يمنع السكان من الحركة الآمنة ويحول دون وصول المساعدات الإنسانية.
ويواجه المدنيون أوضاعا معيشية صعبة مع انعدام شبه كامل للإمدادات الطبية والغذائية، وتوقف كامل للخدمات الأساسية حيث أطلق السكان المحاصرون نداءات متكررة وعاجلة للمجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة للضغط من أجل فتح ممرات إنسانية عاجلة وكسر الحصار المفروض على المدينة، الأمر الذي لم يتم بعد.
والفاشر آخر مدينة كبيرة في إقليم دارفور لا تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع التي تسعى إلى تعويض خسارتها للعاصمة الخرطوم أواخر مارس/آذار الماضي.
ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلفت عشرات آلاف القتلى وشردت 13 مليون شخص على الأقل، في حين تعاني بعض المناطق من المجاعة وسط "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم حسب الأمم المتحدة .
وأعلنت الأمم المتحدة قبل أيام أن نحو 20 ألف شخص فروا من السودان إلى الجارة تشاد خلال الأسبوعين الماضيين هربا من أعمال العنف في دارفور، معربة عن انزعاجها من هذا النزوح الجماعي الذي يستمر "بوتيرة مثيرة للقلق".