آخر الأخبار

دفن جماعي بلا أكفان لضحايا الفاشر

شارك

الفاشر- تحول الموت إلى مشهد يومي يعكس انهيارا إنسانيا غير مسبوق في مدينة الفاشر ، فبينما تتراكم الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض، يواصل السكان دفن أحبائهم بما توفر من أقمشة بالية أو ملابس ممزقة أو بأكياس بلاستيكية، وسط حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين.

ومنذ 10 يونيو/حزيران 2024، تعيش الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان تحت حصار مشدد، حال دون دخول الغذاء والدواء، وأدى إلى انقطاع شبه كامل في الخدمات، بما في ذلك مستلزمات الدفن الأساسية.

تقول أم أحمد، وهي أرملة فقدت اثنين من أبنائها في قصف عنيف، للجزيرة نت "لففت جسد ابني بعباءتي القديمة، لم يكن لدي خيار آخر، لم أكن أتخيل أن يأتي يوم لا أجد فيه كفنًا لدفنه"، وتضيف "حتى القبور نحفرها بأدوات مطبخ، لا توجد معاول ولا جرافات، نحن نعيش في زمن الموت البائس".

مصدر الصورة آثار الدمار التي لحقت بالمستشفى السعودي آخر مستشفيات مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

انهيار صحي

بات المستشفى الوحيد العامل في المدينة عاجزًا عن الاستجابة للكارثة، وتقول مديرة الصحة بشمال دارفور الدكتورة خديجة موسى للجزيرة نت "نستقبل يوميًّا ما بين 100 إلى 200 إصابة أثناء الاشتباكات، ولا توجد ثلاجات لحفظ الموتى، ولا أكفان، ولا حتى أكياس بلاستيكية".

وتضيف مديرة الصحة بشمال دارفور "نستخدم الثياب لتضميد الجراح بدلًا من الشاش، ونواري الجثامين بما يرتديه الأطباء أثناء العمليات".

وفي السياق ذاته، أفاد الشيخ حسن بدوي، مؤذن مسجد الفاشر العتيق، للجزيرة نت بأنهم يضطرون أثناء الاشتباكات إلى دفن ما لا يقل عن 50 قتيلا في كل مرة، معظمهم في مقابر جماعية ، نتيجة استمرار القصف وانعدام مستلزمات الدفن.

وقال "القصف لا يتوقف، والناس يحفرون القبور بسرعة وبأدوات بدائية، وغالبًا ما يُدفن الضحايا في أكياس بلاستيكية بدلًا من الأكفان"، وأضاف "قبل أيام، دفنا 4 أشخاص في قبر واحد، بعضهم لم يكن جسده مكتملا، كانوا مجرد أشلاء".

إعلان

ومع تزايد عدد القتلى، امتلأت المقابر عن آخرها، حيث يقول الشيخ محمد عبد الرحمن، إمام مسجد حي الرديف سابقًا للجزيرة نت إن "مقبرة حي أبو شوك غرب المدينة استقبلت خلال هذا الشهر أكثر من 150 جثة، وهو رقم يفوق طاقتها بـ3 أضعاف".

ويضيف "نضطر أحيانًا إلى دفن أكثر من جثة في قبر واحد، أو نبحث عن أراضٍ مهجورة لدفن الموتى، هذا أمر لم نشهده حتى في أسوأ سنوات الحرب".

أرقام مفزعة

وفقًا لتقديرات محلية، تجاوز عدد القتلى في الفاشر منذ اندلاع الهجمات 10 آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، ويقول مدير عام وزارة الصحة السابق إبراهيم خاطر إن "عدد القتلى خارج المدينة يفوق هذا الرقم، خاصة في أعقاب الهجمات المتكررة على القرى المحيطة".

ويضيف خاطر، في حديث للجزيرة نت، "هناك جثث مجهولة الهوية لم يتمكن أحد من التعرف عليها بسبب تحللها أو تفحمها، وبعضها في القرى لم يُدفن حتى الآن".

وتشير إفادات مسؤولين صحيين إلى أن نحو 70% من هؤلاء القتلى، قد دُفنوا بلا أكفان، نتيجة الانعدام الكامل لمستلزمات الدفن، ويؤكد هذا أحد أطباء قسم الطوارئ -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت "حتى الذين يُقتلون دفاعًا عن المدينة لا نجد لهم كفنًا لائقًا، نضطر أحيانًا إلى استخدام الأكياس البلاستيكية التي كانت مخصصة للنفايات الطبية، لكنها نفدت أيضًا، الوضع تجاوز كل الخطوط الحمراء".

مصدر الصورة صور من الأقمار الصناعية توضح توسع المقابر في الفاشر (موقع مختبر جامعة ييل)

مراقبة من الفضاء

وفي 30 أغسطس/آب 2025، صرّح ناثانيال ريموند، مدير مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأميركية على الموقع الرسمي للمختبر، بأنهم "يراقبون مقابر مدينة الفاشر من الفضاء باستخدام الأقمار الصناعية ، ويحصون أعداد الموتى التي تتزايد بشكل كبير".

وأضاف "لقد تمكن محققو جرائم الحرب من توثيق الفظائع واحدة تلو الأخرى، في ظل تشديد قوات الدعم السريع شبه العسكرية قبضتها على المنطقة".

وفي حديثه للجزيرة نت، وصف الدكتور عبد الناصر سالم، الخبير في حقوق الإنسان ومدير برنامج شرق أفريقيا بمركز فوكس للأبحاث في السويد، ما يجري في الفاشر بأنه "انهيار أخلاقي وإنساني شامل"، مؤكدًا أن دفن الجثث في أكياس بلاستيكية وسط الحصار يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف .

وأضاف أن استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين يرقى إلى جريمة حرب، مشددًا على أن "صمت المجتمع الدولي لا يعكس فقط الفشل، بل يكرّس التواطؤ في استمرار المأساة".

مصدر الصورة الفريق الطبي لآخر مستشفى مدني في الفاشر (مواقع التواصل)

ردود غائبة

ورغم تفاقم الأزمة، لم تصل أي مساعدات غذائية أو طبية إلى الفاشر منذ نحو عامين، وقال برنامج الأغذية العالمي في منشور على صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك" إن "العائلات في المدينة تعتمد على التحويلات النقدية للبقاء، لكن الحاجة مُلحّة لإيصال المواد الغذائية".

وأضاف أن "البرنامج حصل على الموافقات اللازمة من مفوضية العون الإنساني الحكومية، لكنه لا يزال ينتظر تأكيدًا من قوات الدعم السريع للسماح بمرور المساعدات".

ويصف خبراء محليون في القانون الدولي الإنساني الوضع بأنه "انتهاك جسيم لاتفاقيات جنيف"، مشيرين إلى أن "عدم دفن الموتى بكرامة يُعد جريمة ضد الإنسانية، ويعكس إستراتيجية ممنهجة لخلق ظروف معيشية قاتلة".

إعلان

وتأتي هذه الكارثة في سياق الحرب المتواصلة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من تعزيز سيطرتها على جميع ولايات دارفور باستثناء شمالها، مع ارتكاب فظائع وانتهاكات ممنهجة، وفقًا لتقارير أممية وشهادات محلية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا