آخر الأخبار

3 تحركات قريبة محتملة لإيران

شارك

في 8 أغسطس/آب 2025، تم توقيع "اتفاقية السلام وإقامة العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا" برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان.

وتُعد هذه الاتفاقية خطوة مهمة يُتوقع أن تُحدث تأثيرات هيكلية في مجالات الاقتصاد والإستراتيجية والأمن في منطقة جنوب القوقاز. فهي تتضمن بنودا للتعاون الثنائي في مجالات متعددة، من بينها النقل والعبور (الترانزيت)، وتحمل في طياتها إمكانية التأثير على السياسة الروسية في القوقاز، وكذلك على مشروع "الحزام والطريق" الصيني الرامي إلى ربط بكين بأوروبا.

ومن المحتمل أيضا أن تترتب عليها نتائج إستراتيجية تؤثر على إيران، خاصة فيما يتعلق بأمن حدودها الشمالية الغربية، وصلاتها بأوراسيا، واستعراضها قوتها الإقليمية.

على مدار سنوات، تبنت إيران سياسة تقوم على عرقلة تنفيذ ممر زنغزور بادئ الأمر؛ بذريعة أنه يمثل "ممر طوران"، ثم لاحقا استنادا إلى افتراض أن هذا الممر قد يستجلب الولايات المتحدة والناتو إلى المنطقة.

و"ممر طوران" هو توصيف إيراني سلبي يُطلق على ممر زنغزور، باعتباره مشروعا يربط تركيا بجمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، ويُنظر إليه كخطوة نحو تحقيق التكامل الجيوسياسي للعالم التركي ضمن إطار أيديولوجية الطورانية.

وكلمة طوران أو توران تنقسم إلى شقين: الأول هو تور أو تر، وهي الحروف الأولى من كلمة (ترك) ثم الألف والنون والتي توضع للدلالة على البلدان مثل تركستان وأذربيجان… إلخ، وهي بذلك تعني حرفيا (أرض الترك).

ظل ممر زنغزور حاضرا على أجندة الرأي العام الإيراني الداخلي لسنوات، حيث دأب الجناح المحافظ المتشدد على اتهام الأكاديميين والمحللين والسياسيين والصحفيين الذين أيدوا إنشاء الممر بأنهم "طورانيون"، وسعى إلى تحييدهم.

إعلان

كما رفضت إيران العرض التركي الذي اقتُرح لحل قضية ممر زنغزور عبر تعاون الدول الإقليمية معا، وهي تركيا، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، كما رفضت مقترحات روسيا، التي عززت نفوذها في جنوب القوقاز عقب حرب قره باغ الثانية، بشأن إيجاد حل لقضية ذلك الممر.

أدت سياسة العرقلة الإيرانية، التي استمرت لسنوات، إلى دفع الدول الساعية لتنفيذ الممر إلى البحث عن بدائل وحلول مختلفة.

لقد أسهمت عدة تطورات في إضعاف نفوذ إيران وتأثيرها في منطقة جنوب القوقاز، منها موقفها المعارض لباكو خلال حرب قره باغ الثانية التي انتهت بانتصار أذربيجان، والحرب التي خاضتها لمدة 12 يوما مع إسرائيل، وضعف حلفائها في الإقليم خلال العامين الماضيين، وتبني أرمينيا موقفا سياسيا جديدا، بالإضافة إلى تراجع الدور الروسي في القوقاز؛ بسبب الحرب في أوكرانيا.

رد فعل إيران على الاتفاقية

أعقب توقيع الاتفاقية بين أذربيجان وأرمينيا في الولايات المتحدة تصريحات إيرانية أظهرت غياب سياسة واضحة تجاه المتغير الجديد في جنوب القوقاز.

وقد عكست التصريحات الصادرة عن الحكومة الإيرانية، والجناح العسكري، ومستشاري آية الله خامنئي، بشكل جلي، عدم وجود توافق داخلي في الرؤية بين مؤسسات الدولة الإيرانية.

ميز مسؤولو الحكومة الإيرانية أنفسهم باستخدام لغة أكثر اعتدالا، مقارنة بما كانت عليه لغة الحكومات السابقة تجاه الاتفاقية الأذربيجانية الأرمينية.

فقد صرحت وزارة الخارجية الإيرانية بأنها ترحب بالاتفاقية من منطلق "إمكانية مساهمتها في عملية السلام"، لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أن تحول أي وجود عسكري أو سياسي خارجي إلى وجود دائم في جنوب القوقاز "يشكل عقبة أمام السلام والاستقرار".

من جانبها، قدمت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، تقييمات متعلقة بالاتفاقية والنقاشات الجارية بشأنها داخل إيران. وقالت بخصوص الاتفاقية: "لقد أُخذت في الاعتبار القضايا التي طالبت بها إيران في هذه الاتفاقية. ومن الأفضل بالطبع أن يضمن سكان المنطقة أمنها بأنفسهم".

كما تطرقت مهاجراني إلى مسألة وجود القوى الخارجية في المنطقة، قائلة: "نحن لا نقبل إطلاقا بقدوم قوات أجنبية إلى الدول المجاورة، ونتابع هذه القضايا بعناية فائقة".

وفي ردها على الانتقادات الصادرة من الصحافة والسياسيين المحافظين، الذين اتهموا حكومة بزشكيان الإصلاحية بالتقاعس تجاه ممر زنغزور، قالت فاطمة مهاجراني: "هذه المنطقة، المعروفة باسم ممر زنغزور، لا تمثل سوى جزء صغير من حدودنا. ومع ذلك، يتم تضخيم موضوع الاتفاقية بين أرمينيا وأذربيجان بشكل مبالغ فيه على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن حدودنا الشمالية بأكملها قد اختُطفت!".

أما المسؤولون العسكريون الإيرانيون، وكذلك شخصيات بارزة في المشهد السياسي الإيراني مثل علي أكبر ولايتي، فقد كانت مواقفهم حادة للغاية.

فقد صرح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى آية الله خامنئي للشؤون الخارجية، بأن زنغزور سيكون "مقبرة لأميركا". وأضاف: "إيران ستقوم باعتراض الممر، سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها، وسيكون ممر زنغزور مقبرة لمرتزقة أميركا".

إعلان

من جهته، اتهم يد الله جواني، المساعد السياسي لقائد الحرس الثوري الإيراني، الرئيس الأذربيجاني علييف ورئيس الوزراء الأرميني باشينيان بـ"إدخال الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو إلى منطقة القوقاز"، مؤكدا أن هذا التحرك لا يتعارض فقط مع مصالح إيران وروسيا، بل يتعارض كذلك مع مصالح الصين والهند.

وأكد في رسالته أن القوى الإقليمية ستتخذ خطوات مشتركة لمواجهة هذا التطور، قائلا: "حلم الأميركيين بالتمركز على الحدود الشمالية لإيران لن يتحقق أبدا".

وفي سياق ردود الفعل المتشددة، اقترحت شخصيات محافظة مثل حسين شريعت مداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان، إغلاق مضيق هرمز ردا على وصول أميركا إلى منطقة زنغزور.

أما الرئيس الإيراني بزشكيان، فقد جاءت تصريحاته متسمة بالحذر. إذ أشار إلى أن بلاده حصلت على ضمانات تفيد بأن الممر سيبقى خاضعا للسيادة القانونية لأرمينيا، وأن اتصال إيران البري بأوروبا لن ينقطع. ومع ذلك، وصف احتمال مشاركة شركة أميركية في بناء وتشغيل الممر بأنه "العنصر الوحيد المثير للقلق".

وفي إطار متصل، ناقش علي لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، موضوع العلاقات الثنائية وممر زنغزور مع نظيره الأرميني.

وفي تصريح أدلى به لموقع آية الله خامنئي، أكد لاريجاني أن ممر زنغزور لا يشكل تهديدا مباشرا لإيران، ما دام أنه لم يؤدِ إلى اختناق جيوسياسي. وأوضح أن "الاختناق الجيوسياسي" يعني، من وجهة نظره، "قطع الطريق الذي يربط إيران بأرمينيا".

زيارة بزشكيان إلى يريفان

في 19 أغسطس/آب 2025، أي بعد 11 يوما من توقيع الاتفاقية، أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان زيارة رسمية إلى أرمينيا.

خلال الزيارة، اجتمع بزشكيان برئيس الوزراء الأرميني باشينيان في العاصمة يريفان، حيث ناقشا الاتفاقية الأذربيجانية الأرمينية، وممر زنغزور، إضافة إلى قضايا سياسية واقتصادية وإستراتيجية ثنائية.

وفي بيان مشترك أعقب الاجتماع، أعلن الزعيمان عن توقيع 10 مذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات مختلفة.

وكان من أبرز هذه الاتفاقيات قرار بناء جسر ثانٍ على نهر أراس. ومن الجدير بالذكر أن إيران كانت قد طرحت سابقا فكرة ممر أراس كبديل لممر زنغزور.

ومن بين القضايا الأخرى التي تم الاتفاق بشأنها، مسألة تحقيق الاتصال عبر خط نخجوان-جلفا؛ فإذا ما تم تنفيذ هذا المشروع، فإن إيران ستكون قادرة على الوصول إلى أرمينيا والبحر الأسود عبر شبكة السكك الحديدية.

كما أُعلن خلال اللقاء عن اتفاق بين الجانبين بخصوص مشروع السكك الحديدية وهو مشروع يُنتظر أن يؤدي دورا كبيرا في تسهيل عمليات النقل العابر (الترانزيت).

وفي كلمته، حرص رئيس الوزراء الأرميني باشينيان على طمأنة إيران، مؤكدا أن خطوط النقل التي ستمر عبر بلاده ستظل بالكامل تحت سيادتها القانونية.

ومن خلال مجمل التصريحات الصادرة عقب اللقاء، يمكن الاستنتاج أن الرئيس بزشكيان والمسؤولين الإيرانيين الآخرين أعربوا عن رضاهم عن المحادثات التي أُجريت مع الجانب الأرميني. ومع ذلك، فإن هذا الرضا يبدو مشوبا بالحذر.

أما المسؤولون العسكريون الإيرانيون، فلا يجدون التصريحات الأرمينية كافية لطمأنتهم، ويواصلون اعتبار ممر زنغزور تهديدا أمنيا لإيران.

الخطوات المحتملة لإيران

تتمثل مخاوف إيران من ممر زنغزور في قضيتين: واحدة قديمة والأخرى مستجدة.

فالمخاوف القديمة ترتبط بإمكانية أن يؤدي هذا الممر إلى تحقيق تواصل بري مباشر بين دول العالم التركي، وعلى رأسها تركيا وأذربيجان. وقد اعتقدت طهران أن مثل هذا الربط، رغم كونه اقتصاديا في طبيعته، قد يشكل أساسا للتعاون لاحقا في مجالات عسكرية وإستراتيجية. ولهذا السبب، أطلقت على الممر تسمية "ممر طوران" وأعلنت معارضتها له.

أما المخاوف الجديدة، فقد ظهرت بعد حرب قره باغ الثانية، حيث غيرت إيران خطابها الرسمي وبدأت تعارض إنشاء الممر بذريعة أنه سيمهد الطريق لدخول الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى المنطقة، مما يشكل تهديدا لأمنها القومي.

إعلان

ومن الطبيعي أن تدهور العلاقات الإيرانية الأذربيجانية، يوما بعد يوم، أسهم في تفاقم هذه المخاوف.

ومع تطورات الأوضاع، يبدو أن خيارات إيران لإعاقة مشروع ممر زنغزور أصبحت محدودة. ولا يُرجح في الوقت الراهن أن تُقدم طهران، التي خاضت حربا استمرت 12 يوما مع إسرائيل، وتواجه ضغوطا على حلفائها، وتستعد لاحتمال نشوب حرب جديدة، على فتح جبهة صراع أخرى على حدودها الشمالية.

وفي هذا السياق، يمكن تلخيص التحركات الإيرانية المحتملة في النقاط التالية:


* قد تتخلى إيران عن سياسة العرقلة، وتختار بدلا من ذلك الانخراط في المشروع لتصبح جزءا منه. فقد اعتُبر ممر أراس، الذي اقترحته طهران سابقا كبديل، خيارا قابلا للنقاش بين تركيا وأذربيجان وأرمينيا، وقد يُعامل على أنه امتداد جنوبي لممر زنغزور، مما يسمح لإيران بأن تكون طرفا مشاركا فيه.
* نظرا لأن الصين لم تُبدِ موقفا واضحا من ممر زنغزور، فإن اعتبار بكين لهذا المشروع تهديدا لمبادرة "الحزام والطريق" قد يفتح الباب أمام تحرك مشترك بينها وبين طهران. في هذه الحالة، قد تجد إيران في الصين حليفا قويا يعزز جهودها في عرقلة تنفيذ الممر.
* من المحتمل أيضا أن تسعى الصين إلى التعاون مع روسيا وإيران لإنشاء ممرات بديلة خارج النفوذ الأميركي. وسترحب طهران بهذا السيناريو، لكنها لا تُخفي قلقها من احتمال وجود تفاهم بين روسيا وأميركا، خاصة بعد قمة بوتين- ترامب في ألاسكا. كما أن استمرار الحرب في أوكرانيا قد يجعل موسكو أقل استعدادا للانخراط في الصراع الاقتصادي العالمي.

ورغم أن لدى إيران القدرة على زعزعة الاستقرار الأمني في جنوب القوقاز من خلال بعض الفاعلين المرتبطين بها، فإن الظروف الداخلية الصعبة التي تمر بها، إلى جانب التحديات الإقليمية، قد تدفعها إلى تجنب هذا الخيار.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا