آخر الأخبار

رسائل أميركية إلى الشرع.. هل تغير واشنطن سياساتها تجاه دمشق؟

شارك
اشتباكات بين مسلحين من البدو والعشائر ومقاتلين دروز

في أعقاب التصعيد الذي شهدته محافظة السويداء السورية، وما تبعه من موجة قلق شعبي وهشاشة أمنية، خرجت الولايات المتحدة لتبعث برسائل سياسية حادة اللهجة باتجاه دمشق، معبرة عن استيائها من التطورات الأخيرة ومؤكدة على ضرورة حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

وبينما تسود في الجنوب السوري حالة من الهدوء الحذر، تعلو الأصوات في واشنطن وعواصم غربية أخرى للمطالبة بتغيير مقاربة النظام السوري تجاه الجنوب، بل وتجاه الملف الوطني بأكمله.

فما الذي تحمله هذه الرسائل من مضامين سياسية؟ وهل تشكل أحداث السويداء لحظة مفصلية في صياغة علاقة جديدة بين واشنطن ودمشق؟ وكيف تفسَّر هذه التحركات في ضوء المواقف المتباينة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه الجنوب السوري؟ وهل دخلت إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع مرحلة اختبار جدّي لمدى قدرتها على ترميم الدولة ومؤسساتها؟

واشنطن تراجع أوراقها بعد السويداء

في قراءة أولية للتصريحات الأميركية الصادرة بعد أحداث السويداء، يبدو جلياً أن واشنطن اختارت التخلي عن لغة الغموض الاستراتيجي في تعاملها مع الملف السوري، لتتحدث بوضوح عن مسؤولية دمشق في احتواء الوضع، ومحاسبة المتورطين، ومنع تكرار الانزلاق نحو العنف الطائفي.

التصريحات الأميركية شددت على أن "العدالة يجب أن تأخذ مجراها"، وأكدت أن "التصرفات المتطرفة تسيء إلى صورة النظام"، داعية إلى حماية النسيج الاجتماعي السوري، والبدء بتحقيقات جدية في انتهاكات قوات يُفترض أنها حكومية، لكن تصرّفت بعكس قواعد الانضباط التي يُنتظر من مؤسسات الدولة الالتزام بها.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي طارق الشامي، فإن هذه اللهجة تعكس استياءً حقيقياً لدى الإدارة الأميركية من الأحداث الأخيرة، ليس فقط بسبب الأوضاع في السويداء، بل أيضاً بسبب ضربات إسرائيلية غير منسقة استهدفت وزارة الدفاع السورية في دمشق، بالتزامن مع وجود وفد اقتصادي أميركي رفيع كان يجري مباحثات استثمارية في قطاع الطاقة السوري.

واعتبر الشامي أن "الضربات الإسرائيلية أربكت التوجه الأميركي"، وأضرت بالمصالح الأميركية ذاتها، بل ووضعت الحكومة الأميركية في موقف حرج أمام حلفائها.

إسرائيل على الخط: تصعيد غير مرحّب به؟

مواقف واشنطن من الضربات الإسرائيلية الأخيرة تكشف عن تباين متزايد بين الحليفين التقليديين، خاصة وأن هذه العمليات، حسب طارق الشامي، "لم تصب في مصلحة أحد"، لا النظام السوري الذي يحاول بسط نفوذه، ولا المكونات الدرزية التي تعيش أصلا حالة انقسام داخلي، ولا حتى إسرائيل التي تطمح لتوسيع منطقة عازلة في الجنوب، لكنها تواجه رفضاً غير معلن من الولايات المتحدة في هذه المرحلة الدقيقة.

الأوساط الأميركية بحسب تسريبات إعلامية، كانت "مستاءة" من الضربات التي استهدفت دمشق والسويداء، ورأت أنها تقوّض جهود واشنطن في الحفاظ على حالة من الاستقرار الهش في الجنوب السوري.

ويشير الشامي إلى أن جزءا من هذا التوتر مردّه إلى أن "إسرائيل تروّج لنفسها كحامية للمكوّن الدرزي، بينما هي في الواقع تحمي فئة ضيقة تخدم مصالحها"، ما أدى إلى خلق توترات اجتماعية داخل السويداء، ليس فقط بين الدروز أنفسهم، بل أيضاً بينهم وبين المكوّنات الأخرى كالبـدو، الذين يُشكّلون ثلث سكان المحافظة.

عباس شريفة.. الدور الإسرائيلي خرّب المعادلة

هذا واعتبر الكاتب والباحث السياسي عباس شريفة خلال حديثه لبرنامج "رادار" على "سكاي نيوز عربية" أن التصعيد في السويداء ليس جديداً، وأن الدولة السورية حاولت منذ أشهر فرض الاستقرار وإنهاء "الحالة الميليشيوية" في الجنوب، مشيراً إلى أن الصراع هناك ليس مع كافة أبناء السويداء، بل مع شريحة مسلّحة تتحكّم بمصير المحافظة.

وبحسب شريفة، فإن "الدولة السورية كانت بصدد تنفيذ اتفاق مع القيادة الروحية المسلحة في مارس الماضي"، لكن الاتفاق تم الانقلاب عليه سريعاً، رغم أن "جميع الفصائل وقيادات روحية بارزة دعمت الاتفاق". وقد حمّل شريفة الشيخ أحمد الهجري مسؤولية الانسحاب من الاتفاقات المتتالية، مشيراً إلى ضغوط خارجية وإسرائيلية تعيق أي توافق داخلي.

الأهم في تقييم شريفة هو تحميله الدور الإسرائيلي مسؤولية "خلط الأوراق" جنوب سوريا، معتبراً أن تل أبيب لا تحمي الدروز كمكوّن، بل تدعم مشروعًا خاصًا لزعيم محلي لخدمة أهدافها.

ويضيف أن 90 بالمئة من الدروز يرفضون هذا التدخل، الذي تسبب باحتقان اجتماعي عميق، مذكّراً بأن البدو، الذين طالما تم تهميشهم في سرديات الجنوب، هم في الحقيقة "جزء أصيل من السويداء"، بل وتاريخ وجودهم في المنطقة أسبق من وجود المكوّن الدرزي نفسه، على حد تعبيره.

عروض من الشرع ورفض محلي

وفي خطوة اعتبرها البعض محاولة لإعادة دمج السويداء ضمن مؤسسات الدولة، كشف عباس شريفة أن الرئيس أحمد الشرع عرض على جميع الفصائل المسلحة في السويداء الانخراط ضمن صفوف الجيش العربي السوري، برتب رسمية وبزي عسكري، مؤكداً أن الأمن العام في السويداء يمكن أن يكون بيد أبناء المحافظة أنفسهم، دون تدخل من الخارج.

كما قدّم الشرع عروضًا أخرى، منها تولي شباب السويداء مناصب أمنية وحكومية، بل وتم تعيين وزير درزي في الحكومة الانتقالية، بحسب شريفة، غير أن هذه المبادرات قوبلت برفض قاطع من القوى المسيطرة على الأرض، والتي يرى شريفة أنها "تسعى لمشروع فدرالي طائفي"، يتناقض مع مخرجات الحوار الوطني، ويهدد وحدة البلاد.

الموقف الأميركي.. بين دعم الدولة وتطمين الأقليات

تشير المعطيات إلى أن واشنطن لا تزال توازن بحذر بين دعم الدولة السورية الجديدة بقيادة الشرع، وبين مطلبها المتكرر بـ"تطمين الأقليات"، وتقديم ضمانات أمنية حقيقية تحمي كافة المكوّنات، خاصة بعد انتهاكات وُثقت بالصوت والصورة ضد مدنيين دروز.

ويؤكد طارق الشامي أن الإدارة الأميركية تتوقع من دمشق أن تسارع في فتح تحقيقات ومحاسبة المتورطين، خاصة في صفوف العناصر الحكومية، لأن "الغرب يرى أن مسؤولية هذه القوات مضاعفة بحكم تبعيتها للسلطة"، مضيفًا أن هذا المطلب ليس أميركيًا فحسب، بل تشارك فيه عواصم أوروبية عديدة.

تحذير من التكرار في الشمال الشرقي

وحذّر الشامي من أن سيناريو الجنوب قد يتكرر في الشمال الشرقي، حيث توجد قوى كردية تطالب بدور سياسي أكبر، وسط شكوك غربية حول إمكانية تكرار مشاهد الانفلات الأمني والانتهاكات الطائفية، وهو ما يجعل من ضبط الأوضاع في السويداء اختبارًا مبكرًا لمصداقية الحكومة الجديدة.

ويكشف اللقاء الأخير الذي جمع المبعوث الأميركي توم باراك بقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، عن تحرك أميركي موازٍ لإحياء المفاوضات المتوقفة مع الأكراد، في مسعى لاستيعاب الهواجس الكردية دون الاصطدام بمشروع الدولة المركزية الذي يدافع عنه الرئيس الشرع بقوة.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا