آخر الأخبار

إسرائيل و"مؤسسة غزة".. العمل الإنساني في خدمة القتل

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يجسّد ما عُرف بـ" مؤسسة غزة " فصلا آخر من تاريخ طويل من استخدام إسرائيل سياسات استغلال الحاجات الإنسانية لقمع الفلسطينيين والقضاء عليهم، في منظومة يصبح فيها الجانب الإنساني وسيلة لقتل الأبرياء المجوّعين وتحقيق الأهداف السياسية.

يتجلى ذلك في "مؤسسة غزة" تجليا واضحا. فقد وضعت إسرائيل نقاط توزيع المعونات قريبة من مناطق تمركز الجيش الإسرائيلي، وبعيدة عن المناطق السكنية، مما يضطر الفلسطينيين المجوّعين للمشي عدة كيلومترات، والانتظار ساعات طويلة قرب نقاط التوزيع، مما ييسر له ارتكاب الجريمة الأعظم باستهداف الفلسطينيين من خلال طائرات مسيرة أو إطلاق الرصاص عشوائيا عليهم.

فقد أفادت بيانات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأن إسرائيل قتلت أكثر من 454 فلسطينيا وأصابت 3466 آخرين منذ بداية توزيع المساعدات في يونيو/حزيران 2025، حتى يوم 23 من الشهر ذاته. وقد وثَّقت وسائل الإعلام مشاهد ظهرت فيها الجثث إلى جانب أكياس الطحين بعد عملية التوزيع، في مشهد تجتمع فيه أسلحة حرب إبادة الفلسطينيين: القتل والتجويع والحصار. كما أصدرت العديد من المنظمات بيانات تدين هذه الممارسات، وأعلنت رفضها التعامل مع مؤسسة غزة.

مركز الجزيرة للدراسات نشر دراسة للباحث حمدي علي حسين، حملت عنوان "مؤسسة غزة وإسرائيل: تساؤلات حول علاقة الإنساني بالسياسي" ، وتناولت تطويع إسرائيل للعمل الإنساني في حربها على غزة، ودور ما سمّته "مؤسسة غزة" في ذلك.

مصدر الصورة الحرب الإسرائيلية على غزة أخذت شكل الإبادة العامة لسكان القطاع (مواقع التواصل)

التجويع سلاحا.. سياسة إسرائيلية مظلمة

لإسرائيل تاريخ حافل في استغلال الغذاء في ممارسات إجرامية، كالحصار والتجويع. فقد حاصرت الفلسطينيين اقتصاديا أيام الانتفاضة الأولى (1987-1993)، وفرضت حصارا أشد في الانتفاضة الثانية (2000-2004)، ومن ثم كان الحصار الشامل على غزة منذ عام 2007. ومع تتابع هذه الممارسات تشكّلت معالم سياسة ممنهجة للحصار وتطورت أساليبه.

إعلان

شهد حصار غزة المستمر منذ أكثر من 18 عاما استخدام العديد من الأدوات، مثل: التحكم بالمعابر، وتقليص إدخال كميات الغذاء والدواء التي تدخل القطاع بحدّها الأدنى الكافي للحياة، وليس هذا وصفا فضفاضا فقط، إذ إن إسرائيل حسبت وحددت السعرات الحرارية المخصصة للأفراد بـ2279 سعرا حراريا في اليوم، ومن ثم حددت كميات الغذاء والدواء المُدخلة على هذا الأساس. وبرز في الحرب الأخيرة استخدام إستراتيجيات أخرى إلى جانب الحصار، كمنع الصيد وقصف قوارب الصيادين، وتدمير الأراضي الزراعية، وقتل ما يقارب 70% من الماشية في غزة حتى يوليو/تموز 2024.

واستهدفت إسرائيل أيضا المنظمات الإنسانية الأخرى، ولا أدلّ على ذلك من قتلها 479 من عمال الإغاثة الدوليين في مراكز توزيع الغذاء منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأفظع هذه السياسات بلا شك كان استهداف طوابير المصطفين انتظارا للمؤن، وكان أدمى هذه الحوادث ما عُرف بمجزرة الطحين بتاريخ 29 فبراير/شباط 2024 التي سقط فيها أكثر من 350 فلسطينيا بين شهيد وجريح.

وليس الاستخدام العسكري للتجويع أمرا تستتر منه إسرائيل. فقد صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تقرّب إسرائيل من النصر، في حين نادى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بربط إدخال المساعدات الغذائية والطبية وغيرها بالإفراج عن "الرهائن لدى حماس".

واستخدام الغذاء في الحروب ليس جديدا، لكن الاختلاف بين حصار غزة والأحداث التي وقعت قبله أنه جاء بشكل متوحش وبعد أن تطورت التجربة البشرية مع المواثيق والقوانين الإنسانية، بالتوازي أيضا مع تطور الإعلام والتوثيق. إذ لم يحصل من ذاك الحين أن تعرض شعب لحصار وتجويع جرى توظيفه بشكل مستمر في إطار "عقاب جماعي" لمثل هذه المدة الطويلة المستمرة منذ 18 عاما.

ومن البديهي أن يكون لكل ذلك تداعيات مدمّرة على غزة، أولها وأهمها المجاعة المتصاعدة. إذ يقول برنامج الأغذية العالمي إن شخصا من كل 3 لا يجد ما يأكله لعدة أيام، وهناك 470 ألف فلسطيني يقاسون الجوع من الدرجة الخامسة، وهو أعلى درجات الجوع في التصنيفات الإنسانية، بحسب بيانات من الفترة بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2025. كما تحوّل الأمن الغذائي إلى مشكلة مزمنة في قطاع غزة، وهو ما تشير إليه التقارير الحقوقية الأممية التي تقول إن 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية، والأنكى من ذلك أن القطاع يعتمد في وارداته الغذائية على معابر يتحكم بها الإسرائيليون.

ويرافق ذلك أيضا التداعيات الديمغرافية والصحية، حيث يفرض التجويع على الفلسطينيين الهجرة واللجوء والتركز في مناطق معزولة أو "غيتوهات"، ويؤدي ذلك إلى تفشّي الأمراض الناتجة عن نقص الغذاء، وارتفاع معدلات الوفيات وتضاؤل معدلات المواليد.

عمل "إنساني" في خدمة القتل

أنشئت "مؤسسة غزة الإنسانية" في فبراير/شباط 2025، بعد أسابيع من منع إسرائيلي تام لإدخال المساعدات، وفي سياق سعي تل أبيب لإعادة هندسة العمل الإنساني في قطاع غزة وفرض الهيمنة المباشرة عليه، واستكمالا لرؤيتها في استخدام الغذاء سلاحا بحق الفلسطينيين في غزة.

إعلان

وربطت إسرائيل بذلك توزيع المساعدات بخططها العسكرية، وأهدافها السياسية. وربما تسعى من وراء مؤسسة غزة إلى التأسيس لمرحلة من الاعتماد الطويل الأمد عليها في توفير الغذاء وفق الشروط الإسرائيلية، وصياغة رواية مزيفة تقدّم فيها نفسها أمام العالم بوصفها "فاعلا إنسانيا" في قطاع غزة، بالتزامن مع تقويض دور المنظمات الدولية وإقصائها.

ويُوجد اتساق واضح بين ممارسات المؤسسة وأهداف إسرائيل. من ذلك التركيز في توزيع المساعدات على مناطق جنوب قطاع غزة دون غيرها، وإهمال مناطق الشمال والوسط التي تعاني من التجويع، وهي التي يتركز فيها غالبية السكان. ويتقاطع ذلك مع أهداف إسرائيل في إعادة هندسة التركيبة الديمغرافية بتفتيت الكتلة السكانية في الشمال والوسط وتهجيرها نحو الجنوب، ويلتقي هذا التوجه أيضا مع دورها في تأسيس نواة حكم من خلال مجموعة " ياسر أبو شباب " التي جرى تسليحها وتدريبها لمساعدة إسرائيل عسكريا. وقد انتشرت مقاطع مصورة تُظهر استلام المساعدات بمناطق نفوذ أبو شباب، في الوقت الذي كانت إسرائيل قد أوقفت فيه تسليمها، بالتوازي مع دعوات إسرائيلية للهجرة إلى هذه المناطق.

ورفضت المنظمات الإنسانية والأممية التعامل مع مؤسسة غزة، فوصفت الأمم المتحدة المؤسسة بأنها تطبق "عسكرة المساعدات"، بل رفضت العمل في إطارها. وأدانت مؤسسات -مثل: العفو الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبرنامج الأغذية العالمي- ممارسات مؤسسة غزة الإنسانية، وعبّرت بعض هذه المنظمات عن قلقها من الربط بين المساعدات العسكرية والإغاثية.

مصدر الصورة غارة إسرائيلية على طريق صلاح الدين الذي يستخدمه الفلسطينيون للوصول إلى نقطة توزيع مساعدات مؤسسة غزة (الفرنسية)

مستقبل ملف غزة الإنساني

يمكن تحديد مسارين محتملين لمستقبل الملف الإنساني في غزة في ظل الوضع المتفاقم، وهو أحد المظاهر الأساسية للأزمة المستمرة. وهذان المساران هما:


* استمرار الحصار الغذائي، بأن تستمر إسرائيل في السيطرة على ملف الغذاء وتوزيع المساعدات بما يتسق مع أهدافها من إضعاف الفلسطينيين وتسريع مخطط تهجيرهم إلى مناطق مثل الجنوب، حيث تنشط مجموعات أبو شباب وأمثاله. وقد تسعى إسرائيل إلى تعزيز إدارة محلية تحكمها هذه العصابات الموالية لها بدعمها وتسليحها. وقد تمتد هذه السياسات إلى ما بعد انتهاء الحرب الحالية بشكل أو بآخر.
* كسر الحصار الغذائي عن غزة بإدخال مساعدات عبر منظمات إغاثة دولية، أو فتح جسر إلى غزة بضغط دولي. ويرتبط هذا السيناريو بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على تقليل هيمنة "مؤسسة غزة" على عملية توزيع المساعدات في ظل استمرار الحرب، أو انسحاب "المؤسسة" مع الجيش في حال توقيع اتفاق إنهاء الحرب أو اتفاق هدنة مؤقتة، أو حتى تراجع إسرائيل عن الهيمنة المباشرة على توزيع المساعدات وإقصاء المنظمات الدولية وعلى رأسها الأونروا.
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا