آخر الأخبار

ما وراء الاشتباكات.. اختبار السيادة يتجدد على أرض السويداء الملتهبة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لم تكن حادثة السلب على طريق دمشق السويداء سوى شرارة أشعلت جمرا متراكما في منطقة جبل العرب، ثم جاء ما أعقبها من اشتباكات، ودعوات للحماية الدولية، وقصف إسرائيلي لقوات النظام، ليضع مسألة السيادة على الطاولة، لا كمفهوم سياسي مجرد، بل كأرض نزاع متعدد الأطراف.

فالمواجهات التي انطلقت تحت يافطة النزاع المحلي، تطورت بسرعة إلى مشهد إقليمي متداخل، استُدعي فيه خطاب الحماية الطائفية، وتدخلت فيه إسرائيل بذريعة الدفاع عن طائفة الدروز ، في ظل فراغ أمني تعترف به السلطة وتستثمره فصائل محلية لإعادة رسم معادلة الحكم الذاتي.

ورغم إعلان الحكومة السورية عزمها فرض الأمن عبر الحوار و"بسط السيادة" فإن ذلك لم يكن كافيا لنزع الشكوك المتراكمة في السويداء ، حسب الناشط الحقوقي والسياسي فيها سليمان الكفيري.

ويرى الكفيري خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر" أن فشل السلطة في تنفيذ التزاماتها السابقة، وتحديدا الاتفاق مع وجهاء المنطقة قبل أكثر من شهر، عزّز مناخ انعدام الثقة، خاصة في ظل فوضى أمنية مستمرة على الطرق الحيوية.

لكن التحدي لا يقتصر على الجانب الداخلي، فوفق رؤية الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، فإن إسرائيل توظّف كل تفكك في الجنوب السوري لتبرير وجودها العسكري وتحويل المنطقة إلى "حزام فصل دائم" يحول دون عودة السيادة السورية الكاملة، تحت غطاء حماية الدروز.

الخطوط الحمراء

هذه "الذريعة الإنسانية" -وإن بدت متعاطفة ظاهريا- تكشف عن إستراتيجية أعمق، هدفها إبقاء الجنوب السوري منطقة رخوة سياسيا وأمنيا. ومع ذلك لا تعارض إسرائيل إعادة تموضع الدولة السورية، ما دام ذلك لا يتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة بوضوح: لا سيادة حقيقية، ولا مؤسسات أمنية قادرة على كبح تغلغلها الاستخباراتي.

وفي هذا السياق، تتحول الاشتباكات من حدث محلي إلى اختبار حقيقي لقدرة الدولة على فرض نموذج السيادة غير القابل للتجزئة، فالحكومة السورية -كما يوضح الكاتب والمحلل السياسي حسن الدغيم- تعاملت سابقا مع مناطق متوترة بسياسة الاحتواء لكن الخيارات تضيق، خصوصا بعد تصعيد عصابات مسلحة متورطة في شبكات تهريب وتجارة مخدرات عابرة للمحافظات.

إعلان

ولم تطرح الدولة على السويداء، بحسب روايتها، ما لم تطرحه على غيرها من المحافظات، بل اختارت التدرج والتفاوض قبل اللجوء إلى الحسم، لكن استمرار المطالبة بـ"إدارة أمنية محلية" يعيد إنتاج فكرة الكيانات الذاتية ويُضعف صورة الدولة كمحتكر وحيد للسيادة والسلاح، خاصة عندما تُرافق المطالبات بدعوات للحماية الدولية.

ويتداخل هذا السياق مع ما تظهره إسرائيل من مخاوف أعمق من تنامي النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وهنا يرى الدكتور مهند أن إسرائيل تسعى إلى إضعاف الدولة دون إسقاطها، وتدير الأزمة وفق منطق "الاحتواء دون الانهيار" على غرار إدارتها السابقة للحكومة بقطاع غزة أو للوضع في لبنان.

لكن الدولة السورية، وإن كانت تسير على حبل دقيق بين ضبط النفس والردع، تجد نفسها اليوم في موقف لا يمكن أن يُدار بلينٍ مفتوح، فهي تدرك أن أي تأجيل في فرض السيطرة سيُفسَّر كعجز، وسيفتح الباب أمام مطالب مماثلة في مناطق أخرى تحت لافتات دينية أو طائفية أو عشائرية.

معركة السلطة والسيادة

وتكمن الإشكالية العميقة في كيفية بسط السيادة على منطقة تشكّك بعض مكوناتها في شرعية الدولة، وتمييز المطالب الشعبية المشروعة عن محاولات تفكيك الدولة من الداخل، لتتجاوز هذه الأسئلة السويداء، وتمس قلب الأزمة السورية ذاتها، بوصفها معركة دائمة لإعادة تعريف الدولة والسلطة والسيادة.

واللافت أن السلطة -كما أشار الدغيم- تراهن على حاضنة واسعة من الدروز داخل السويداء وخارجها، ممن ما زالوا يؤمنون بوحدة سوريا ويرفضون خطاب الانفصال أو التجييش الطائفي، لكنها في الوقت ذاته تحذر من دور شخصيات دينية، كالشيخ حكمت الهجري، التي تتبنى خطابا يُقرأ لدى دمشق كمشروع لتفكيك وحدة الدولة تحت غطاء الخصوصية الروحية.

وبموازاة الجهود الميدانية، تحاول الدولة تدويل قضية القصف الإسرائيلي، مطالبة "الدول الصديقة" بكبح إسرائيل التي تعتبر أن أي محاولة لبسط الأمن السوري في الجنوب تمس بـ"الخطوط الأمنية" التي رسمتها لنفسها على أراضٍ ليست لها، وهو ما يعكس عبثية المشهد.

وفي ضوء هذا التعقيد، يتحول الجنوب السوري إلى مسرح لتنازع السيادات: سيادة الدولة على أراضيها، وسيادة الجماعة على خياراتها، وسيادة الاحتلال على قواعد الاشتباك. وكلما طال أمد الفوضى، زادت قدرة اللاعبين الخارجيين على ترسيخ حضورهم، وتآكلت قدرة دمشق على استعادة المبادرة.

ولكن رغم ضيق الخيارات، لا يبدو أن الدولة ستقبل بصيغة هجينة تُمنح فيها السويداء امتيازات خارج نموذج الدولة الموحدة، فالتجربة تقول إن التنازل في لحظة ضعف يفتح الباب أمام تفكك أكبر. ومن هنا، تبدو المواجهة الحالية بالجنوب ليست مجرد استجابة لأزمة طارئة، بل محطة حاسمة لاختبار مشروع السيادة في سوريا الجديدة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا