نتناول في عرض الصحف اليوم مقالات عن تطورات الوضع في الشرق الأوسط، من بينها مقال عن "وكلاء إيران في المنطقة واستمرار تهديدهم لأمن إسرائيل"، كما نطالع مقالاً عن "صعود نجم" تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية من جديد في ظل تطورات الأحداث الأخيرة في سوريا، والمقال الأخير يطرح تساؤلاً عن مدى حاجة سوريا "الجديدة" إلى رقابة محلية وإقليمية ودولية لتحقيق الاستقرار في البلاد.
نبدأ جولتنا بصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية ومقال رأي بعنوان "التهديدات التي يشكلها وكلاء إيران في المنطقة لا تنتهي، والحكومة الإسرائيلية لا يجب أن تفقد تركيزها"، ويستهل الكاتب مقاله مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعهدت بحماية أمن إسرائيل، ولا يمكن لأحد أن يحيد عن تحقيق هذا الهدف.
ويقول الكاتب إن نهاية هذه الحرب المستعرة لا يبدو أنها تلوح في الأفق، بأي حال من الأحوال، حتى في ظل تراجع التهديدات الصاروخية من لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار، لاسيما بعد أن تعرضت إسرائيل لضربة جديدة يوم السبت تمثلت في شن هجوم صاروخي من جانب الحوثيين، آخر الميليشيات الموالية لإيران.
ويضيف المقال، مستشهداً برأي كتبه سيث فرانتزمان، محلل الدفاع في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن هذه الجماعة تستعرض نفسها حالياً كما لو كانت "آخر رجل صامد" في جماعات محور إيران التي دأبت على مهاجمة إسرائيل في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك لا يبدو أن الحوثيين يكترثون لما تشنه إسرائيل من هجمات تستهدف مختلف أنواع البنى التحتية، فتلك الجماعة تواصل الهجوم حتى بعد شن إسرائيل ثلاث جولات من الضربات الانتقامية عليها.
ويضيف المقال أن "العدو لا يزال موجوداً في معظم الحالات؛ فالحوثيون أحد الأمثلة التي تؤكد أن الضربات الدقيقة التي تستهدف بنية تحتية مثل الموانئ، عديمة الجدوى في تحقيق النصر".
ويرى المقال أن إيران "دعمت حماس في نهجها الجهادي، ما دفع هذا البلد [إسرائيل] إلى حرب لم تتوقف لأكثر من 400 يوم، واحتجاز رهائن في أنفاق تحت الأرض"، ويقول الكاتب إن هؤلاء الرهائن بحاجة إلى العودة إلى ديارهم فوراً، مؤكداً أن قضية إطلاق سراح الرهائن ورقة في هذه الحرب "لا تتمتع بامتياز الوقت، كما أن استهداف إيران لإسرائيل ليس بالشيء الجديد، وهجمات الحوثيين تظهر ذلك جلياً".
ويختتم المقال مؤكداً على أن محور إيران لم يُقض عليه، رغم ضعفه حاليا، لذا فالأمر متروك للحكومة الإسرائيلية من ناحية، وللمجتمع الدولي والقوات اليمنية من ناحية أخرى، لوقف هذا التهديد المتمثل في الحوثيين واستعادة الاستقرار إلى هذا البلد الغارق في الحرب.
ننتقل إلى صحيفة "التايمز" البريطانية ومقال كتبه كولين بي كلارك بعنوان "تنظيم الدولة الإسلامية في صعود جديد - عملية هروب كبيرة للمقاتلين من السجون ربما الخطوة التالية"، ويستهله الكاتب مشيراً إلى أن تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية من المؤكد "سيغتنم فرصة سقوط نظام حكم بشار الأسد لإعادة البناء وشن هجمات جديدة".
ويقول الكاتب إنه في ظل احتفال السوريين بحريتهم الجديدة بعد عقود من حكم الأسد الاستبدادي، فإن ثمة مخاوف من أن تمثل تلك اللحظة فرصة لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية لإعادة البناء وترتيب الأوراق وشن الهجمات.
ويستشهد الكاتب بتصريح سابق أدلى به مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، جيك سوليفان، قال فيه: "إن الخطر الأكبر الذي أراه هو عودة تنظيم الدولة الإسلامية، لأنه يريد الاستفادة من أي فراغ أو عدم استقرار في سوريا بعد الحرب الأهلية".
ويرى الكاتب أن تنظيم الدولة عاد إلى الظهور في سوريا فعلاً خلال العام الماضي، وهو اتجاه يراه مقلقاً لم يلفت انتباه كثيرين، بعد أن أسهمت حروب مستعرة في أوكرانيا والشرق الأوسط في تشتت تركيز وسائل الإعلام والاستخبارات، لافتاً إلى شن التنظيم نحو 700 هجوم في سوريا هذا العام وحده، بزيادة ثلاثة أضعاف عن العام السابق.
ويقول الكاتب إن التنظيم لا يزال يضم نحو 2500 مقاتل بين سوريا والعراق، وهو رقم من المؤكد سيزداد مع تجنيد أعضاء جدد وتكثيف الدعاية للاستفادة من الفوضى التي تحيط بسوريا.
ويلفت الكاتب إلى أن رسالة أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، وتعهده بالبراجماتية واستقباله وفوداً من الدبلوماسيين من مختلف أنحاء العالم في حملة علاقات عامة مؤخراً، خطوات قد لا تروق للعناصر الأكثر تشدداً في جماعته.
ويرى الكاتب أن تلك العناصر المتشددة قد تسعى إلى الانقسام إلى جماعات جديدة تركز بشكل صارم على الجهاد، وقد يسعى تنظيم الدولة إلى اصطياد تلك العناصر.
كما يعتقد الكاتب أن استمرار القتال بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني السوري الحر المدعوم من تركيا في شمال البلاد، تطورٌ آخر إذا تسارع، قد يؤدي إلى سحب القوى البشرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية بعيدا عن حراسة السجون، لذا يراقب تنظيم الدولة الإسلامية الأحداث عن كثب من أجل اقتناص نقطة ضعف يستفيد منها على الساحة.
ويحذر الكاتب من أن هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الكامل على السجون ومراكز الاحتجاز في سوريا مسألة وقت، وليست مسألة حدوث ذلك من عدمه، لاسيما في ظل تنامي هجمات التنظيم هذا العام مع زيادة تعقيدها وانتشارها الجغرافي، على نحو أصبح معه شعار "البقاء والتوسع" فعّال على نحو واضح.
ويختتم الكاتب كولين بي كلارك مقاله مشيراً إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، تحتاج حتماً إلى استراتيجية للتعامل مع احتمالات إحياء تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في سوريا، فبدون هذه الاستراتيجية، سيتحرك "الجهاديون" بسرعة لإعادة تجميع صفوفهم، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا وجر البلاد من حرب إلى أخرى.
نختتم جولتنا بصحيفة "الشرق الأوسط" ومقال رأي كتبه إياد أبو شقرا بعنوان " إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي"، وفيه يصف الإطاحة بنظام حكم الأسد خلال أقل من أسبوعين بأنه "إنجاز ضخم بكل ما في الكلمة من معنى".
ويقول الكاتب إن سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجو. إلا أنه يزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات العسكرية المؤقتة الأمور في دمشق، أنه ما كان مستبعداً أن تصدر انتقادات من هنا وهناك لجملة من الممارسات.
ويرى الكاتب أن إنجاز التحرّر هو الآن تحت رقابات "محلية" و"إقليمية" و"دولية" دقيقة، ويقول إن الرقابة "المحلية" في الداخل، وإن رحبت بنهاية نظام الأسد، فإن قطاعاً عريضاً لا يريد استبدال ديكتاتورية بديكتاتورية، وهذا يعني أن المطلوب عنصر التشاور وعنصر توسيع قاعدة الانفتاح والتفاهمات، لا استنساخ تجربة "حكومة إدلب" رغم كل ما فيها من نقاء.
ثم هناك الرقابة "الإقليمية"، وواضح هنا أن حدود سوريا مع دولتين شقيقتين، هما لبنان والعراق، لا تزال "غير مأمونة" بالنسبة لقيادة العمليات السورية المؤقتة، والدليل تمكّن عدد من رموز ديكتاتورية نظام الأسد من الهروب، مُستفيدة من النفوذ الميداني هناك لقوى وصفها بقوى "الأمر الواقع الطائفية المسلحة"، المدعومة بدورها من راعٍ إقليمي نافذ.
وفي المقابل، ما أن أُسقِط نظام الأسد حتى تبيّن ثقل الدور التركي التراكمي في تحقيق النصر شمالاً، بينما جنوباً، ظهرت "خطورة نيّات إسرائيل التوسّعية" مع اختراق جيشها "خطوط الهدنة" في الجولان، واحتلاله قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنّه غارات جويّة على عشرات الأهداف العسكرية السورية، وهذا واقع يشير عملياً إلى مدى "اطمئنان" القيادة الإسرائيلية لنيات نظام الأسد، طوال فترتي حكم الأب والابن، في تأمين حدودها الشمالية!
ثم يتحدث الكاتب عن الرقابة "الدولية"، وهي تلك التي تمارسها القوى الغربية الكبرى، بجانب المنظمات العالمية التي تتمتع فيها القوى الغربية بنفوذ عظيم، ويرى أن التغيير التاريخي الذي أنهى أكثر من نصف قرن من حكم الأسد (الأب والابن) ما كان ليسير بالسلاسة التي رأيناها، على الرغم من الوجودين العسكري الروسي والإيراني، لولا "رضا" القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي رأته حالة صارت "شاذة" في منطقة حساسة، قبل استقبال رئاسة أميركية جديدة محاطة نيّاتها بعلامات استفهام عدة.
ويلفت الكاتب إلى أن واشنطن أدركت أن بقاء الجمود في الشرق الأوسط ما عاد مقبولاً في ظل ما يلي: "أولا، الحاجة إلى مقاربة جديدة مختلفة لملفات الإسلام السياسي، ومطامح الأقليات ومخاوفها، والإرهاب اللابس هيئة التطرف الديني. ثانيا، رفض مواصلة التسامح مع المبتزين في عدد من الملفات، ومنها الملف النووي، ثالثا، التعامل بصورة أكثر جدّية مع الأزمة الأوكرانية التي أعادت فتح ملف (احتواء روسيا)، ولا سيما، مع صعود اليمين المتطرف في عدد من دول أوروبا والقارة الأميركية".
ويختتم الكاتب إياد أبو شقرا مقاله مشيراً إلى أنه بناء على ما سبق، كانت "رسائل" حوار البعثة الدبلوماسية الأميركية مع أحمد الشرع، في دمشق، صريحة جداً ومعبّرة جداً عن رؤية واشنطن ليس فقط لدور سوريا الجديدة في مستقبل منطقة المشرق العربي، بل أيضاً لطبيعة النظام السوري "المقبول دولياً".