بغداد- يسعى العراق لإحداث نقلة نوعية في قطاع صناعة الذهب من خلال إنشاء مدينة الذهب العالمية في العاصمة بغداد ، التي تأتي ضمن أهداف البرنامج الحكومي لدعم التنمية الصناعية وتوفير فرص عمل، فضلا عن توطين صناعة الذهب والمجوهرات وتعزيز الإنتاج المحلي.
وحسب وزارة التجارة العراقية، ستمثل المدينة منظومة متكاملة تشمل وحدات صناعية متخصصة، ومراكز تدريب متطورة لصياغة الذهب وفقًا للمعايير العالمية، فضلا عن أسواق وبورصة للمعادن الثمينة.
قال المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة، محمد حنون لـ(الجزيرة نت) إن المجلس الوزاري للاقتصاد وافق مبدئيا على إنشاء مدينة الذهب وفق مخططات معمارية حديثة، مشيرا إلى أن الوزارة تقوم بمتابعات جدية وإجراءات مهمة لتخصيص الأرض وإصدار الإجازات الاستثمارية اللازمة للمشروع.
وتتولى وزارة التجارة، بصفتها الجهة التي قدمت المقترح، مسؤولية الإشراف المبدئي والتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار لاستكمال تخصيص الأراضي وإصدار الإجازات، إضافة إلى الإشراف التنفيذي والهيكلة الاستثمارية بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، وفق حنون.
وأوضح حنون أن مدينة الذهب ستقام ضمن المدينة الاقتصادية المتكاملة التي يجري إعدادها في بغداد، مبينا أن هذه المدينة ستكون مركزا اقتصاديا متكاملا يضم جميع الأنشطة الاقتصادية، وستتمتع بموقع إستراتيجي قريب من الطرق الرئيسية والخدمات اللوجستية والمناطق الصناعية المخططة بما يسهل الوصول إلى الأسواق المحلية والإقليمية، ويوفر الخدمات اللوجستية الضرورية للمصدرين والمصنعين.
شدد حنون على أن مدينة الذهب لن تؤدي أي دور موازٍ أو شبيه بإدارة العملة التي يقوم بها البنك المركزي العراقي، مؤكدا أن البنك هو المسؤول الوحيد عن السياسة النقدية وإدارة العملة واحتياطيات الذهب، أما مدينة الذهب، فستخضع لتنظيمات رقابية صارمة منها:
أفاد حنون بأن الفترة الزمنية المتوقعة لتنفيذ المشروع تتراوح بين سنتين إلى 5 سنوات للوصول إلى التشغيل الكامل، بعد بدء التشغيل الجزئي التدريجي، موضحا أن هذه الفترة تقديرية وليست رسمية، نظرًا لطبيعة المشروع الذي يتطلب عدة مراحل، بدءًا من تخصيص الأرض، وعقود الاستثمار، وتجهيز البنى التحتية، وانتهاءً بإنشاء المصانع والمختبرات.
وأكد حنون أن الحكومة تتخذ إجراءات مهمة لضمان مصداقية المشروع وتنافسيته، وهي:
أكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن احتياطي العراق الرسمي من الذهب لدى البنك المركزي يبلغ حاليا قرابة 163 طنا.
وقال صالح لـ(الجزيرة نت) إن هذا الاحتياطي يُعد مكونا مهما ضمن إجمالي الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، والتي تقترب قيمتها الإجمالية من 100 مليار دولار. وتتكون هذه الاحتياطيات من عملات أجنبية رئيسية مثل الدولار واليورو واليوان الصيني والجنيه الإسترليني والين الياباني، بالإضافة إلى الذهب.
ورأى أن مشروع مدينة الذهب العالمية في بغداد يمثل نقلة نوعية في الرؤية الاقتصادية للعراق منوها بأنه: "لا يقتصر على الجانبين الجمالي أو التجاري، بل هو محرك تنموي إستراتيجي ضمن توجه وطني أوسع يهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة العراق في سلاسل القيمة الإقليمية، خاصة في الصناعات الحرفية عالية الربحية".
وأشار إلى أن هذا المشروع يأتي في إطار خطة الحكومة العراقية لتنشيط القطاع الخاص، وتحفيز التصنيع المحلي، وتحقيق تكامل الاقتصاد العراقي مع محيطه الإقليمي والدولي، ويهدف هذا التوجه إلى تعزيز الاستقرار المالي وتوليد مصادر دخل جديدة قائمة على المعرفة والإبداع والحرفية، وفق صالح.
وتوقع صالح أن يسهم المشروع في تنظيم سوق الذهب، وحوكمة التبادل التجاري، وحماية الثروة الوطنية من التهريب وفقدان القيمة.
وتابع: "من المتوقع أن يُقام المشروع في العاصمة بغداد، في موقع قريب من المراكز التجارية والصناعية لضمان ربط لوجستي فعال، وتسهيل الاستثمار والتوزيع على المستويين المحلي والإقليمي".
أكد صالح على الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمشروع إذ يوفر التالي:
وفي الربع الأخير من عام 2024، نما احتياطي البنك المركزي العراقي من الذهب 45.1%، وفق البيانات الرسمية.
وارتفعت قيمة هذه الاحتياطيات من حوالي 9.31 مليارات دولار (12.29 تريليون دينار) إلى ما يقارب 13.507 مليار دولار (17.83 تريليون دينار).
أكد الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي، أن العراق في أمسّ الحاجة لإنشاء أسواق متخصصة لجميع أنواع المعادن، وعلى وجه الخصوص الذهب.
وقال قصي لـ(الجزيرة نت) إن هذه الأسواق ستمكّن الجهات المعنية من التحكم بشكل أفضل في كميات الذهب المستوردة ومراقبة المشترين، مما يساهم في منع استخدامه في عمليات غسل الأموال.
وأشار قصي إلى أن الطلب المحلي المتزايد على الذهب، سببه قلق المواطنين من تقلبات سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، ما يدفعهم للبحث عن ملاذ آمن لمدخراتهم، موضحا أن هذه الأسواق المتخصصة تعد خطوة أساسية للاستفادة من هذا الطلب، خاصةً فيما يتعلق بتخزين الذهب الخام من مصادر محددة.
وأضاف قصي أن تأسيس هذه الأسواق سيمهد الطريق لاحقًا لإنشاء أسواق متخصصة لتصنيع الذهب على مستوى جميع المعامل المسجلة في العراق، ما من شأنه تعزيز قدرة البلاد على استقطاب رؤوس الأموال، وزيادة مستوى ونوعية التصنيع لتلبية أذواق المستهلكين العراقيين، وفتح الباب أمام إعادة تصدير المصوغات الذهبية إلى دول المنطقة.