آخر الأخبار

ثورة الخصوبة في الشرق الأوسط .. أطفال أقل مشاكل أكثر؟

شارك
عدد الأطفال في الشرق الأوسط يتراجع باطراد في الشرق الأوسطصورة من: Giuseppe Cacace/AFP/Getty Images

تشهد منطقة الشرق الأوسط حاليا ما يسمى بـ "الثورة الصامتة" وهو تطور لا تصاحبه احتجاجات في الشوارع أو الإطاحة بالحكومات. تحدث هذه الثورة في الخفاء داخل الجدران الأربعة للناس وتؤثر على معدلات المواليد في المنطقة. ففي جميع بلدان الشرق الأوسط تقريبا انخفض عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة خلال حياتها بشكل كبير خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية.

فقد انخفض ما يسمى بمعدل  الخصوبة الإجمالي أي متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة بين سن 15 و49 عاما إلى أكثر من النصف في الشرق الأوسط منذ ستينيات القرن الماضي. فبينما كانت النساء ينجبن حوالي سبعة أطفال انخفض هذا الرقم بحلول أوائل عام 2010 إلى ثلاثة أطفال فقط. إن انخفاض معدلات المواليد ظاهرة عالمية. ومع ذلك في وقت مبكر من عام 2016 أفاد الباحثون أن الشرق الأوسط يشهد "أكبر انخفاض في معدلات المواليد في جميع أنحاء العالم خلال الثلاثين عاما الماضية". وفي العقد ونصف العقد الماضي على وجه الخصوص انخفضت هذه الأرقام بشكل مستمر. وكما أظهرت دراسة نُشرت في أكتوبر الماضي في مجلة جمعية الخصوبة في الشرق الأوسط سجلت دول المنطقة انخفاضا في معدل الخصوبة الإجمالي بين 3.8 و24.3 في المائة بين عامي 2011 و2021. وسُجلت أكثر الانخفاضات حدة في الأردن  والعراق واليمن.

وحسب إحصاءات البنك الدولي فإن خمسة من أصل 22 دولة عضو في جامعة الدول العربية كان معدل الخصوبة الإجمالي في عام 2023 أقل 2،1 وهو عدد الأطفال لكل امرأة المطلوب للحفاظ على مستوى السكان. واقتربت أربع دول أخرى من هذه القيمة. فعلى سبيل المثال يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الإمارات العربية المتحدة 1.2 فقط أي أقل بكثير من مستوى الإحلال السكاني. وهذا أقل حتى من بعض الدول الأوروبية: في عام 2024 يقدر معدل الخصوبة الإجمالي الوطني في ألمانيا بـ 1.38 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب .

حتى ثمانينيات القرن الماضي كان متوسط إنجاب المرأة في اليمن تسعة أطفال. أما اليوم فهو خمسة أطفال. ولا يزال هذا المعدل هو الأعلى في الشرق الأوسط.صورة من: Khaled Ziad/AFP/Getty Images

أسباب تراجع معدلات المواليد

وضع الخبراء فرضيات مختلفة لهذا الانخفاض. ويمكن تصنيف هذه التفسيرات بشكل أساسي إلى فئتين مترابطتين: إحداهما اقتصادية - سياسية والأخرى اجتماعية - ثقافية.

تشمل الأولى عوامل مثل الحرب وعدم اليقين السياسي، فالكثير من الناس لا يرغبون في إنجاب الأطفال في عالم غير مستقر. كما تلعب التطورات الاقتصادية دورا أيضا. على سبيل المثال تخفيض الدعم الحكومي في مصر والأردن والتضخم أو تراجع الوظائف في القطاع العام في الدول النفطية.

كل هذا يجعل من الصعب بشكل متزايد تمويل الزواج وتكوين أسرة. ومن المرجح أن يلعب تغير المناخ وهو حقيقة قاتمة في منطقة ترتفع درجة حرارتها بوتيرة أسرع من غيرها دورا متزايدا في هذا الصدد بالنسبة للأزواج الشباب.

وتشمل التغيرات الاجتماعية والثقافية زيادة توافر وسائل منع الحمل والقبول الاجتماعي لها حتى بين الجماعات المحافظة دينيا وكذلك الطلاق. ولكن قبل كل شيء تلعب الإصلاحات في وضع المرأة دورا حاسما: الحصول على التعليم ودخول سوق العمل.

ومن المرجح أيضا أن يلعب التوسع الحضري دورا في ذلك. ففي المناطق الريفية في الأردن ومصر على سبيل المثال يبلغ معدل المواليد ضعف ما هو عليه في المدن الكبرى. وقد تساهم وسائل التواصل الاجتماعي أيضا في ذلك. يجادل بعض المحللين بأن الوصول إلى المعلومات حول ما يسمى "نمط الحياة الغربية" يغير من التصورات حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه الأسرة المثالية.

ويقول خبراء مثل مارسيا إينهورن، أستاذة الأنثروبولوجيا والعلاقات الدولية في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية إن كل هذه العوامل متشابكة. فقد بحثت على نطاق واسع في المواقف المتغيرة تجاه الزواج والأطفال في المنطقة. وقالت في حديثها لـ DW إن ما يسميه علماء الاجتماع "الانتظار" هو ما يقع في نقطة التقاء الفئتين الاقتصادية السياسية والاجتماعية الثقافية.

وغالبا ما تنطوي عادات الزواج في الشرق الأوسط على نقل الثروة، ففي العراق على سبيل المثال يمكن أن يشمل ذلك حليا ذهبيا أو نقودا أو منزلا مؤثثا بالكامل وعادة ما يمول العريس ذلك. وتقول إينهورن: "لا يملك الشباب ببساطة الوسائل الاقتصادية لجمع كل الأموال اللازمة للزواج". "لذا يقررون الانتظار والترقب".

وفي الوقت نفسه هناك عدد متزايد من النساء في المنطقة اللاتي ينتظرن الشريك المناسب أو ربما لا يرغبن في الزواج على الإطلاق، كما تتابع إينهورن. "وفي جميع أنحاء المنطقة تراجع الاهتمام بالعائلات الكبيرة. هناك موقف سائد على نحو متزايد: "أفضل أن يكون لديّ عائلة صغيرة حيث يمكنني أن أعطي أطفالي ما يستحقونه بدلا من مجرد الحصول على عائلة كبيرة".

آثار انخفاض معدلات المواليد

"تواجه البشرية حقبة جديدة في التاريخ. دعونا نسميه "عصر الانخفاض السكاني"، هذا ما كتبه نيكولاس إيبرشتات، الخبير الاقتصادي السياسي في معهد أمريكان إنتربرايز للأبحاث ومقره واشنطن لمجلة فورين أفيرز في نهاية العام الماضي. "لأول مرة منذ الطاعون في القرن الرابع عشر سينخفض عدد سكان العالم".

كان يُنظر إلى الأطفال في السابق على أنهم شكل من أشكال أمن الشيخوخة. وقد استحدثت دول الخليج الغنية اﻵن صكوك ضمان الدولة.صورة من: Mohammed Mahjoub/AFP/Getty Images

ويختلف الخبراء حول عواقب حقيقة أن معدل الخصوبة في العقدين ونصف العقد المقبلين سيكون أقل من مستوى الإحلال في 76 في المائة من البلدان في جميع أنحاء العالم.

ويقول إيبرشتات لـ DW إن الأداء الاقتصادي في بعض البلدان التي تحقق "خصوبة أقل من مستوى الإحلال" ضعيف. "وهذا يعني أن العديد من المجتمعات في الشرق الأوسط ليس كلها ولكن العديد منها ستشيخ وربما تتقلص في جيل واحد. مع وجود نسبة كبيرة من كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة". ومع ذلك فإن هذا يحدث "دون الإمكانيات المالية التي تمتلكها الدول الغربية لتمويل الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية".

ومن الصعب تحديد ما إذا كان انخفاض معدلات المواليد إيجابيا أم سلبيا على المدى الطويل، لكن إيبرشتات متفائل بحذر. "لقد تعاملت مع هذه المسألة منذ فترة طويلة عندما كان الجميع قلقين بشأن الانفجار السكاني"، كما أوضح ايبرشتات. "لكنني أعتقد أن الكثير من تلك الهستيريا كانت مضللة بشكل أساسي، لأن الناس لم يتكاثروا فحسب، بل توقفوا عن الموت المبكر. فالانفجار السكاني كان في الحقيقة انفجارا صحيا".

أعده للعربية: م.أ.م

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار