في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
"بغض النظر عن قسوة أشواكه، والندوب الذي تتركه على يداي، يبقى موسم الورد الجوري من أحب المواسم إلى قلبي، لأن منظره جميل ورائحته العطرة تريح الأعصاب وتحسن نفسيتي التي أتعبها الحرب والنزوح"، تقول جميلة الفياض (31 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى بلدة كللي شمالي إدلب، بينما تنتشر رائحة الورد الأخاذة لتعم أرجاء المكان .
بدأ الكثير من المزارعين في الشمال السوري باستثمار مساحات واسعة من أراضيهم لزراعة الورد الجوري أو الدمشقي كما يحب البعض أن يسميه بغرض الإنتاج والتسويق. ولاقت هذه الزراعة رواجاً كبيراً في أسواق المنطقة، وإقبالاً من الأهالي على شرائها ، لاستخدامها في صناعة خلطات شاي الأعشاب، واستخلاص ماء الورد، وصناعة أدوات التجميل، والمربى وشراب الورد. كما يوفر موسم قطاف الورود فرص عمل لأهالي المنطقة بمن فيهم النساء .
قبل طلوع الشمس، تكون الفياض وبقية العاملات قد توزعن في حقل الورد، وبدأت مرحلة القطاف. وتوضح جميلة بأن العمل يكون خلال فترتي الصباح والمساء مع أكثر من 5 نساء أخريات .
وتضيف: "هذا الموسم يستمر من شهر نيسان /أبريل حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ويوفر لهن فرص عمل موسمية هن في أمس الحاجة إليها ."
تمسك الفياض بيدها كيساً بينما تقطف باليد الأخرى الورود، وهي تنتقل بسهولة وسرعة من شجيرة إلى أخرى، لقطف بتلات الورد ووضعها في الأكياس بمهارة، وتروي أنها تترك أطفالها الثلاثة أصغرهم بعمر 3 سنوات داخل الخيمة، لتبدأ رحلة القطاف اليومي من الساعة الخامسة صباحاً حتى السادسة مساء مع فترة استراحة عند الظهيرة وتضيف: "قطاف الورود يتم في الصباح الباكر، وهي زراعة محببة لدى معظم العمال بالمنطقة، وتشكل مورداً مادياً للمزارعين، كما يساهم في زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة ."
العمل بمزارع الورود باتت عادة سنوية لدى بعض النساء في شمال سوريا وفرصة للكسب لمواجهة ظروف الحياة الصعبةصورة من: Sonia Al-Aliاضطرت الفياض للعمل بالمواسم الزراعية منذ تعرض زوجها لإصابة حربية عام 2022، أدت لإصابته بالشلل، وتوضح ذلك بالقول: "مررت بظروف قاسية خلال الحرب منها فقدان المنزل، مروراً بالتشرد والنزوح، ووصولاً إلى العمل في ظروف صعبة." وتضيف: "الحياة ازدادت قسوة بعد إصابة زوجي، وتفاقمت المسؤوليات الملقاة على عاتقي، لذا أجد نفسي مجبرة على العمل لأساعد أسرتي على تأمين متطلبات الحياة ."
غير بعيد عن الفياض تعمل أيضاً الشابة علية الجمول (18عاماً) النازحة من ريف حلب إلى مخيم كللي شمالي إدلب، بطريقة لا تقل مهارة وخبرة، لكي تتمكن من كسب لقمة العيش ، ومساعدة والدها في تأمين مصروف المنزل، بينما تستغل أمها موسم الورد أيضاً لإعداد مربى الورد وبيعه، مبينة أنها تتخذ من هذا الموسم عملاً لها، وحول ذلك قالت لـ DW عربية: "يحتاج العمل في قطاف الورد إلى التركيز والدقة حتى نحافظ على الوردة، ونتفادى أشواكها في ذات الوقت." مضيفة: "نحن نستغل هذا الموسم لتصنيع المربيات وتجفيف الورود لبيعها زهورات، كما تحظى صناعة العطور باهتمام كبير ."
الورد بالنسبة للجمول ليس مجرد نبات، وعن ذلك تقول: "تعلمت حبها وتعلقت بها، فالوردات بمثابة صديقات لي، أتحدث إليهن عندما تخنقني هموم الحياة، لأن الورد من أكثر الأشياء التي تبعث الرّاحة والتّفاؤل بألوانها الزّاهية ورائحتها الزكيّة."
لاتزال الشابة علية بعمر الورد، لكنها تخبرنا بنبرة صوت لا تخلو من الحزن أن ظروف الحرب حرمتها من دراستها منذ نزوحها مع أهلها بداية عام 2020 لتلتحق بالعمل ضمن الورشات الزراعية، لكن حلم إكمال تعليمها بقي في قلبها وعقلها بحسب تعبيرها .
فوائد الورد الجوري لا تقتصر على الزينة بل يتم الاستفادة منه في استخدامات صحية متعددةصورة من: Sonia Al-Ali"تشكل زراعة الورود في إدلب رافداً إضافياً لتحسين دخل المزارعين من خلال الاستفادة من المردود المادي لهذا الصنف من المزروعات" بحسب المزارع محمد الكيال (51 عاماً) من ريف حلب الشمالي ، الذي يضيف بهذا الخصوص: "زراعة الورد الجوري حديثة العهد في الشمال السوري، حيث كانت منتشرة في مناطق الغوطة الشرقية، وبعد تهجير أهل الغوطة بدأت زراعة الورد تنتشر على مساحات زراعية واسعة، وخاصة أن الطقس والتربة، مناسبين جداً في المنطقة، حيث حمل الدمشقيون المرحلون قسراً الورد الجوري في ذاكرتهم، لتكون رمزاً للصمود رغم التحديات الاقتصادية والمعيشية.
ويتابع بالقول: "الورد من المحاصيل الإنتاجية ذات المردود الجيّد، رغم أن الكثيرين لا يعرفون فوائد الورد الجوري، وقد يظن البعض أن استخدامه يقتصر على الزينة فحسب". صحيح أن الورد الجوري بداية كان فقط للزينة لما يقدمه من روائح عطرية مميزة، لكن استعمالاته تعددت لاحقاً في الاستخدامات الصحية والجمالية وصناعة العطور ومواد التجميل، كما يستخرج من الورد زيت عطري يستعمل في الطب الشعبي لعلاج كثير من الأمراض، وفي الأمور المتعلقة بالعناية بالجسم والشعر والبشرة، فضلاً عن علاج مشكلات الجهاز الهضمي والأرق وآثار الحبوب الناتجة من الإصابة بالجدري، أو بقايا وآثار العمليات الجراحية المختلفة، كما يوضح المزارع محمد الكيال.
من ناحية أخرى، يتمّ استخلاص شاي عشبي نقي من تيبيس زهرة الورد، يفيد في مقاومة البرد والمرض وتعزيز عملية فقدان الوزن بسرعة، كما يتميز بطريقة تحضيره البسيطة، يضيف الكيال.
بالمقابل فإن من أهم المشكلات التي تواجه زراعة الورد بحسب الكيال هو غلاء أسعار المياه، مؤكداً أن احتياجات النبات من الماء يختلف بحسب الموقع والصنف ونوع الأرض ومرحلة النمو وعمر الشجيرة، وبحسب الظروف البيئية وتؤدي عملية الري المنتظمة إلى زيادة النمو الخضري وزيادة نسبة الإزهار المتكونة.
ويلفت الكيال أن ارتفاع أسعار المحروقات اللازمة للحراثة ونقص اليد العاملة، خاصة الخبيرة منها، ضاعف تكاليف إنتاج الوردة، ودفع البعض لإهمالها، كما يقتصر تصريف الورد على المستوى المحلي فقط بسبب حساسيّة المنتج وسرعة ذبوله، ويردف: "نقطف الورد ثم نأخذه إلى الأسواق المحلية، ويبلغ سعر الكيلو غرام حوالي دولار أمريكي واحد، كما أنّه يحتاج إلى اهتمام ورعاية أكثر من بقية المحاصيل، إضافة إلى الحاجة إلى أيدي عاملة لجني المحصول يدوياً، وهذا يكلف المزارع دخلاً إضافياً للإنتاج، مبيناً أن المزارع يربح حوالي 500 دولار أمريكي سنوياً من زراعة كل دونم واحد من الأرض.
عند غروب الشمس تعود جميلة وعلية وبقية العاملات إلى منازلهن يحملن عبير الورد الجوي الذي أصبح مصدر دخل جديد للأهالي والنازحين في مناطق شمال غربي سوريا، فيما يقع العبءُ الأكبر في قطافه على النساء اللواتي يقهرن الصعوبات ويكافحن لتأمين لقمة العيش.
تحرير: هشام الدريوش