آخر الأخبار

باتفاقية.. أنهت أوروبا أول حرب معاصرة حصدت 600 ألف قتيل

شارك
جانب من المعارك بحرب القرم

في منتصف القرن التاسع عشر، شهد العالم واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الأوروبي الحديث، عُرفت باسم "حرب القرم"، والتي شكّلت نقطة تحول عسكرية وتقنية اعتبرها المؤرخون أولى الحروب المعاصرة في التاريخ الحديث.

امتدت الحرب من عام 1853 حتى 1856، وأسفرت عن مقتل أكثر من 600 ألف شخص، كان معظمهم ضحايا للأمراض لا للمعارك المباشرة، لتنتهي بتوقيع اتفاقية باريس التي أعادت رسم موازين القوى في أوروبا.

وتزامن اندلاع الحرب مع تحولات كبرى في ميدان القتال، إذ شهدت استخدام البنادق ذات السبطانة المحلزنة داخلياً، ورصاصات "مينيه" التي حملت اسم مبتكرها الفرنسي إتيان كلود مينيه، ما سمح بإطلاق النار لمسافات أطول ودقة أكبر.

كما استخدمت المدفعية للمرة الأولى القذائف المتفجرة والمتشظية بدلًا من الكرات الحديدية التقليدية، فيما اعتمدت الجيوش تقنيات جديدة مثل حرب الخنادق وعمليات الحصار المعاصرة، إضافة إلى استخدام القطارات لنقل الإمدادات والسفن البخارية في العمليات القتالية، ما جعل من حرب القرم مختبرا لتقنيات الحرب الحديثة.

التدخل الروسي ضد العثمانيين

بدأت حرب القرم بخلاف ديني وسياسي بين روسيا وفرنسا حول حماية الطوائف المسيحية في فلسطين، إذ وجه الإمبراطور الروسي نيقولا الأول (Nicholas I) رسالة شديدة اللهجة للسلطان العثماني مطالباً إياه بجعل السكان الأرثوذكس بالأراضي المقدسة تحت سلطة روسيا، بينما دعمت فرنسا الكاثوليك. وعندما رفض السلطان العثماني مطالب روسيا، رد الروس خلال يوليو 1853 عن طريق التدخل عسكرياً واحتلال بعض من ولايات الدانوب العميلة للعثمانيين.

لوحة تجسد نزول الفرنسيين بالقرم

وخوفاً من تزايد نفوذ الروس بالمنطقة، أعلنت القسطنطينية الحرب على سانت بطرسبرغ بحلول أكتوبر من العام نفسه.

وبعد سلسلة من الهزائم العثمانية، تدخّلت بريطانيا وفرنسا في مارس 1854 لدعم السلطان خوفًا من توسع النفوذ الروسي. وفي سبتمبر من العام نفسه، أنزلت القوات البريطانية والفرنسية جنودها في شبه جزيرة القرم وفرضت حصارًا مطولًا على ميناء سيفاستوبول، القاعدة البحرية الأهم لروسيا على البحر الأسود.

لوحة تجسد عبور السفن البريطانية للبسفور عام 1853

وبعد حصار لأكثر من 10 أشهر، جاء سقوط سيفاستوبول، ليمهد الطريق أمام هزيمة روسيا ونهاية هذه الحرب التي قتل بها أكثر من 600 ألف عسكري مات جلهم بسبب أمراض مثل الكوليرا والإسقربوط والديفتيريا.

هزيمة روسيا ومعاهدة باريس

مع اشتداد الضغوط وخوفاً من غزو أراضيها، مالت الإمبراطورية الروسية خلال شهر مارس 1856 للسلام، وهو القرار الذي رحبت به فرنسا وبريطانيا. وفي العاصمة الفرنسية باريس يوم 30 من الشهر نفسه، وقعت كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية وبروسيا ومملكة سردينيا والنمسا على اتفاقية باريس لإعادة السلام وضمان حقوق الملاحة البحرية.

لوحة تجسد مفاوضات السلام بباريس

وبموجب هذه الاتفاقية، اعتمد البحر الأسود كمنطقة منزوعة السلاح ومفتوحة للملاحة، وبالتالي أجبر الروس والعثمانيون على عدم وضع أية أساطيل بحرية به. أيضا، اعتمد نهر الدانوب كنهر دولي مفتوح للتجارة وهو ما مثل أمرا مثمرا للاقتصادات الأوروبية.

من ناحية أخرى، تعهد الجميع بالحفاظ على سيادة الدولة العثمانية، وهو ما أجبر روسيا على التخلي عن فكرة حماية الأرثوذكس. وبالتزامن مع ذلك، وافق الروس على إعادة جميع الأراضي التي استولوا عليها من مولدوفيا مع بداية النزاع.

صورة لعدد من المشاركين بمفاوضات السلام بباريس

جاءت هذه الاتفاقية لتساهم في إضعاف روسيا عسكرياً، خاصة مع حرمان بحريتها من دخول البحر الأسود. وبالتزامن مع ذلك، كسبت فرنسا موقعاً هاماً على الساحة الدولية عقب هذا النجاح العسكري وزيادة التقارب مع البريطانيين. كما كسبت مملكة سردينيا، التي شاركت بشكل محدود بالحرب، مكانة هامة على الساحة الأوروبية وحصلت في الآن ذاته على تعاطف بريطانيا وفرنسا بمسيرتها لتحقيق الوحدة الإيطالية.

العربيّة المصدر: العربيّة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار