"ليس كل موهوب يصلح أن يكون بطلاً".. تلك الجملة دونتها السينما المصرية على مدار سنوات طويلة، ليظهر مصطلح جديد يردده كل من يعمل بالفن، هو لقب "السنيد"، الذي أطلق على عدد من الفنانين تميزوا بموهبة كبيرة وحب مطلق من الجمهور.
ورغم ذلك الحب وتلك الموهبة فإن ذلك لم يشفع لهم أن يكونوا نجوماً صف أول بالأعمال الفنية، بل ظلوا متمركزين بالصف الثاني، مع أن بعضهم كان سبباً في نجاح أفلام كثيرة.
ولعل أبرز النجوم الذين لمعوا بهذا المكان، كان الفنان محمود المليجي، الذي ارتبط اسمه لسنوات طويلة بالفنان فريد شوقي، حيث قدما معاً أكثر من 25 فيلماً، وكانت تلك الأفلام تحمل اسم فريد شوقي كبطل مطلق، ليأتي بعده المليجي "كسنيد" الذي لا غنى عنه، حتى إن الجمهور اعتاد عليهما معاً.
كما تشكلت علاقة البطل والسنيد بين فريد شوقي ومحمود المليجي بطريقة غريبة، إذ بدأت عندما اشتهر المليجي بأدوار الشر بالسينما، وعندما كثرت عليه العروض من شركات الإنتاج لم يجد وقتاً ليشارك بكل ما يعرض عليه، فكان يرشح زميله فريد شوقي لأدوار الشر ليكون بديلاً له في تلك الأفلام ويتقلد دور "السنيد"، إلا أن شوقي كان يسعى دائماً لأن يصبح بطلاً، فقرر أن ينتج لنفسه بعض الأفلام السينمائية.
واستعان شوقي في تجاربه الإنتاجية الأولى بمحمود المليجي ليقوم بشخصية الشرير "السنيد"، ليفاجأ النجمان بنجاحهما معاً، وأصبح المليجي السنيد الأول بالسينما المصرية حتى منحه المخرج يوسف شاهين فرصة البطل الأول عام 1970 من خلال فيلم الأرض.
إلا أن المليجي لم يكن السنيد الوحيد في تلك الفترة، بل التصق هذا اللقب بعدد كبير من الفنانين، من بينهم الفنان رياض القصبجي، الذي اشتهر بشخصية "الشاويش عطية" في أفلام إسماعيل ياسين، وشكل النجمان ثنائياً أحبه الجمهور.
وعندما أصبح إسماعيل ياسين من أبطال الصف الأول استعان بالقصبجي كي يسنده في بطولاته، وقدما معاً سلسلة أفلام تحمل اسم إسماعيل ياسين، من بينها "إسماعيل ياسين في البحرية"، و"إسماعيل ياسين في البوليس الحربي"، و"إسماعيل ياسين في الطيران" وغيرها، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لرياض القصبجي ليكون من بين أشهر السنيدة بالسينما.
أيضاً يأتي بالحديث عن نجوم الصفوف الثانية بالسينما، اسم الفنان عبد المنعم إبراهيم، الذي بدأ بأدوار صغيرة بالسينما عام 1951 حتى أصبح من أشهر الأسماء الذين يتقلدون دور السنيد، وقد تميزت تلك الأدوار بخفة ظل وكوميديا بارزة، فلا أحد ينسى دوره في فيلم "سكر هانم" و"إشاعة حب" و"لحن السعادة" وغيرها من الأعمال.
لكن إبراهيم لم يتمكن من أن يقدم البطولة المطلقة طوال مشواره الفني إلا مرة واحدة من خلال فيلم "سر طاقية الإخفاء"، الذي ظهر معه الفنان توفيق الدقن بدور السنيد.
وهناك أيضاً توفيق الدقن، وهو فنان له رحلة كبيرة مع أدوار السنيد بالسينما، حيث كان من بين أشهر الفنانين الذين يقدمون تلك الأدوار ومزج خلالها الكوميديا بالشر، فهو من بين النجوم القلائل الذين قدموا أدوار الشر بخفة ظل، ولم يلفظه الجمهور بل اجتمع على حبه.
ومع مرور الوقت واختلاف الأزمان، ترسخت شخصية السنيد بالأعمال الفنية، وظهر جيل جديد من أبطال الأدوار الثانية بالسينما، واصلوا رحلة من سبقوهم، ولعل أشهر هؤلاء النجوم هو الفنان حسن حسني، الذي لقبه صناع السينما بـ"عم الشباب"، وذلك لأنه ساهم في إنجاح جيل فني بأكمله، نظراً لمساندته لهم في بطولاتهم الأولى.
ومن بين أبناء هذا الجيل الذين دعمهم وساندهم الفنان الراحل حسن حسني، هم الفنان محمد هنيدي وأحمد حلمي ومحمد سعد وكريم عبد العزيز وغيرهم، حتى إن بعض هؤلاء النجوم كان يصر على وجود حسن حسني في أعمالهم لكونه السنيد الذي يضمن نجاح أفلامهم، لذلك كان حسني صاحب البصمة الأبرز في مشوار هؤلاء النجوم والشاهد الأول على نجاحاتهم المتكررة.
أما مع كثرة العروض التي كان يتلقاها الفنان حسن حسني من المخرجين للمشاركة في الأعمال السينمائية كسنيد، كان لابد من تصعيد فنان آخر حتى لا تتعطل تلك الأعمال، ليظهر الفنان لطفي لبيب في الأدوار الثانية "السنيد"، حتى كان البعض يقارن بينهما، وذهب الكثير إلى القول بأن لبيب سوف يهدد مكانة حسن حسني، إلا أن ذلك لم يحدث وظل الاثنان يقدمان شخصية السنيد في وقت واحد ولكن كل بطريقته الخاصة.
يذكر أن هذه الأيام تشهد وجود السنيد أيضاً بالسينما، لكن ملامحه قد تغيرت بعض الشيء، حيث تقلد تلك المكانة جيل من الشباب.
ولعل أبرزهم الفنان محمد ثروت وأحمد فتحي، هذا بجانب نجمين آخرين أكبر سناً وهما بيومي فؤاد وسيد رجب.