في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتتغير فيه الأذواق الموسيقية، يظل اسم هشام خرما حاضرًا كواحد من أبرز الموسيقيين الذين نجحوا في بناء هوية فنية مستقلة تتجاوز التصنيفات المعتادة، وتمزج بين الروح الشرقية والأفق العالمي.
يعود خرما، الذي اشتهر بتقديمه لموسيقى الآلات بأسلوب معاصر يمزج الإلكتروني بالكلاسيكي، هذه المرة بألبوم جديد حمل عنوان "أفق"، اسم لا يخلو من الدلالة، ويعكس رحلة فنية وشخصية ناضجة ومفتوحة على احتمالات جديدة في التعبير والتجريب.
بعد غياب 6 سنوات عن إصدار ألبومات كاملة، وخلال انشغاله بتأليف موسيقى لأعمال درامية وسينمائية ناجحة، قرر خرما أن يخوض مغامرة موسيقية أكثر جرأة وذاتية، يستعيد فيها صوته الخاص، ويمنح الجمهور تجربة سماعية تأخذهم في رحلة ما بين الثقافات، ومن مقطوعة إلى أخرى، في انتقالات تحمل مفاجآت مدروسة وصنعة موسيقية عالية.
"أفق" ليس فقط ألبومًا جديدًا، بل محطة فنية تعكس نضجًا وهدوءًا داخليًا جعله يكتب ويؤلف من أجل نفسه أولًا، قبل أن يضع اعتبارات السوق والجمهور في حسبانه.
وفي حواره مع "العربية.نت"، يتحدث خرما بصراحة عن تفاصيل الألبوم، والفوارق بينه وبين أعماله السابقة، وكيف أثّرت التكنولوجيا، والعمل في المسلسلات، وتنوع الآلات والثقافات، في تشكيل رؤيته الموسيقية ومشاريعه القادمة.
المختلف في "أفق" مقارنة بأعمالي السابقة هو أنني قررت أن أكون أكثر جرأة، وأكثر تحررًا من القيود المعتادة. في الألبومات السابقة كنت أُجرب داخل مساحة مألوفة بالنسبة لي، ولكن في هذا الألبوم قررت أن أفتح الأبواب على مصراعيها، وأدع المفاجآت تحدث داخل كل مقطوعة. قد يبدأ العمل بمزاج موسيقي معين، ثم يأخذك إلى اتجاه آخر غير متوقع، وهذا ما يجعل التجربة أكثر تشويقًا.
كنت أرغب في أن يصطحبني المستمع في هذه الرحلة الموسيقية. استخدمت أصواتًا وآلات تعبّر عن هويتي الموسيقية الخاصة، ودمجت بينها بأسلوب يشبه الرحلات عبر ثقافات متعددة. كل مقطوعة كأنها محطة من محطات السفر، تحمل معها طابعًا جديدًا، لكنها في النهاية تصب في روح واحدة تنتمي لي.
الرابط هو "روحي الموسيقية". رغم اختلاف التوزيعات وتنوع الآلات والأساليب، حافظت على تلك الروح التي يعرفها جمهوري. حاولت أن تكون كل مقطوعة قادرة على أن تعلق بذهن المستمع، وفي الوقت ذاته تدفعه للغوص في تجربة موسيقية تخرج به من مكانه وتعيده إليه محمّلاً بالإحساس.
بلا شك.. كان آخر ألبوم لي منذ حوالي 6 سنوات، وخلال هذه الفترة عملت على موسيقى لمسلسلات وأفلام، وهي تجارب تصقل الذائقة وتفتح أمامك آفاقًا جديدة. تعلّمت كيف أُوظّف الموسيقى في خدمة القصة والدراما، وهذا الانضباط أثر كثيرًا على رؤيتي في بناء الألبوم.
أنا بطبعي أحب الآلات الشرقية، ولدي شغف خاص بالآلات الآسيوية، خاصة القادمة من الهند واليابان. استخدمت مثلًا آلة "مقسوم" في مقطوعة ذات طابع صوفي ولكن بشكل معاصر. لم أكن أبدأ من الآلة، بل من "روح المقطوعة"، ثم أبحث عما يخدمها موسيقيًا.
"موف أون" كانت تجربة مميزة، قدمتها أولًا في افتتاح مهرجان القاهرة للدراما، وحظيت بردود فعل رائعة. شعرت حينها أن الناس ارتبطوا بها، لذا قررت أن أُعيد توزيعها بشكل أضخم، وأكثر تعبيرًا، وأضفتها للألبوم كأحد أركانه الأساسية.
أحببت كثيرًا المزج بين الأوركسترا التقليدية والإلكترونية. هذا التداخل يمنحك صوتًا جديدًا بالكامل، فيه قوة الأوركسترا وحيوية الصوت الرقمي، ما يخلق طابعًا موسيقيًا يتحرك بحرية، ويمنحني القدرة على التحكم في التفاصيل الدقيقة.
التكنولوجيا كانت عنصرًا حاسمًا. لم تكن مجرد وسيلة تسجيل أومزج بل أداة إبداع. فتحت لي مجالًا لاختراع أصوات جديدة والتحكم الكامل في المزاج الصوتي لكل مقطوعة. هذا ما منحني القدرة على تحويل ما أراه في ذهني إلى واقع مسموع.
الصعوبة تكمن في الدقة، أن تُمسك كل جملة موسيقية وتمنحها حقها. أحيانًا قد تبدو بعض التركيبات غير منسجمة في النظرية، لكن حين تسمعها تجد أنها خلقت حالة جديدة، وهذا هو التحدي الجميل في الموسيقى العالمية.
كنت أرغب منذ فترة في تقديم شيء متنوع لغويًا. تعاونت مع عدد من الفنانات المميزات، وسعدت كثيرًا بنتائج التعاون. بالنسبة للأغنية الإنجليزية، أخذت وقتًا طويلًا حتى وجدت الصوت الذي كنت أبحث عنه، والذي يناسب روح الألبوم.
أعلم أن الأغاني تصل أسرع، لأنها مرتبطة بالكلمة. لكني أحب التعبير عن أفكاري من خلال المقطوعات. في الحفلات، أُفضّل دومًا أن تتفوّق المقطوعات على الأغاني، لأنها تعطي مساحة أكبر للخيال والتأمل.
ردود الأفعال أسعدتني كثيرًا، ولكن في هذا الألبوم تحديدًا، كنت أعمل من أجل نفسي أولًا. أشعر أن الفنان إذا أحبّ ما يقدمه ستصل تلك المحبة للجمهور بشكل تلقائي، وهذا ما حدث فعلًا.
في الحقيقة، لم يكن مخططًا له أن يصدر في الصيف، بل في الشتاء. لكن تأخّرت بعض الإجراءات، وقررنا في النهاية أن نغامر ونراه كيف سيستقبل في موسم مختلف.
هي منافسة صحية، ولا تقلقني. الجمهور يحب التنوّع، ونحن نحاول أن نُطوّر أنفسنا ونقدّم الجديد. في النهاية، التحدي الحقيقي هو تقديم ما يشبهك أنت لا ما يُشبه غيرك.
بالتأكيد. أثناء تأليفه، كنت حريصًا على أن يكون قابلاً للتقديم على المسرح، من خلال توزيع مؤثرات صوتية تُشعر الجمهور بأنه داخل المقطوعة نفسها. أتحمس بشدة لتقديمه في الحفلات، خصوصًا مع اقتراب الشتاء.
بالفعل صوّرنا مقطوعتين حتى الآن، وهناك نية لتصوير المزيد. أحب التصوير جدًا، لكن لا أضع خطة زمنية صارمة، أحب أن تتم الأمور بتلقائية.
بالتأكيد هناك مشاريع جديدة وتعاونات مستقبلية. كما أن العودة للعمل في السينما تظل قائمة إذا ما وُجد المشروع الذي يثير حماسي.