آخر الأخبار

تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام

شارك
مصدر الصورة

على الرغم من أن أرض الحجاز بصفة عامة تخلو اليوم من وجود اليهودية والمسيحية، وأي دين آخر غير الإسلام، باستثناء بعض الزوار والعاملين الأجانب، فإن تاريخ هاتين الديانتين في أقدس مدينتين إسلاميتين، مكة والمدينة، قديم جدا، بحسب كثير من المؤرخين.

فقبل ميلاد السيد المسيح في بيت لحم بأكثر من خمسة قرون على الأقل، عَرف العرب اليهودية، على الرغم من التضارب في تأريخ زمن دخول هذه الديانة أرض العرب على وجه التحديد.

فقد جاء في سِفر "أخبار الأيام" بالعهد القديم من الكتاب المقدس أن بطون بني شمعون سارت إلى أرض طور سيناء مع ماشيتها لتبحث لها عن مرعى، إلى أن وصلت أرض قبائل معان [جنوب الأردن حالياً]، فاشتبكت معها في قتال عنيف انتهى بفوز بطون شمعون.

وشمعون بالعبرية أو سمعان بالعربية هو أحد أبناء يعقوب، وأطلق على نسله "بنو شمعون". ويقول الدكتور إسرائيل وُلفنسون، أستاذ اللغات السامية بدار العلوم بمصر في عشرينيات القرن الماضي، إن هجرتهم المذكورة في العهد القديم هي "أول هجرة مشهورة في تاريخ بني إسرائيل إلى بلاد العرب".

وذكر المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، أن بعض أهل الأخبار ذكروا أن أقدم من سكن "يثرب" وهو الاسم القديم للمدينة المنورة، قوم يقال لهم "صُعل" و"فالج"، وأن الملك أو النبي "داوود" غزاهم وأخذ منهم أسرى، ثم سكنها "العماليق"، فأرسل عليهم النبي "موسى" جيشاً انتصر عليهم ولم يترك منهم أحداً، وسكن اليهود في مواضعهم.

وبحسب أبي فرج الأصفهاني، المؤرخ وعالم الأنساب في العصر العباسي، "كان ذلك الجيش [جيش موسى] أول سُكنى اليهود المدينة، فانتشروا في نواحي المدينة كلها إلى العالية، فاتّخذوا بها الآطام [الحصون] والأموال والمزارع، ولبثوا بالمدينة زمانا طويلاً".

أما علي السمهودي، مؤرخ المدينة المنورة ومفتيها الذي توفي في أوائل القرن العاشر الهجري، فحكى أن النبي موسى مر على المدينة ومعه بعض بني إسرائيل، خلال حجهم إلى البيت العتيق في مكة، فوجدوا يثرب مطابقة لوصف "بلد نبيّ يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيين".

وأضاف السمهودي في كتابه "خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى" أن طائفة ممن صحبوا النبي موسى قرروا أن يتخلفوا عنه ويبقوا في هذا المكان، "فنزلوا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تألف إليهم أناس من العرب ورجعوا على دينهم [اعتنقوا اليهودية] فكانوا أول من سكن موضع المدينة".

وربما يؤيد هذه الرواية حديث نبوي ضعيف السند، يقول إن الأنبياء جميعاً حجوا إلى البيت العتيق [الكعبة] في مكة، ومن بينهم النبي موسى، ما يشير إلى احتمال وجود يهود في زمانه.

ويرى الدكتور وُلفنسون في رسالته (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) المطبوعة عام 1927م، التي كتب مقدمتها الأديب المصري الدكتور طه حسين، أنه يمكن الاستنباط مما ذُكر في العهد القديم وفي أخبار المؤرخين العرب، أن "بطوناً إسرائيلية وُجدت في يثرب وخيبر قبل وصول جموع اليهود إلى الأصقاع العربية" في زمن لاحق.

الملاذ الآمن بعد الميلاد

مصدر الصورة

بعد ميلاد السيد المسيح، ازدادت هجرة اليهود إلى الجزيرة العربية بشكل عام، وإلى أرض الحجاز بشكل خاص، بحسب وُلفنسون، الذي علل تلك الهجرة بالزيادة السكانية في أرض فلسطين آنذاك، وبحرب الرومان واليهود.

وقد جاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني أن الروم لما انتصروا على بني إسرائيل بالشام "فوطئوهم، وقتلوهم، ونكحوا نساءهم"، هرب بنو النضير وبنو قُرَيْظة وبنو بهدل، والتحقوا باليهود الموجودين في الحجاز.

وأضاف الأصفهاني أن الحجاز كانت ملاذاً آمناً لبني إسرائيل من الرومان، نظراً للطبيعة الصحراوية التي تفصل الشام حيث الروم، عن الحجاز؛ حتى أن ملك الروم حين أرسل جنوده لإعادة اللاجئين من اليهود "انقطعت أعناقهم [الرومان] عطشاً فماتوا".

وبحسب الأصفهاني، نزل بنو النضير ومن معهم بوادي بطحان، أحد أبرز أودية يثرب، ونزلت بنو قريظة وبهدل ومن معهم بوادي مهزور.

وكان ممن يسكن المدينة من اليهود، قبل هجرة قبيلتي الأوس والخزرج من اليمن، بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا [أو زعوراء بحسب بعض الروايات]، وبنو قَينُقاع، وبنو زيد، وبنو النَّضِير، وبنو قُريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، كما كتب الأصفهاني.

وأشار الأصفهاني إلى وجود عرب إلى جانب يهود بني إسرائيل، أي أن بعض عرب يثرب اعتنقوا اليهودية، وذكر من بينهم "بني الحرمان وبني مرثد وبني نيف وبني معاوية وبني الحارثة بن بهثة وبني الشظية".

وتؤكد روايات المؤرخين العرب أن يهود يثرب كانت لهم مكانة كبيرة وثروة هائلة وخبرة بالزراعة؛ حيث قال السمهودي "ولم تزل اليهود ظاهرة على المدينة" حتى هجرة الأوس والخزرج من اليمن مع انهيار سد مأرب.

وجاء في كتابه أنه "كان ممن بقى من اليهود، حين نزل الأوس والخزرج عليهم، بنو القصيص وبنو ناغصة مع بني أنيف، وبنو قريظة ومعهم إخوتهم بنو هدل [بهدل] وبنو النضير وبنو قينقاع" وغيرهم مع ذِكر مواضع إقامتهم.

وأضاف السمهودي أن قبائل يهود يثرب كانت تزيد على العشرين، وكانت لهم "آطام" أو حصون تزيد على السبعين، "وقد بادوا" أي انتهى وجودهم، دون ذكر أسباب.

أما في مكة، فلم تتحدث كتب التاريخ عن وجود بارز لليهودية فيها عبر تاريخها، بالمقارنة بيثرب؛ حيث لم تذكر المصادر التاريخية القديمة وجود حي خاص باليهود في مكة أو معبد خاص، إلا أن اليهود كانوا يترددون عليها بغرض التجارة، كما يتردد أهل مكة على يثرب للسبب ذاته.

مصدر الصورة

وحكى السمهودي، مؤرخ المدينة المنورة في كتابه، عن تحالف الأوس والخزرج مع القبائل اليهودية في يثرب، إلى أن صار للقبيلتين اليمنيتين شأن كبير ومال وفير، فخاف بنو قريظة وبنو النضير من أن يعلو شأن الأوس والخزرج، فسعوا إلى نقض الحلف.

وكشف المؤرخون عن فتن وعداوات حدثت بين الأوس والخزرج وبين اليهود، كان أبرزها ما روي عن أن مالك بن عجلان سيد الأوس والخزرج قبل الإسلام، استغاث بأبناء عمومته في الشام.

وذكر الأصفهاني وابن الأثير الجزري، أن أبا جبيلة الغساني الذي كان على الشام، أراد أن يكسر شوكة يهود يثرب، فبعث في طلب أشرافهم ثم قتلهم، وفعل ابن عجلان بهم المثل حتى قتل منهم أكثر من 80 رجلاً.

وأضاف الأصفهاني أن اليهود بعد ذلك تخلوا عن نصرة بعضهم البعض، فكان إذا أصابهم أذى من أحد من الأوس أو الخزرج، استغاثوا بآخرين من القبيلتين يطلبون حمايتهم، "فكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يتعززون بهم".

ويشكك الباحث اليهودي وُلفنسون في هذه القصة، مشيراً إلى "يوم بُعاث" الذي شهد حرباً ضروساً طويلة الأمد بين الأوس والخزرج، استعان فيها بعضهم ببني قريظة والنضير، "حتى أن بني النضير وقريظة أثخنوا في [بالغوا في قتل] بني قينقاع ومزقوا شملهم بسبب انضمامهم إلى بني الخزرج ليكونوا عوناً لهم على أبناء جلدتهم".

وأضاف وُلفنسون: "وقد ظل اليهود بعد هذا اليوم محتفظين بمكانتهم بين القبائل العربية حتى أن الأوس والخزرج كانتا تحسبان لقوتهما حساباً كبيراً، وكانت كل منهما تجتهد في أن تميلهم إليها ليساعدوها في كفاحها ضد الأخرى".

المسيحية و"مجوس" العرب

مصدر الصورة

لا شك في أن دخول المسيحية إلى جزيرة العرب كان أقرب زمناً، بالنظر إلى أنها ديانة أحدث عهداً من اليهودية. ومع ذلك، فإن الأخبار عن المسيحيين في أرض الحجاز تكاد لا تُقارن بأخبار اليهود.

ويقول الأديب والمؤرخ اللاهوتي الأب لويس شيخو، إن العرب "نالوا شيئاً من أنوار النصرانية منذ بزوغ شمسها"، موضحاً أن أول من تبع السيد المسيح منهم، هم شيوخ عُرِفوا بالمجوس "فأتوا إلى بيت لحم وأَهْدَوا الرب ألطافهم وسَجَدوا له في مَهْده"، كما أخبر متّى في إنجيله.

ورغم أن الكتاب المقدس لم يذكر أن هؤلاء المجوس من العرب، إلا أن شيخو رجح كونهم عرباً؛ لِما ذُكر عن أنهم أهدوا السيد المسيح الذهب واللبان والمر، "وكلها من مرافق بلاد العرب"، بحسبه.

كما يؤكد الأب شيخو الذي توفي في عشرينيات القرن الماضي، أنّ أول مَن يُذْكَر من الرُّسل أنه دخل بلاد العرب هو القديس بولس الرسول، حين "هرب من دسائس اليهود إلى جزيرة العرب، حيث أقام مدة".

ومع ذلك، يرى الدكتور محمد إبراهيم الفيومي، أستاذ الفلسفة الإسلامية، أن المسيحية بقيت رهينة لغتها السريانية أو الرومانية، فلم تنتشر انتشارا ملحوظاً، ولم ينتشر كتابها المقدس بين العرب؛ لأنه لم يترجم إلى اللغة العربية، وكل من اعتنقوها من العرب كانوا على صلة باللسان الأعجمي.

وينقل شيخو في كتابه "تاريخ النصرانية في جزيرة العرب" عن تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام أنهما قالا إن ابن تلما المعروف باسم "برتلماوس" أحد الحواريّين الذين اختارهم السيد المسيح ليكونوا تلاميذاً له، كان ممن توجه إلى الحجاز.

وجاء في ترجمة القديس يعقوب أسقف أورشليم، أن برتلماوس "نَصَّر أرض فلسطين وما يليها من ناحية حِمْص وقَيْسارِيَّة والسامرة وبادية الحجاز".

ومع ذلك، يرى جواد علي صعوبة تحديد زمن دخول النصرانية إلى جزيرة العرب، موضحاً أن البحث عن وثائق مكتوبة هو السبيل الوحيد للتيقن من حقيقة الأمر "بوجه لا يقبل الشك ولا التأويل".

ويرجح المؤرخ العراقي أن دخول المسيحية بلاد العرب كان بالتبشير وبدخول بعض النُسّاك والرهبان إليها للعيش فيها "بعيدين عن ملذات الدنيا"، وكذلك "بالتجارة وبالرقيق ولاسيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة".

وينفي أن تكون المسيحية قد دخلت الجزيرة العربية عن طريق هجرة نصرانية كهجرة بعض اليهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين؛ معللاً ذلك بأن المسيحية انتشرت في إمبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج، ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، وبالتالي لم يضطر المسيحيون إلى الهجرة الجماعية إلى بلد غريب.

"نصرانية شرقية"

مصدر الصورة

وقد تمتع كثير من المبشرين المسيحيين بالعلم والمنطق ووسائل إقناع تؤثر في النفوس، بحسب جواد علي، الذي أضاف أنهم تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم.

ويرى علي أن سادات القبائل والحكام العرب التابعون لهم صاروا نصارى، "لكنهم لم يأخذوا نصرانية الروم، بل أخذوا نصرانية شرقية مخالفة لكنيسة القسطنطينية، فاعتنقوها مذهبا لهم. وهي نصرانية عُدَّت هرطقة وخروجاً على النصرانية الصحيحة الأرثوذكسية في نظر الروم".

وأضاف أن منهم من تمكن من إقناع بعض العرب في الدخول في النصرانية، ومنهم من أثر على بعضهم فأبعده عن الوثنية، "لكنهم لم يفلحوا في إدخالهم في دينهم، فبقوا في شك من أمر الديانتين، يرون أن الحق في توحيد الله وفي اجتناب الأوثان، لكنهم لم يدخلوا في نصرانية، لأنها لم تكن على نحو ما كانوا يريدون من التوحيد وتحريم الخمر وغير ذلك مما كانوا يبتغون ويشترطون".

وربما يشير المؤرخ العراقي هنا إلى فئة قبل الإسلام، عُرفوا بالحنفاء الذين رفضوا عبادة الأوثان، وكانوا يؤمنون بوحدانية الإله من دون الانتماء إلى عقيدة بعينها.

ويقول جواد علي إنه كان في مكة والطائف ويثرب وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب رقيق [عبيد] من النصارى، كانوا يقرأون ويكتبون للناس ويفسرون لهم ما جاء في التوراة والأناجيل، ويقصون عليهم قصصاً ويتحدثون إليهم عن النصرانية.

ويرجح شيخو أن أهل يثرب قبل الإسلام من غير اليهود، قد اعتنقوا النصرانية بعد أن كانوا يعبدون (مَناة) التي كانت من أشهر أوثان الجاهلية، مستدلاً في إثبات ذلك على صلة الأوس والخزرج بالغساسنة، القبيلة العربية جنوب بلاد الشام والتي كانت نصرانية الديانة.

ويؤيد رأي شيخو ما قاله الشهرستاني، أحد فلاسفة المسلمين في القرن الخامس الهجري، في كتابه "المِلَل والنِّحَل" عن أن "الفرقتين المتقابلتين قبل المبعث هم أهل الكتاب والأميون. والأمي من لا يعرف الكتابة، فكانت اليهود والنصارى بالمدينة والأميون بمكة".

وجاء في التقويم القديم للكنيسة الكلدانية الذي نشره الخوري بطرس عزيز سنة 1909 أن النساطرة الذين لا يؤمنون باتحاد الطبيعة البشرية والإلهية في شخص المسيح، "أقاموا مطروبوليطًا [مجتمعاً كبيراً] في يثرب، وكان فيها ثلاث كنائس على اسم إبراهيم الخليل، وأيوب الصِّدِّيق، وموسى الكليم". ويعلق شيخو بأنه وجد رواية مطابقة في تقويم آخر مخطوط لأحد أهل الموصل.

وقال المؤرخ العباسي، اليعقوبي: "وأما من تنصّر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد. ومن بني تميم: بنو امرئ القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة: بنو تغلب، ومن اليمن: طئ ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم".

المسيح وأمه في جوف الكعبة

يقول شيخو إن أقدم ما رواه كتبة العرب صريحاً عن النصرانية في مكة، ما ورد في أثناء تاريخ قبيلة "جُرْهم الثانية" حين قالوا إن جُرْهم استولوا بعد بني إسماعيل على الحجاز، وصارت إليهم سدانة [رعاية] بيت الحرم في مكة ومفاتيح الكعبة.

وعلى الرغم من عدم المعرفة الدقيقة لعهد دولة بني جُرْهم، إلا أن شيخو ينقل عن مُؤرِّخي العرب كابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء وغيرهم، أن سادس ملوك جُرْهُم كان يُسمى عبد المسيح بن باقية بن جُرْهُم.

كما ورد في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أن الحرم المكي كان له خزانة في عهدة بني جُرهم، تشمل الحلي والهدايا التي تُقدم للكعبة، تحت إشراف أحد الأساقفة.

وجاء في كتاب "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" للإمام الأزرَقي الذي عاش بين القرنين الثاني والثالث الهجري، أن النبي محمد في يوم فتح مكة، أمر بطمس الصور المعلقة داخل الكعبة، باستثناء صورة للسيد المسيح وأمه، وضع النبي محمد كفيه عليها قائلاً "إلا ما تحت يديّ".

وجاء في "سير أعلام النبلاء" للإمام شمس الدين الذهبي، كما نقل الأزرقي أن صورة السيد المسيح وأمه كانت في العمود الذي يلي باب الكعبة، وأضاف الأزرقي أن الفقيه عطاء بن رباح قال إن هذا التصوير دُمّر مع حريق الكعبة أيام عبد الله بن الزبير.

كما ذكر الأزرَقي وجود مقبرة للنصارى على يمين الخارج من مكة إلى المدينة. ويرجح شيخو أن "مسجد مريم" الذي ذكره المقدسي في جغرافيته بجوار مكة، يعود لكنيسة أو أثر ديني باسم مريم العذراء في عهد الجاهلية قبل الإسلام.

ويؤيد الأب لويس شيخو ما ذهب إليه بعض المستشرقين كسبرنغر ووِلهوْزن وكوسان دي برسفال، بأن الحنيفية في الجاهلية هي الديانة النصرانية بعد أن خالطتها بعض تعاليم أخرى.

بل ويرى شيخو أن السَّمَوْأل، الشاعر الجاهلي الشهير، قد تنصّر بعد أن كان يهودياً، كما عُرف عنه، مستدلاً على ذلك بأصل قبيلته وببعض ما ورد في أشعاره.

في فجر الإسلام

بعد هجرة النبي محمد إلى يثرب، التي سماها لاحقاً المدينة المنورة، عقد النبي معاهدة ودية مع أهلها فيما عُرف بـ"صحيفة المدينة"، لتنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار، ويهود يثرب.

ومع ذلك، كان هناك جدل عقائدي مستمر بين أحبار اليهود والنبي، واشتد النزاع بين اليهود والأنصار بحسب ما وثق الرواة ومن بينهم البخاري، ما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث أزمة سياسية.

فلم يمض 18 شهراً من قدوم النبي إلى يثرب حتى توترت الأجواء فيها، "وجعل كل فريق يتواصى بالحذر والنفور من الفريق الآخر" بحسب وُلفنسون في دراسته، مضيفاً أن تغييرات دينية كتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة زادت من احتدام الأزمة.

وقد تجلت الأزمة السياسية في المدينة بدءاً من العام الثاني من الهجرة، مع إجلاء بني قينقاع، ثم بني النضير وأخيراً قُريظة، بعد ما رُوي عن نقضهم المعاهدات وتحالفهم ضد المسلمين في غزوة الخندق أو الأحزاب، فقُتل بعضهم في حين نزح أشرافهم إلى خيبر شمالي المدينة.

وفي السنة السابعة من الهجرة، وقعت غزوة خيبر التي خاضها المسلمون ضد اليهود بعد ما أورده المؤرخون عن مشاركتهم في تحريض قريش وغطفان على المسلمين.

وقد طلب اليهود الصلح بعد حصار المسلمين لهم وقتالهم، فاستجاب لهم النبي محمد، وبقي اليهود على أراضيهم على أن يعطوا نصف ثمارها للمسلمين. كما تصالح يهود فَدَك - وهي أرض زراعية شمال خيبر ضمن منطقة حائل اليوم - ويهود تيماء - في منطقة تبوك اليوم - من دون قتال.

وقد وردت أدلة على ألسنة المؤرخين تشير إلى عودة بعض يهود بني قُريظة إلى المدينة في وقت لاحق، وإلى وجود يهود آخرين من قبائل أخرى كانت لهم معاملات مع المسلمين.

بل وذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي محمد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي.

أما المسيحية، فقد جاء في سيرة ابن هشام أنه لما وصل النبي محمد إلى تبوك بأطراف الحجاز، "أتاه يُحنة [يوحنا] بن رؤبة، صاحب أيلة [حاكم العقبة]، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه الجزية".

ونقل شيخو عن المؤرخ في العصر العباسي أبو الحسن المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" قوله إن "يُحنَّة بن رؤبة كان أسقف أَيْلة، وأنه قدم على محمد سنة تسعة للهجرة وهو في تَبوكَ، فصالَحه على أن لكل حالمٍ [إنسان بالغ] بها ديناراً في السنة".

ومما ورد عن الوجود المسيحي في صدر الإسلام ما نقله جواد علي عن لسان العرب للأديب المؤرخ ابن منظور، وعن جلال الدين السيوطي في كتابه "الدر المنثور"، أن النبي محمد "رأى عدي بن حاتم الطائي وفي عنقه صليب من ذهب، لأنه كان على النصرانية".

وقد استدل لويس شيخو على وجود اليهود والمسيحيين في المدينة بعد وفاة النبي محمد بما نُسب إلى الصحابي الشاعر حسان بن ثابت في رثاء النبي محمد:

فَرِحتْ نصارى يثربٍ ويهودُها لمَّا توارى في الضريح المُلْحَدِ

كما عاش المسيحيون في دومة الجندل ووادي القرى، التي كانت على طريق التجارة الرئيسي مع الشام، وفي تيماء وتبوك.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار