في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في عالم تتضخم فيه فاتورة الذكاء الاصطناعي من كهرباء ومياه وتبريد، تبدو فكرة مغرية لرواد الأعمال الكبار في هذا النطاق: لماذا لا ننقل جزءا من مراكز البيانات إلى المدار؟ حيث الشمس شبه دائمة والهواء غير موجود، ولا حاجة لشراء أراض أو مدّ شبكات كهرباء.
عاد هذا الحلم من جديد إلى طاولة النقاش بعد أن أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك عن نيته طرح أسهم شركته "سبيس إكس" للاكتتاب العام، ونقلت " ساينتفك أميركان" عن باحثين أن الاكتتاب قد يجلب تدفقا من رأس المال يموّل مشاريع جديدة مثل "مراكز بيانات مدارية" شمسية بدعم الذكاء الاصطناعي، وهو المشروع الذي طالما تحدث عنه ماسك.
كما تحدثت رويترز عن اعتقاد بعض الخبراء أن مشروعات مثل مراكز البيانات المدارية تحتاج إنفاقا رأسماليا كبيرا، ومن ثم فهذا الاكتتاب قد يجمع ما يكفي لتمويلها.
إلى جانب ذلك، فإن هذه التقنية الفضائية الجديدة قد تدفع الشركات المهتمة بالتقنية نفسها إلى التفكير في الطرح للاكتتاب العام بسبب التمويل من جانب، والقصة نفسها من جانب آخر والتي يمكن أن تكون جذابة للمستثمرين.
الفكرة التقنية لا تقوم على "خوادم تطفو في الفراغ" كما تصوّرها أفلام الخيال العلمي، بل على عُقد حوسبة وتخزين تُحمَل داخل أقمار صناعية أو منصات مدارية، يمكن تخيّلها على أنها "جزء من السحابة الرقمية" لكن مكانه في المدار، يؤدي وظائف محددة من التخزين والمعالجة وإرسال النتائج إلى الأرض.
تتكوّن هذه العقد عادةً من وحدات تخزين لكنها تكون معدة لتحمّل بيئة الفضاء القاسية من إشعاع أعلى، وتقلّبات حرارية كبيرة، وصعوبة الصيانة.
وإلى جانب التخزين، يوجد "العقل" وهو معالجات أو مسرّعات ذكاء اصطناعي، وظيفتها تحليل البيانات وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي في المدار بدلًا من تنزيل كل البيانات الخام إلى الأرض أولا.
ولكي تعمل هذه العقد تحتاج إلى مصدر طاقة، وغالبا ما يكون عبر ألواح شمسية، لأن الطاقة الشمسية في الفضاء متاحة على نطاق واسع. كما تحتاج كذلك إلى اتصالات عالية السعة لنقل البيانات بسرعة، وأحيانا تستخدم روابط ليزر بين الأقمار لتبادل البيانات مباشرة من قمر إلى آخر دون المرور بالأرض.
أما العنصر الأكثر حساسية فهو إدارة الحرارة، فالحوسبة تنتج حرارة كبيرة، وعلى الأرض يمكن تبريد الخوادم بالهواء أو الماء، لكن في الفضاء لا يوجد هواء.
لذلك تعتمد هذه الأنظمة على مشعّات حرارية تبدد الحرارة عبر الإشعاع إلى الفضاء، مما يجعل "التبريد" تحديا مركزيا في أي مشروع لمراكز بيانات مدارية.
أقمار تصوير الأرض والاستشعار الصناعية تنتج سيولا من البيانات، لكن تنزيل كل شيء خاما إلى الأرض مكلف وبطيء ومحدود بسعة الاتصال.
هنا تظهر فكرة الحوسبة الطرفية في الفضاء، حيث تشغيل نماذج ذكاء اصطناعي على متن القمر الصناعي لتقوم بفرز الصور واكتشاف الأنماط المهمة، ثم إرسال النتائج المختصرة بدل إرسال كل البيانات.
هذا النهج مهم خصوصا في سيناريوهات الكوارث مثل حرائق الغابات والفيضانات والانهيارات الأرضية، حيث تحتاج الجهات المعنية إنذارات قابلة للتصرف خلال دقائق، وبالطبع تظهر تطبيقات عسكرية لتلك التقنيات.
هناك تجارب سابقة في هذا الأمر، فمثلا صُممت مهمة وكالة الفضاء الأوروبية "فاي سات1" لتجربة ذكاء اصطناعي على متن قمر صناعي صغير لاكتشاف السحب ورفض الصور غير المفيدة قبل تنزيلها، أي تقليل "البيانات الضائعة" وزيادة كفاءة الإرسال.
من جانب آخر، المحطات الأرضية ليست في كل مكان، والنوافذ الزمنية للاتصال قد تكون قصيرة، كما أن الطلب على الترددات يزداد مع تضخم كوكبات الأقمار الصناعية. لهذا، يمكن لعقد تخزين وحوسبة مدارية أن تقوم بدور الوسيط الذكي، الذي يخزّن البيانات مؤقتا حتى تتوفر نافذة اتصال أفضل، أو يُجري ضغطا ذكيا وفرزا للبيانات.
أضف لذلك أنه في بيئات مثل محطة الفضاء الدولية أو بعثات الفضاء، تكون كثير من التجارب العلمية حساسة للزمن وللظروف التشغيلية، ومن ثم فوجود حوسبة وتخزين "قريبين من التجربة" يفتح بابا لتحليل أولي للنتائج أثناء تنفيذ التجربة، وتعديل إعدادات القياس أو بروتوكول التشغيل بناء على ما يظهر من نتائج.
هذا ليس تنظيرا صرفا، ففي 19 أغسطس/آب 2025 أعلنت "مختبرات المحطة الفضائية الدولية الوطنية" عن تجربة لإطلاق نموذج أولي لما يشبه مركز بيانات مداري إلى محطة الفضاء الدولية بهدف تشغيل معالجة قريبة من مصدر البيانات.
لكن الفكرة، رغم وجاهتها لا تسلم من النقد، ففي الفضاء لا يوجد هواء يلتقط حرارة الخوادم، ومن ثم فإن التخلص من الحرارة يتم غالبا بالإشعاع عبر ألواح كبيرة.
لكن كلما زادت الحوسبة، احتجت إلى مشعات أكبر وكتلة كبرى، أي تكلفة إطلاق أعلى وتعقيد أعلى، مما يعني أن ما تحققه هذه الأقمار الصناعية ذات الطبيعة الخاصة من توفير للتكلفه، قد تعيد إضافته في نطاق التبريد.
من جانب آخر، أصبح مدار الأرض المنخفض مزدحما، ومن ثم فإطلاق المزيد من الأقمار الصناعية يصطدم بتحذيرات علماء من بيئة أشبه بحقل ألغام من الأجسام السريعة (الأقمار الصناعية الأخرى).
أضف إلى ذلك أن مراكز بيانات الأرض تُدار بصيانة يومية، أما الأقمار الصناعية فإصلاحها نادر ومكلف للغاية، مما قد يدفع مطوري هذه التقنية للتراجع، أو على الأقل تضييق نطاقها.
وأخيرا فإن القلق العلمي ليس تقنيا فقط، بل تنظيميا أيضا، حيث تطرح أسئلة من مثل: ما تفاصيل الانبعاثات الحرارية والانعكاسات الضوئية والترددات؟ فهذه الأنشطة تؤثر بقوة على علم الفلك واستدامة المدار.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة