في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في رحلة أشبه بقطار يمر بمحطات متعددة، انطلق قطار عام 2025 حاملا معه سلسلة متصلة من الإنجازات العلمية التي لم تكن مجرد اكتشافات متفرقة، بل محطات مترابطة.
تبدأ هذه المحطات من جزيئات الدم الدقيقة، مرورا بأنسجة النباتات، والمغناطيسيات الغامضة، وحركات القشرة الأرضية العميقة وعلوم الطاقة والآثار، وصولا إلى أسرار الكون، لتعيد تعريف علاقة الإنسان بصحته، وبيئته، وكوكبه، وحتى قوانين الطبيعة التي تحكم الوجود.
توقف القطار أولا عند محطة الطب المتقدم، وتحديدا في مجال الشيخوخة والأورام، حيث شهد العالم تحولا غير مسبوق بفضل تقنيات اختبارات الدم متعددة السرطانات.
ويقول الدكتور هيثم شعبان، قائد إحدى المجموعات البحثية بكلية الطب بجامعة جنيف ورئيس مشروع بحثي بمعهد أجورا لأبحاث السرطان بسويسرا، إن العلماء حققوا تحولا نوعيا في تشخيص السرطان لدى كبار السن تلك التقنيات، التي تمثل الإنجاز الأبرز عالميا في مجال الشيخوخة والأورام، حيث تتيح الكشف المبكر عن أكثر من 50 نوعا من السرطانات عبر فحص دم واحد فقط، مع إمكانية تحديد مكان الورم المحتمل بدقة عالية.
ويضيف في تصريحات للجزيرة نت " تكمن أهمية هذا التطور في أنه يعالج أضعف نقطة في منظومة الرعاية الصحية لكبار السن، وهي التشخيص المتأخر، فالكثير من الأورام، خصوصا لدى المسنين، لا تكتشف إلا في مراحل متقدمة بسبب غياب الأعراض أو صعوبة إجراء الفحوص التقليدية، ومع ظهور اختبارات الدم متعددة السرطانات، أصبح بالإمكان الانتقال من نموذج " التشخيص المتأخر" إلى "الرصد المبكر السهل والفعال"، مما يرفع فرص الشفاء ويقلل الحاجة للعلاجات القاسية التي قد لا يتحملها كبار السن.
وتابع "تأثير هذا التقدم لا يقتصر على المرضى فحسب، بل سيمتد ليغير منظومة الطب بأكملها، إذ ستتيح هذه التقنية للأطباء تصميم برامج متابعة شخصية تعتمد على مزيج من اختبارات الدم والذكاء الاصطناعي لتحديد مستوى الخطر الفردي لكل مريض مسن، ووضع خطط مسح وعلاج تراعي العمر البيولوجي وحالة الجسم".
وعن المستقبل القريب، أوضح شعبان "نتوقع مع حلول عام 2026 أن تتحول هذه التكنولوجيا من الاستخدام المحدود إلى جزء أساسي من الممارسة السريرية، خاصة للأشخاص فوق سن الـ50 أو من لديهم عوامل خطورة. كما ستتزامن هذه التطورات مع بروز علاجات تستهدف الشيخوخة الخلوية، مما يعزز قدرة الجسم على مقاومة السرطان والتعافي من العلاجات".
واختتم قائلا "ما نشهده اليوم ليس مجرد تقنية جديدة، بل نقطة تحول حقيقية تقربنا من مستقبل يصبح فيه تشخيص السرطان المبكر لدى كبار السن أمرا روتينيا وبسيطا وفعالا، يطيل العمر ويحسن نوعية الحياة".
ويشرح القاضي للجزيرة نت، أن العلم نادرا ما يتقدم عبر لحظة "يوريكا" واحدة، فالاكتشاف الحقيقي، كما يؤكد، يشبه قضبان السكك الحديدية الممتدة، فقد نرى القطار يمر اليوم، لكن آلاف المهندسين وضعوا مساره قبل عقود.
ويتابع القاضي قائلا إن "هذه النجاحات ليست سوى وجه واحد من ثورة أوسع تضرب مجال الطاقة المتجددة، ففي 2025، تقدمت الخلايا الشمسية الهجينة خطوة حاسمة نحو تغيير قواعد اللعبة، بعد أن نجحت في تجاوز حاجز الـ33.9% في كفاءة تحويل الضوء، وهو رقم يخرق الحدود النظرية للخلايا التقليدية، وهي المحطة التي قد تغير تكلفة الكهرباء للعالم بأكمله".
لكن طريق الطاقة المتجددة لن يكتمل دون "عربة التخزين"، كما يصفها القاضي. هنا ظهر تقدم كبير في بطاريات الليثيوم-أيون، حيث سمحت تحسينات في مواد كاثود "إن إم سي 811" بزيادة مدى السيارات الكهربائية ليصل إلى نحو 800 كيلومتر للشحنة الواحدة، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى دعم مراكز البيانات العملاقة التي تلتهم الطاقة عالميا بسبب صعود الذكاء الاصطناعي.
ومع ارتفاع أسعار الليثيوم وندرته، انفتحت أمام القطار محطة جديدة بالكامل، وهي بطاريات الصوديوم-أيون، الأرخص والأكثر وفرة، إذ يتجاوز توفر الصوديوم الليثيوم بنحو ألف مرة، ومع وصول كثافة طاقتها إلى 170 واط ساعة/كغ، بدأت شركات كبرى مثل "بي واي دي" و"سي إيه تي إل" الصينيتين بدمجها فعليا في السيارات الاقتصادية وأنظمة التخزين، فيما يسميه القاضي "الخطوة الأكثر ديمقراطية في تاريخ البطاريات".
وتماما كما ينطلق القطار من كل محطة متخما بالأفكار، يغادر محطة الطاقة والمواد وهو محمل بـ3 رسائل واضحة، وهي أن الابتكار رحلة طويلة، وأن المواد الجديدة قد تغير شكل الحضارات، وأن المستقبل الأخضر لم يعد حلما بعيدا، بل مسار حقيقي يتشكل على قضبان العلم.
بعد أن توقفنا عند محطة الطاقة والمواد مع الدكتور ماهر القاضي، يسير بنا القطار إلى محطة الطاقة النووية، حيث يأخذنا الدكتور أستاذ الطاقة النووية الدكتور علي عبده في جولة عبر محطتين رئيسيتين، وهما الاندماج النووي والانشطار النووي، حيث كان عام 2025 مليئا بالتطورات المهمة في هذين المجالين.
وفي محطة الاندماج النووي، يشير عبده إلى الإنجازات غير المسبوقة في تجربة "الإشعال الاندماجي"، التي أصبحت أكثر استقرارا، وهو الشرط الأساسي لجعل الاندماج مصدر طاقة عمليا ومستداما.
وتتوقف الرحلة عند أجهزة الاحتواء المغناطيسي مثل مفاعل "وندلشتاين 7-إكس"، حيث يوضح أنها شهدت تطورا كبيرا في تشغيل البلازما لفترات أطول بكفاءة أعلى من أي وقت مضى.
ويكشف أن شركات خاصة بدأت تتخذ خطوات عملية نحو إنشاء أول محطات اندماج تجريبية خلال العقد القادم، بما يجعل حلم الطاقة النظيفة غير المحدودة أقرب من أي وقت مضى.
ثم ينطلق القطار نحو محطة الانشطار النووي، حيث يسلط عبده الضوء على مفاعلات الجيل الجديد، خصوصا المفاعلات المعيارية الصغيرة التي بدأت خطوات تنفيذية فعلية في دول مثل كندا والولايات المتحدة، وهذا الجيل الجديد يجمع بين أمان أعلى وكلفة أقل، مع قدرة على توفير الكهرباء للمجتمعات النائية والصناعات الكبرى بكفاءة مذهلة.
ويضيف د.علي أن إنتاج "الوقود النووي منخفض التخصيب العالي" بكميات تجارية يمهد الطريق لتشغيل مفاعلات أكثر أمانا وكفاءة، ليصبح الانشطار النووي جزءا حيويا من خارطة الطاقة المستدامة.
وفي ختام الرحلة، يؤكد عبده أن مجمل هذه الإنجازات يجعل الطاقة النووية، سواء بالاندماج أو الانشطار، محطة أساسية لتحقيق أمن طاقي طويل الأمد، مع خفض للانبعاثات، ودعم التنمية المستدامة للأجيال القادمة.
وعند توقف "قطار الإنجازات" في محطته الرابعة، يروي لنا الدكتور خالد عمر، الأستاذ بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة السليمانية بكردستان العراق، وأحد أبرز المتخصصين في الكيمياء التحليلية، كيف تحول هذا المجال في عام 2025 من مجرد أدوات قياس معقدة إلى نظام عصبي علمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي والأنظمة المصغرة التي تعمل بحجم شريحة هاتف.
ويقول عمر للجزيرة نت "الكيمياء التحليلية في 2025 لم تعد مجرد أجهزة تفصل وتحلل، بل أصبحت منصة ذكية تتنبأ وتفسر وتربط بين ملايين الإشارات، تماما كما يفعل الدماغ البشري".
ويشرح أن "القفزة الأكبر كانت في التكامل الإلزامي للذكاء الاصطناعي داخل كل خطوة من خطوات التحليل، حيث خوارزميات تتعامل مع الأطياف المعقدة منخفضة الشدة، وأنظمة تعلم آلي تعوض القيم المفقودة، وأتمتة قادرة على إدارة سير العمل كاملا من لحظة دخول العينة وحتى استخراج النتيجة النهائية".
ويضيف "لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يُفصل عن المطيافات والكروماتوغرافيا، تماما كما أصبح نظام تحديد المواقع (جي بي إس) جزءا من السيارات الحديثة".
ثم يتحرك القطار نحو محطة أخرى داخل التخصص نفسه، وهي التصغير والتشخيص عند نقطة الرعاية، فبفضل تقنيات المختبر على شريحة، بات بالإمكان ضغط عمليات مخبرية كانت تحتاج غرفة كاملة إلى شريحة لا تتجاوز مساحة ظفر الإصبع.
ويشير عمر إلى أن هذه القفزة ليست رفاهية تقنية بل ضرورة، لأنها نقلت التشخيص من المختبرات المركزية إلى الشوارع والعيادات الميدانية.
وأحد أبرز الأمثلة التي يرويها هي جهاز محمول مبتكر قادر على الكشف الفوري عن أخطر المخدرات الاصطناعية، وهو إنجاز سجلته الصناعة في 2025 وحاز جوائز دولية لأنه يمكن رجال الشرطة والمسعفين من إنقاذ الأرواح خلال دقائق.
أما في محطة الاستدامة، التي تحولت من شعار بيئي إلى معيار علمي ملزم، فأصبح على الكيميائيين تطوير أساليب تحليل تقلل النفايات، وتخفض استهلاك الطاقة، وتستخدم مواد آمنة وصديقة للبيئة.
ويلفت عمر إلى إنجاز بالغ الأهمية في هذا الاتجاه، وهو "طرق تحليل جديدة لكشف مواد المواد الكربوفلورية الكاملة والمتعددة الفلور السامة في المياه والغذاء، وطرق أكثر حساسية لتتبع الجسيمات النانوية داخل الجسم، بل ورصد قدرتها على عبور الحاجز الدموي الدماغي".
ويختتم حديثه قائلا "هذه المحطة في قطار 2025 تثبت أن الكيمياء التحليلية لم تعد مجرد علم يقيس بدقة، بل علم يعيد رسم حدود ما يمكننا رؤيته وفهمه، من المخدرات في الشوارع إلى الجزيئات التي تتسلل إلى الدماغ".
وبينما يغادر القطار محطة الطاقة والمواد، يصل إلى محطة الزراعة والتكنولوجيا الحيوية، حيث حدثت الثورة الهادئة التي يقودها الجينوم والذكاء الاصطناعي.
يقول الدكتور طارق قابيل، أستاذ الأحياء الجزيئية بكلية العلوم جامعة القاهرة للجزيرة نت "أبرز المحطات هنا كانت تقنية التجديد المتسارع للنباتات، التي ألغت الحاجة لزراعة الأنسجة التقليدية، وسمحت بإنبات براعم جديدة خلال أسابيع بدل شهور، مما سرع تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة باستخدام المقص الجيني "كريسبر-كاس9″.
ثم انتقل القطار إلى اكتشاف بيولوجي مهم، وهو نسيج نباتي جديد يعمل كـ"بوابة مغذيات" لبناء البذور، ويوضح قابيل أن "هذا الاكتشاف مكن الباحثين من تعديل جينات خاصة بهذه البوابة وزيادة امتصاص العناصر الغذائية، ما رفع إنتاجية الأرز وغيره من المحاصيل الأساسية".
لكن القطار لم يقف عند الجينات وحدها، فقد دمج هذا المجال بين الهندسة الوراثية والميكروبيوم، لينتهي بابتكار محاصيل قادرة على العمل بتناغم مع كائنات التربة الدقيقة، وتستخدم النيتروجين بكفاءة عالية، مما دعم الاستدامة وخفض الاعتماد على الأسمدة الكيميائية.
ويختم قائلا "عام 2025 لم يكن مجرد عام تقدم، بل عام تغيير جذري سيؤثر لعقد كامل على مستقبل الغذاء والزراعة".
ومع استمرار الرحلة، دخل القطار إلى محطة المواد المغناطيسية، حيث بدا الطريق، وكأنه يمتد نحو المستقبل البعيد.
ويقول الدكتور أحمد الجندي، أستاذ الفيزياء بجامعة تكساس إل باسو الأميركية، والمتخصص في هذه النوعية من المواد، إن "عام 2025، شهد طفرة نوعية في مجال المواد المغناطيسية، سواء من ناحية اكتشاف مواد جديدة أو تطوير تطبيقات تجمع بين المغناطيسية والضوئيات وعلوم الكم".
وأشار إلى أنه "من أبرز هذه الاكتشافات فئة (المغناطيسيات البديلة)، التي تمزج بين خصائص الفرومغناطيسيات والأنتيفرومغناطيسيات دون امتلاك مغنطة صافية، والتي تمكن من توليد انقسام في (الدوران المغزلي للإلكترونات) عند درجة حرارة الغرفة، ما يمهد لتطبيقات متقدمة في الإلكترونيات الدورانية".
ويضيف "كما شهدت المواد ثنائية الأبعاد المغناطيسية تقدما ملحوظا، حيث أصبح بالإمكان التحكم بالمغناطيسية باستخدام نبضات ليزر فائقة السرعة دون الحاجة لمجال مغناطيسي خارجي، ما يمهد الطريق نحو ذاكرات مغناطيسية ضوئية ومعالجات تعمل بالموجات الدورانية أو الطاقة الضوئية".
ويتابع "أيضا توسعت الأبحاث في الهياكل المغناطيسية الطوبولوجية، مثل (الدوامات المغناطيسية الطوبولوجية)، مع القدرة على استقرارها وتحريكها بطاقة أقل، ما يعزز دورها في ذاكرات الجيل القادم والحوسبة العصبية المغناطيسية".
ويختم "كما تم التركيز على المغناطيسيات المستدامة والخالية من العناصر الأرضية النادرة، لتطوير مغناطيسيات عالية الأداء دون الاعتماد على مواد باهظة الثمن، بما يدعم صناعات مثل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح".
يتوقف القطار الآن عند محطة الحشرات، حيث تداخلت التكنولوجيا الحيوية والهندسة والذكاء الاصطناعي في مشهد واحد.
ويقول الدكتور عمرو عبد السميع، أستاذ الحشرات بجامعة القاهرة للجزيرة نت "شهد عام 2025 نقلة نوعية في علم الحشرات، حيث تحولت الجسيمات الدقيقة في عالم الحشرات إلى أدوات قادرة على إحداث تأثيرات كبرى، فعلى صعيد مكافحة الأمراض، دشنت شركة (أوكسيتيك) في البرازيل أكبر مصنع عالمي لإنتاج بعوض (الزاعجة المصرية) محمل ببكتيريا (وولباخيا)، وهي بكتيريا تعيش داخل خلايا الحشرات وتقلل قدرتها على نقل فيروسات مثل حمى الضنك وزيكا، وقد أظهرت التجارب الميدانية انخفاضا يصل إلى 89% في حالات حمى الضنك، ما يجعل (وولباخيا) أداة فعالة ومستدامة للتحكم بالأمراض دون استخدام المبيدات الكيميائية".
ويضيف "في مجال فهم سلوك الحشرات، استخدم الباحثون لأول مرة الذكاء الاصطناعي مع الفسيولوجيا العصبية لدراسة استجابة الحشرات لمحفزات ضارة، وباستخدام تسجيلات كهربائية للقلب ونشاط الدماغ، تمكن النموذج الذكي من تصنيف الحالات بين راحة، ألم خفيف، وألم شديد بدقة تصل إلى 90%، ما يقدم رؤية عميقة لإحساس الحشرات الداخلي".
ويستطرد "كما شهدنا ابتكار مستشعر روبوتي صغير مستوحى من قرون الصراصير، أطلق عليه اسم (سيتراس)، وهذا الجهاز يقيس تغيرات ميكانيكية دقيقة مثل الانحناء والمسافة وملمس الأسطح، ما يمكن الروبوتات الصغيرة جدا من التنقل في بيئات معقدة، مستفيدين من حساسية الحشرات الطبيعية".
ويختم "باختصار، 2025 كان عاما حول فيه علم الحشرات الجسيمات الدقيقة إلى قوى كبرى، سواء في مكافحة الأمراض، أو فهم السلوك الحيوي، أو ابتكار تكنولوجيا روبوتية دقيقة مستوحاة من الطبيعة".
أمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات التشخيص الجزيئي للكشف عن الأمراض النادرة المعقدة (غيتي)ينتقل القطار إلى محطة الطب الجزيئي، حيث كان الإنجاز الأكبر هو دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات التشخيص الجزيئي للكشف عن الأمراض النادرة المعقدة.
ويقول الدكتور إسلام موسى أستاذ مساعد البحوث بقسم الكيمياء بجامعة كونيتيكت الأميركية للجزيرة نت "برأيي، كان أهم إنجاز عالمي في تشخيص الأمراض خلال عام 2025 هو الدمج القوي بين الذكاء الاصطناعي وتقنيات التشخيص الجزيئي، وهو ما أحدث تحولا كبيرا في تشخيص الأمراض النادرة، فهذه الأمراض عانت لسنوات من (الرحلة التشخيصية الطويلة)، والتي تكون عبارة عن سنوات من الفحوصات والتنقل بين الأطباء دون إجابة واضحة، بسبب ندرتها وتشابه أعراضها مع أمراض أكثر شيوعا".
وتمثل الاضطرابات الجينية الدقيقة تحديا خاصا، مثل اضطرابات الأهداب، التي تؤثر على عدة أعضاء، أو مرض نقص إنزيم الفوسفاتيز، الذي يصيب شخصا واحدا فقط من بين كل 300 ألف، مما يجعل التعرف عليه صعبا دون تحليل جيني متخصص.
ويوضح موسى أن "عام 2025 غير المشهد تماما، فقد أتاح الذكاء الاصطناعي، خصوصا نماذج التعلم العميق، تحليل ملايين المتغيرات الجينية وربطها ببيانات المرضى بسرعة غير مسبوقة، وظهرت منصات قادرة على معالجة بيانات تسلسل الإكسوم الكامل، وتحليل التعبير الجيني خلال دقائق، بعد أن كانت تحتاج شهورا، والأهم أن هذه الأنظمة أصبحت تتنبأ بخطورة الطفرات الجينية وتحدد إن كانت مرتبطة بمرض نادر معروف أو بمتلازمة جديدة لم تسجل من قبل".
ويضيف "هذا التقدم انعكس مباشرة على صناعة الدواء، خصوصا الشركات المعنية بعلاجات الأمراض النادرة مثل أليكسون–أسترازينيكا، والتي تعتمد على هذه البيانات لاختيار المرضى المناسبين للتجارب وتحديد المؤشرات الحيوية اللازمة لتطوير علاجات دقيقة وأكثر فعالية".
ومع دخول عام 2026، يتوقع موسى أن تنتقل هذه التقنيات من نطاق البحث إلى الاستخدام اليومي في المستشفيات، عبر اختبارات جينية أسرع وأقل تكلفة، ليصبح التشخيص المبكر للأمراض النادرة جزءا أساسيا من الممارسة الطبية، وفي متناول عدد أكبر من الأطباء حول العالم.
التعلم الآلي الجيولوجي، أصبح ضرورة ملحة لتحليل الكم الهائل من بيانات الاستشعار عن بعد وكشف الأنماط الخفية في البيئة الأرضية (بيكسابي)وفي محطة يجتمع فيها علم الجيولوجيا والهندسة والجيوفيزياء، يدخل القطار إلى أعماق الأرض.
ويقول الدكتور سعيد إلمن، أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة ابن زهر بالمغرب للجزيرة نت إن "هذا العام لم يكن عاديا، فالتطورات جاءت ضخمة من حيث الكم والجودة، خصوصا مع التوسع المتسارع في دمج الذكاء الاصطناعي مع البيانات الجيوفضائية، القادمة من الأقمار الصناعية".
ويشير إلى أن "التعلم الآلي الجيولوجي، أصبح ضرورة ملحة لتحليل الكم الهائل من بيانات الاستشعار عن بعد وكشف الأنماط الخفية في البيئة، لكنه يحذر في الوقت نفسه من الإفراط في الاعتماد على الآلة على حساب المهارات الميدانية التقليدية التي بدأت بعض تخصصاتها تتراجع تدريجيا".
ومن هذا المنظور، ينتقل الحديث إلى ما يؤكده الدكتور منير عبد الله، الأستاذ بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة عمر المختار الليبية، والذي يرى أن الذكاء الاصطناعي لم يكتف بتغيير أدوات التحليل، بل غير نظرتنا لعمق الأرض نفسه.
ويقول للجزيرة نت "في 2025 أثبتت تقنيات "التعلم العميق" قدرتها على إنتاج صور ثلاثية الأبعاد لباطن الأرض اعتمادا على بيانات سطحية محدودة، وهو ما يختصر سنوات من الحفر والجهد والتكلفة، ويعيد تعريف استكشاف المياه الجوفية والمعادن وتقييم مخاطر البناء".
كما يضيف عبد الله، اكتشافا علميا آخر لا يقل أهمية، وهو رسم خريطة غير مسبوقة لشبكة ضخمة من الأودية المدفونة تحت جليد القارة القطبية الجنوبية، وهو كشف سيؤثر مباشرة على تقدير معدلات ذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحار.
أما الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة جامعة القاهرة، فيرى أن هذا الزخم العلمي انعكس بقوة على مجال هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات، حيث أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل بيانات المسح الزلزالي بدقة تفوق الطرق التقليدية بأكثر من 30%.
ويشير عبد العزيز في تصريحاته للجزيرة نت، إلى دخول "التوأم الجيولوجي الرقمي" إلى الاستخدام الواسع هذا العام، وهو نموذج ذكي يحاكي البنية الطبقية تحت السطح بشكل واقعي، مما يسمح بإجراء تجارب افتراضية تقلل المخاطر وترفع نسب النجاح الاستكشافي إلى مستويات لم تسجل من قبل.
وبهذه الصورة، يبدو عام 2025، وكأنه أعاد رسم خريطة علوم الأرض، من فهم أعمق لطبقات الكوكب، إلى تقنيات استكشاف أكثر ذكاء، وصولا إلى نماذج رقمية تغير قواعد اللعبة، في حين يظل التوازن بين الذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية الركيزة الأهم لمستقبل هذا العلم.
ومع استمرار قطار الإنجازات العلمية في التقدم بثبات عبر محطاته المختلفة، تبرز محطة علم الآثار، والتي تحمل بعضا من التشابه مع المحطة السابقة، حيث امتدت موجة التحول الرقمي من أعماق الأرض إلى ذاكرة الحضارات، وهو ما يوضحه الدكتور سيد حميدة، رئيس قسم الترميم بكلية الآثار جامعة القاهرة، ورئيس تحرير مجلة "إن-بي-جاي هيريتدج ساينس"، إحدى دوريات مؤسسة "نيتشر".
ويقول حميدة للجزيرة نت إن "علوم الآثار شهدت بدورها طفرة غير مسبوقة بفضل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي، من التعلم العميق إلى تعلم الآلة، في تحليل التراث المادي والثقافي، وهذا التحول انعكس مباشرة على حجم الإنتاج العلمي، إذ تجاوز عدد الأبحاث المنشورة في هذا المجال خلال العام أكثر من 5 آلاف بحث، حازت فيها الصين الصدارة بنسبة 47% من إجمالي النشر".
ويضيف حميدة أن تأثير الذكاء الاصطناعي لم يقتصر على التصنيف والتحليل، بل وصل إلى تطوير لغات البرمجة المستخدمة في أدوات الهندسة الجيوتقنية والإنشائية، مثل تحسين برمجيات "بلاكسيس" عبر دمج شفرات مطورة بلغة بايثون، مما رفع دقة نماذج التحليل الإنشائي بشكل غير مسبوق، وقد تجلى هذا التطور بوضوح في الدراسة الهندسية الضخمة الخاصة بتحليل المشكلات الإنشائية في أكبر وأعمق مقبرة ملكية في العالم، وهي مقبرة الملك سيتى الأول، وهي دراسة من المتوقع صدورها قبل نهاية العام.
كما لعبت تقنيات تعلم الآلة دورا محوريا في الرصد المستمر لمعدلات تدهور المواقع الأثرية وتشخيص المشكلات الدقيقة غير المرئية للعين البشرية، مما أتاح وضع خطط علاج أكثر دقة وفعالية لحماية التراث العالمي.
تتوقف رحلة القطار أخيرا عند محطة الفيزياء النظرية، حيث يأخذنا الدكتور عبد الناصر توفيق، رئيس المركز المصري للفيزياء النظرية، في جولة عبر أهم إنجازات العام في فهم الكون والنجوم.
ويقول "شهدت الحوسبة الكمومية هذا العام تقدما كبيرا، حيث أصبحت الكيوبتات، وحدات المعلومات الأساسية في الحوسبة الكمومية، أكثر استقرارا، وتم تطوير طرق أفضل لتصحيح الأخطاء، مما يجعل الحوسبة الكمومية أكثر قوة وموثوقية، كما بدأت تقنيات نقل الإشارات الكمومية عبر الشبكات التقليدية تصبح ممكنة، مما يفتح الباب أمام اتصال كمومي آمن وسريع".
وفي مجال فهم الزمكان، يوضح توفيق أن العلماء اقتربوا خطوة مهمة نحو دمج ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وهو حلم علمي منذ أكثر من 100 عام، وساعدت هذه البحوث في فهم أفضل للطاقة والمادة المظلمة، التي تشكل حوالي 95% من مكونات الكون، وتساعد على تفسير طبيعة النجوم والمجرات في السماء.
ويشير توفيق إلى أن مهمة إقليدس وتلسكوب المسح الضوئي السينوبتي الكبير وفرا نتائج دقيقة حول المادة والطاقة المظلمة، في حين كشف المصادم الهادروني الكبير في سيرن عن إشارات موثوق بها لجسيمات المادة المظلمة، ما يقرب العلماء من فهم أسرار النجوم والمادة المظلمة.
ويضيف توفيق أن مصادمات الجسيمات فائقة الطاقة شهدت تطويرات هائلة، مع زيادة كثافة الأشعة في المصادم الهادروني الكبير، وتعديل مصادم الأيونات في بروكهافن بولاية نيويورك لإجراء تجارب نووية بالإلكترونات فائقة الطاقة، لدراسة البروتونات بشكل أدق. كما يؤكد أن الانتهاء من بناء المصادم الأيوني الروسي يمثل إضافة مهمة للمجتمع العلمي العالمي.
ويختتم توفيق بالإشارة إلى تحديات المستقبل، والتي تشمل فهم المادة والطاقة المظلمة، توحيد ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وتطوير الموصلات الفائقة عند درجة حرارة الغرفة، التي يمكن أن تحدث ثورة في تقنيات نقل الطاقة والمواصلات. ويضيف أن الحوسبة الكمومية تعد بحل مشاكل علمية معقدة، وتساعد العلماء على كشف أسرار النجوم والكون.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة