آخر الأخبار

"الجزيرة نت" تحاور باحثا مغربيا فك الشفرة الدوائية لنبات "العجوقة"

شارك

منحت أدوات الذكاء الاصطناعي باحثا مغربيا فرصة غير مسبوقة لاكتشاف إمكانات كيميائية غير معروفة من قبل، لنبات يعرف في البيئة المغربية باسم " العجوقة " أو "العويسة".

وينتمي "العجوقة " لفصيلة النعناعيات، وهو نبات عشبي معمر قصير القامة (عادة أقل من 30 سم)، وله سيقان زاحفة أو صاعدة قليلا، مكسوة بزغب أبيض ناعم، وأوراقه صغيرة بيضاوية، ومغطاة بشعيرات تعطيها مظهرا رماديا أو فضيا، وأزهاره صغيرة، لونها أبيض مائل إلى الوردي أو البنفسجي الفاتح، وتظهر في فصل الربيع.

وينمو النبات في المناطق الجبلية والوديان، ويُعد "الأطلس المتوسط" من أبرز مواطن تواجده، كما ينمو في مختلف الوديان والمناطق الجبلية الأخرى التي توفر بيئة مناسبة له.

وهو نبات بري بالأساس ولا يُزرع عادة على نطاق واسع، لكن دكتور سمير أشطيطة -الباحث بمختبر الكيمياء التحليلية والجزيئية بكلية العلوم جامعة الحسن الثاني- قدم من خلال دراستين نشرهما مؤخرا، مبررات ربما تكون محفزة مستقبلا على الاستثمار في زراعة هذا النبات.

ويكشف أشطيطة في مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت"، عن أن دراسته كانت تستهدف في الأساس مراجعة الإمكانات الدوائية للنباتات المغربية، فقادته رحلة البحث التي ساهم الذكاء الاصطناعي في جعلها أكثر سهولة ويسرا، إلى اكتشافات قد تجعل من نبات "العجوقة" هدفا لشركات الأدوية.

مصدر الصورة الدكتور سمير أشطيطة، متحدثا في أحد المؤتمرات عن كيفية توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في اكتشاف فعالية المركبات الدوائية (سمير أشطيطة)

البحث في قاعدة البيانات

وانطلقت رحلة البحث -كما يرويها أشطيطة- من خلفية معرفية مؤداها أنه "عند أكل الكربوهيدرات، يقوم إنزيمان أساسيان، هما "ألفا-أميليز" و "ألفا-غلوكو سيديز" بتكسيرها إلى جلوكوز، ما يؤدي إلى ارتفاع سريع في السكر بالدم، وبالتالي فإن وقف نشاط هذين الإنزيمين، يجعل امتصاص الجلوكوز أبطأ، وبالتالي يمكن السيطرة على مستويات السكر بعد الأكل، وتعمل بعض الأدوية مثل (أكاربووز) بهذه الطريقة، لكن لها آثار جانبية".

إعلان

وانطلاقا من هذه الخلفية المعرفية، تساءل ورفاقة في الدراسة المنشورة بدورية "رزلتس إن كمستري"، عما إذا كانت المركبات الموجودة في النباتات الطبية المغربية يمكنها وقف نشاط هذين الإنزيمين، وفي سعيهم للإجابة على السؤال، لجأوا إلى قاعدة بيانات مستمدة من دراسات سابقة تضم 386 مركبا نباتيا مستخلصا من 22 نباتا طبيا مغربيا معروفا في الطب التقليدي.

ويقول أشطيطة: "بالطبع، ستكون هناك صعوبة لاختبار أي من هذه المركبات يمكنها وقف نشاط الإنزيمين بشكل معملي وباستخدام حيوانات التجارب، فضلا عن أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا، فكان الحل في 4 من التقنيات الحاسوبية، القائمة على الذكاء الاصطناعي".

واستخدم الباحثون تقنية المحاكاة "مولِكيولار دوكينج"، وهي تقنية حاسوبية لدراسة كيفية ارتباط جزيء (مثل دواء) بموقعه في بروتين معين، وذلك بهدف معرفة أي المركبات ترتبط بقوة بالإنزيمين.

بعد ذلك، استخدموا اختبارات تسمى "أدميت" افتراضيا، للتحقق من امتصاص المركب في الجسم، وتوزيعه في الأنسجة، وتحوله في الكبد، وطرق إخراجه، ومدى سلامته وعدم سمّيته، وبعد ذلك أجروا المحاكاة الديناميكية الجزيئية لدراسة ثبات المركبات داخل موقع ارتباط الإنزيم، وأخيرا استخدموا حسابات لتقدير قوة ارتباط المركبات بالإنزيمات باستخدام ميكانيكا الجزيئات وتأثير الوسط المحيط ومساحة السطح، لمعرفة قوة ارتباط المركب بالإنزيم.

مصدر الصورة ينمو النبات في المناطق الجبلية والوديان (شترستوك)

اختيار اثنين من بين 386 مركبا

ويقول: "من بين 386 مركبا، اجتاز مركبين واعدين بنبات العجوقة وهما "الميريستين"، و"الكوليسترول" هذه الاختبارات بنجاح، وأظهرا ارتباطا قويا بالإنزيمين المستهدفين بدرجة تقارب الدواء المرجعي (أكاربووز)، وحققا ثباتا عاليا أثناء المحاكاة، وخصائص دوائية جيدة (امتصاص، توزيع، خلو من سمية كبيرة)، مما يجعلهما مرشحين واعدين للاستخدام لاحقا في أدوية السكري".

ولم يكن هذا الكنز الدوائي الذي خلصت له هذه الدراسة هو الوحيد لنبات " العجوقة "، إذ كان نفس الفريق البحثي على موعد في العام الماضي مع اختراق آخر أثناء دراستهم المنشورة بدورية " فارماسوتيكلز"، والتي كان هدفها استخدام الدراسات الحاسوبية لاستكشاف النباتات الطبية المغربية، الصالحة لتطوير علاجات مضادة للسرطان.

ويقول: "فوجئنا أيضا باحتواء نفس النبات على مركبات مثل "كاتيكِن" ومشتقات الريسفيراترول، التي أظهرت إمكانات لتأثيرات مضادة لنمو الأورام وانتشارها".

مصدر الصورة هو نبات بري بالأساس ولا يُزرع عادة على نطاق واسع (شترستوك)

من الفرز والاختبار إلى التجارب

ولأن أشطيطة ورفاقه متخصصون في الجانب الحاسوبي، فإنه يؤكد على أن دراسته تمثل مرحلة فرز واختيار، لذلك فهم يبحثون عن شركاء مختبريين ووحدات تجريبية لإجراء استخراج المواد من النباتات والتوصيف الكيميائي والتحاليل الحيوية المخبرية والتجارب الحيوانية، ومن ثم التجارب السريرية عند الحاجة.

ويقول: "أطلقنا بالفعل تعاونات وطنية ودولية في هذا الاتجاه وبدأت بعض الأعمال التجريبية، وسنُسرع هذه الخطوات بالنسبة للنباتات والمركبات التي أظهرت أفضل النتائج مؤخراً".

إعلان

ويأمل أشطيطة أن تؤكد التجارب المعملية على المركبين ما أثبتوه حاسوبيا، وإذا حدث ذلك يمكن إنتاجهما وتوزيعهما عبر مسارين متوازيين، أحدهما هو: "التطوير العلمي-التصنيعي" بزراعة مستدامة للنبات أو تخليق كيميائي/نصف تخليقي للمركب، مع قياس محتواه لضمان ثبات الجرعة وتحسين طرق الاستخلاص منخفضة التكلفة، والتصنيع وفق معايير الجودة وصياغة دوائية مستقرة".

والمسار الآخر، هو "إستراتيجية الوصول والتكلفة" عبر تصنيع محلي أو إقليمي لتقليل التكاليف، وشراكات مع جامعات ومصانع دواء محلية وتسعير مناسب واتفاقيات شراء جماعية وإدراج المنتج في قوائم الأدوية الأساسية، مع متابعة السلامة والتثقيف حول الاستخدام".

ويقول: "الهدف من ذلك هو تصميم مسار يجمع بين الفعالية العلمية والقدرة الصناعية لضمان وصول العلاج لمرضى السكري والسرطان في البلدان النامية بأسعار معقولة ".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار