آخر الأخبار

السوريون ما بين آمال وآلام بعد عام من سقوط الأسد

شارك
مصدر الصورة

"الفرق بين سوريا اليوم وسوريا بشار الأسد كالفرق بين الجنة والنار"؛ هكذا حدثني أسامة مفتي رائد الأعمال السوري الذي عاد إلى دمشق قبل عام واحد، عقب سقوط حكم بشار الأسد.

فرّ أسامة، الذي ينتمي لأسرة سورية معارضة، إلى بريطانيا، قبل عشر سنوات هرباً من قبضة السلطة الحاكمة حينذاك. وعقب سقوط الحكم، قرّر تصفية أعماله التجارية والعودة إلى العاصمة السورية ليؤسس شركة ناشئة لإيجارات مساكن قصيرة الأمد.

تتزين شوارع دمشق الآن بالأعلام السورية وتضيء سماءها مساءً الألعاب النارية. وتكتظ ساحة الأمويين في قلب العاصمة بالمحتفلين الذين يحيون الذكرى الأولى لسقوط حكم الأسد. وتتوسط الساحة لافتات ضخمة كُتب عليها "عيد التحرير".

"بلد يتعافى"

مصدر الصورة

ولا يزال الملايين من السوريين المعارضين يعيشون في العديد من دول العالم. ولم يتخذ قرار العودة إلى الوطن إلا بعضاً منهم. ويفسر أسامة عودته إلى دمشق برغبته في المشاركة "في دفع عجلة إعادة الإعمارإلى الأمام".

يجد أسامة في السوق السورية فرصة جيدة للاستثمار رغم العثرات الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للعديد من السوريين.

ويرى أن سوريا "بلد يتعافى، ولذلك فإن العديد من السوريين المغتربين يأتون للزيارة لتفقد الأوضاع"، وهو ما يزيد الطلب على الإيجارات قصيرة الأجل ويعزز طموحه في توسيع نشاطه التجاري خلال السنوات المقبلة، ما سيخلق فرص عمل للمزيد من السوريين، على حد وصفه.

وفي الأشهر الأخيرة رفعت دول غربية عدة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي العقوبات التي كانت تكبل الاقتصاد السوري على مدار عقود.

ويوضح أسامة أن تحول البلاد من الاقتصاد الاشتراكي إلى الاقتصاد الحر والانفتاح على دول العالم وكذلك العودة المنتظرة لسوريا إلى النظام المصرفي العالمي سيكون له أكبر الأثر في دعم النمو.

ويتذكر كيف كانت الأوضاع خلال حكم الأسد ويقول "كانت عائلة الأسد تتحكم بالاقتصاد فضلاً عن شيوع الرشوة والفساد وهما أكبر عائق للاستثمار. واستخدموا الترهيب والخوف عن طريق الأذرع الأمنية، فأي تاجر يتجاوز حداً معيناً من رأس المال يتعرض للخطف والاعتقال ثم تسيطر السلطة على نصف تجارته".

"أنا حر"

مصدر الصورة

ورغم نبرة التفاؤل التي حدّثنا بها أسامة والأمل الذي يحدو الكثير من السوريين حالياً، تظل هناك الكثير من الملفات المفتوحة التي لم تعالجها السلطة الجديدة بقيادة رئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع.

في منزله البسيط الواقع بريف دمشق، يجلس عبد اللطيف محمد ليداعب أحفاده الصغار ويسألهم عن واجباتهم المدرسية. كان مقاتلاً في صفوف ما عُرف بـ"الجيش الحر"، المعارض لبشار الأسد. وقضى ثماني سنوات سجيناً، منها ست سنوات في سجن صيدنايا سيء السمعة، وحُكم عليه بالإعدام. لم يصدق اللحظة التي كُسِرَت فيها بوابات السجن، ليرى نور الشمس لأول مرة منذ سنوات، عندما سقط حكم الأسد العام الماضي.

ويقول "لم أصدق أنني حر حتى وصلت منزلي. عندما فُتِحَت الزنزانة، لم أعرف لأول وهلة إلى أين أذهب". لكن عبد اللطيف يحمل الكثير من الذكريات القاسية لأيامه الثقيلة في صيدنايا، التي شهدت حلقات مستمرة من التعذيب. ويخبرني أن تلقّي العلاج كان رفاهية لا يحلم بها السجناء. ويشرح أنه أُصيب بصداع في أحد الأيام وربط رأسه كي يخفف الألم "ورآني الضابط من خلال الكاميرا وجاء ليسألني عن سبب وضعي العصابة. وعندما علم أن رأسي يؤلمني ظل يضربني عليها بهراوة حتى فقدت البصر لنحو أسبوع".

ويخبرني أنه لا يزال يعاني من أوجاع شديدة في ظهره، الذي كُسر في صيدنايا، بعد أن دعس عليه أحد حراس السجن بقوة لعدة مرات "حتى كسر ظهري وظللت أزحف لنحو شهر ولا أقوى على الوقوف"، يضيف عبد اللطيف.

ويبدو التوتر واضحاً على وجه عبد اللطيف والاضطراب جلياً على لغة جسده وهو يسرد لنا تلك التفاصيل. ويقول إن الكوابيس لا تزال تلاحقه، إذ يستيقظ في أحيان كثيرة فزعاً، لشعوره أنه لا يزال في صيدنايا.

صيدنايا

مصدر الصورة

اتجهنا إلى سجن صيدنايا الواقع على أطراف دمشق، والمعروف بـ"المسلخ البشري". تجولنا في المكان المترامي الأطراف. أخذنا المسؤولون هنا لنرى زنازين ضيقة للغاية لا يمكن للمرء أن يفرد في أي منها ذراعاه.

في كل زنزانة، كان يحتجز ما بين عشرة إلى خمسة عشر شخصاً، وهم مجرّدون تماماً من ملابسهم، انتظاراً لتوزيعهم داخل السجن. ولا تزال تلك الزنازين تحمل بعضاً من ملابس السجناء، الذين كانوا يُعرفون بالأرقام لا بأسمائهم.

وكانت الزنازين تكتظ بالنزلاء لدرجة كانت تدفعهم أحياناً للنوم بالتناوب، حسبما قيل لنا.

ثم اصطحبنا المسؤولون لمنطقة معتمة أشبه بالقبو، أو بالأحرى القبر. وعرفنا أنها كانت أسوأ أماكن الاحتجاز. وينتابك شعور مقبض وأنت ترى زنازين مغطاة بشِباك العنكبوت تتسع بالكاد لشخصين، من دون تهوية ولا إنارة تُذكر. وكان يُحتجز فيها خمسة أشخاص على الأقل، وفقاً للمسؤولين. غادرنا هذا القبو بعد أن وجدنا صعوبة واضحة في التنفس.

وشكّلت السلطة الحالية، بقيادة رئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع ، هيئة للعدالة الانتقالية للتحقيق في انتهاكات الحكم السابق ومحاسبة المسؤولين وتعويض الضحايا. لكن عبد اللطيف يقول إنه لم يحصل على أي تعويضات حكومية حتى الآن.

ويظل حصر أعداد الضحايا ما بين مفقودين وقتلى وسجناء سابقين مهمة شاقّة تحتاج للكثير من الجهد في عملية التوثيق والتدقيق.

مصدر الصورة

"نريد المحاسبة"

كما أنشأت السلطة الحالية أيضاً هيئة للمفقودين تُعنى بالتحقق من مصير أولئك الذين فُقد أثرهم، سواء داخل السجون أو خارجها، وكذلك الكشف عن هوية الجثث المدفونة في المقابر الجماعية التي اكتُشف عدد منها منذ أواخر العام الماضي.

لكن سوريا لايزال أمامها طريق طويل من أجل امتلاك التكنولوجيا والخبرات البشرية اللازمة للتعامل مع هذا الملف المعقد.

تعزي صليحة نفسها بمطالعة صور ابنيها، ناصر وإياد، المفقودَين منذ عشر سنوات. لا تعلم إن كانا على قيد الحياة.

كانا معارضين للأسد واختفيا عند حاجز أمني عام 2014 أثناء مغادرتهما مخيم اليرموك بدمشق، بعد حصار ضربته القوات الحكومية على المخيم لأشهر. كان إياد أبو ناصر في الثلاثين من عمره، أما شقيقه ناصر فكان في العشرينيات من العمر عندما انقطعت أخبارهما.

لم تتوقف الأسرة عن البحث على مدار عقد كامل. اعتقدت الأم أنها ستعرف مصير إياد وناصر عقب سقوط حكم الأسد، لكن هذا لم يحدث.

"إن كانا توفيا فالموت علينا حق لكن أريد أن أرى جثتيهما. كل يوم أتخيل كيف كانت آخر لحظة في حياة أولادي"، تقول والدتهما.

وتؤمن شقيقتهما ياسمين أنهما لا يزالان على قيد الحياة. وتطالب بمحاسبة "المسؤولين عن اعتقال وتعذيب أولادنا. يجب أن يحاسبوا على مرأى من أهالي المعتقلين".

"أود الرحيل"

ولم تقتصر القصص الموجعة على إرث الأسد فقط، بل امتدت لسوريا اليوم. وشهد العام الجاري اشتباكات ذات صبغة طائفية أججت المخاوف من احتمال انزلاق البلاد في دوامة من العنف.

وخرج أبناء الأقلية العلوية، التي ينتمي إليها الأسد، في احتجاجات شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تندد باستهدافهم عدة مرات، في هجمات مسلحة. وقُتل مئات العلويين في هجمات استهدفت مناطق الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، وفقاً لما أعلنته لجنة تحقيق حكومية. ويحاكم المتهمون بالتورط في تلك الهجمات، كما نفت الدولة علاقتها بالمسلحين المتهمين.

في إحدى المدن السورية التقينا شاباً علوياً، اشترط إخفاء هويته خوفاً من الاستهداف. يخبرني عصام، وهو اسمه المستعار، أنه نجح في إصلاح متجره الصغير للإلكترونيات، بعد الهجوم عليه وتكسيره على يد أشخاص ملثمين.

نقف في المتجر ويشرح لي كيف تهشّمت واجهته الزجاجية وكذلك سُرق كل ما كان فيه من بضائع وأموال. وصار عصام يغلق متجره بمجرد حلول ساعات المساء، إذ فقد شعوره بالأمان.

ويقول: "لقد فقدت إيماني بسوريا الموحدة، لأنها تفككت. أود أن أرحل نهائياً".

يخبرني عصام أنه فرح بسقوط الأسد الذي اعتبره "عبئاً على العلويين" موضحاً أن الكثير من أبناء الطائفة العلوية كانوا يدخلون الجيش "من أجل الراتب" كي يهربوا من الفقر. لكن بعد تصاعد الهجمات بحق أبناء تلك الأقلية الدينية، بات عصام يندم على رحيل بشار الأسد.

أما والدته، التي سنسميها سميرة، فتوضح أن بشار الأسد لم يكن يوفر أي رفاهية تُذكر لعموم العلويين "لكننا كنا نحيا في أمان". وتوضح أنها باتت تخشى مغادرة منزلها.

وتشكّل الطائفة العلوية في سوريا أكبر أقلية دينية بنسبة تُقدر بنحو عشرة في المائة من مجموع السكان، لكن لا توجد إحصاءات دقيقة في هذا الشأن. وتتمركز بشكل رئيسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في مدينتي اللاذقية وطرطوس، فضلاً عن وجود عدد منهم في حمص وحماة.

ورغم كل الاضطرابات التي وقعت خلال هذا العام، يسعد السوريون بهامش الحرية المتوفر لهم الآن والذي لم يعرفوه منذ عقود. ويتطلعون إلى ترسيخ شعورهم بالأمان بعيداً عن التوترات الطائفية التي قد تُلقي بظلال ثقيلة على حياتهم.

ويقول أسامة مفتي وهو يُحدثنا عن مشروعه الجديد "سوريا الأمس كانت للأسد وعائلته لكن سوريا اليوم لكل السوريين".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا