آخر الأخبار

حرب غزة: كيف تُقرأ خطة ترامب لـ"السلام الأبدي في الشرق الأوسط"؟

شارك
مصدر الصورة

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن خطته لإنهاء الحرب في غزة قد تمثل "واحداً من أعظم الأيام في تاريخ الحضارة"، بل وقد تجلب "السلام الأبدي في الشرق الأوسط".

ورغم المبالغة التي طبعت خطابه، فإن مقترحه المؤلف من 20 بنداً، الذي أُعلن في البيت الأبيض يوم الاثنين خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يُعد خطوة دبلوماسية مهمة، وإن لم ترقَ إلى مستوى توصيفه المفرط.

وتمثل الخطة تحوّلاً في موقف إدارة ترامب بشأن مستقبل غزة بعد الحرب، كما تضيف ضغطاً أكبر مما مارسته واشنطن هذا العام على نتنياهو للقبول باتفاق، لكن تحقيقها على أرض الواقع في الأسابيع المقبلة سيعتمد بشكل كبير على المسائل نفسها التي شكّلت جوهر الأزمة: ما إذا كان كل من نتنياهو وقيادة حماس يرون مكاسب أكبر في إنهاء الحرب مقارنة بالاستمرار فيها.

ردّ حماس على المقترح لم يتضح بعد، غير أن أحد قادتها لم يُبدِ تفاؤلاً ملمّحاً في تصريح سابق لبي بي سي إلى أن البنود لا تصون المصالح الفلسطينية بدرجة كافية، وأن الحركة لن تقبل أي خطة لا تضمن انسحاب إسرائيل من غزة.

أما نتنياهو، الذي وقف إلى جانب الرئيس الأمريكي، فقد أعلن قبول إسرائيل لمبادئ ترامب العشرين، رغم أن أحد قادة الجناح اليميني المتشدد في ائتلافه رفض بالفعل بعض تلك البنود.

لكن القبول بالمبادئ لا يعني بالضرورة إنهاء الحرب، وبينما ينفي نتنياهو هذه التهمة، يقول معارضوه في الداخل إنه اعتاد إفشال الصفقات الناشئة إذا ما هددت بقاءه السياسي.

بهذا المعنى، قد لا تكون الخطة كافية لتحقيق الاختراق الذي يسعى إليه ترامب بوضوح، إذ لا تزال تواجه عقبات جوهرية أمام كل من إسرائيل وحماس، ما قد يحول دون توصلهما في النهاية إلى اتفاق.

مصدر الصورة

تحتوي الخطة على غموض يكفل للطرفين إمكانية الظهور كقابلين لها، مع إمكانية استخدام مسار المفاوضات اللاحق كوسيلة لتقويضها وإلحاق مسؤولية الفشل بالطرف المقابل.

وقد تكرّر هذا النمط خلال أشهر من المفاوضات، وإذا حدث مجدداً، فإن موقف إدارة ترامب سيكون واضحاً، بأن يكون إلى جانب إسرائيل، فقد أبلغ ترامب نتنياهو يوم الاثنين أنه في حال رفضت حماس المقترح، فإن لديه "الدعم الأمريكي الكامل لفعل ما يتعيّن فعله".

ورغم تقديمه على أنه اتفاق، فإن المقترح في جوهره ليس أكثر من إطار لمفاوضات إضافية أو "مبادئ" كما وصفها ترامب بنفسه، وهو بعيد كل البعد عن الخطة التفصيلية المطلوبة لإنهاء الحرب.

ويشبه هذا الإطار في طبيعته الخطة التي أعلنها سلفه جو بايدن في مايو/أيار 2024، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار مرحلي واتفاق لإنهاء الحرب، والتي احتاجت ثمانية أشهر أخرى قبل أن تطبّق إسرائيل وحماس هدنة شملت تبادلاً للمحتجزين.

أما ترامب فيسعى إلى اتفاق شامل "دفعة واحدة"، غير أن ذلك يتطلّب جهداً كبيراً لتحديد خطوط الانسحاب الإسرائيلي بدقة، وتفاصيل تحرير الرهائن، وهويات المعتقلين الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم، وشروط إدارة غزة بعد الحرب، إلى جانب مسائل أخرى عديدة.

ولا تتضمن خطة النقاط العشرين أياً من هذه التفاصيل، وكلها يمكن أن تُفشل أي اتفاق سلام محتمل.

كما أن الإطار يستعير بعض ملامحه من مقترحات سابقة، منها الخطة السعودية-الفرنسية في يوليو/تموز، إلى جانب ما عمل عليه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي سيكون عضواً في "مجلس السلام" الذي يرأسه ترامب للإشراف مؤقتاً على إدارة غزة ضمن هذا المقترح.

مصدر الصورة

وُضعت الخطة على يد مبعوث ترامب ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر بعد مشاورات مع إسرائيل ودول أوروبية وعربية، بينها قطر ومصر كوسطاء، وتنص على وقف القتال، وانسحاب محدود للقوات الإسرائيلية، وإفراج حماس عن جميع الرهائن المتبقين، يعقبه إطلاق سراح مئات المحتجزين الفلسطينيين لدى إسرائيل.

وتتصوّر الخطة إنشاء إدارة محلية تكنوقراطية في غزة لتسيير الخدمات اليومية، تحت إشراف "مجلس السلام" المتمركز في مصر.

كما تنص على منح عفو لأعضاء حماس الذين يلتزمون بالتخلّي عن سلاحهم، فيما يُنفى الآخرون، أما الأمن فتتولاه "قوة استقرار" دولية تنشئها الولايات المتحدة ودول عربية، تضمن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية.

وتذكر الخطة مسألة الدولة الفلسطينية، لكن بصياغة فضفاضة للغاية، إذ تقترح أن إصلاح السلطة الفلسطينية في رام الله قد يتيح أخيراً "مساراً ذا مصداقية نحو تقرير المصير وإقامة الدولة".

وترى الدول العربية في مقترحات ترامب اختراقاً مهماً لها، خاصة بعد أن تخلّصت من خطته السابقة في فبراير/شباط التي عُرفت بمشروع "غزة ريفييرا"، والتي كانت تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين، كما يطمئنها على الأقل وجود إشارة إلى الدولة الفلسطينية، حتى إن لم يتضمن التزاماً واضحاً بها.

وتضيف الخطة بنداً أساسياً يقول إن "إسرائيل لن تحتل أو تضم غزة"، رغم أنه لا يتضمن تعهداً مماثلاً بشأن الضفة الغربية المحتلة، وهذا البند بالغ الأهمية بالنسبة للدول العربية، حتى وإن ناقضه نص آخر يمنح إسرائيل الحق في إبقاء قواتها ضمن "الطوق الأمني" حول غزة.

على الجانب الإسرائيلي، يقول نتنياهو إن الإطار برمته يتماشى مع أهدافه لإنهاء الحرب: نزع سلاح حماس، وتجريد غزة من السلاح، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقبلية، لكن من غير الواضح إن كانت بنود نزع السلاح والدولة الفلسطينية ستلقى قبولاً لدى أطراف في حكومته، أم أنه سيستغل الضغوط لتعديل بعض البنود أو "تنقيحها".

يبقى الكثير متوقفاً على رد حماس، وكما كتب زميلي رشدي أبو العوف، قد يكون هذا موقفاً جديداً من نوع "نعم، ولكن..."، حيث تبدو الحركة وكأنها تقبل بالمقترحات مع المطالبة بإيضاحات، ما يضع البيت الأبيض مجدداً أمام العقبات ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة لإنهاء الحرب.

مصدر الصورة

وفي تطور لافت اليوم، وقبل لحظات من الإعلان المشترك، دفع ترامب نتنياهو للاعتذار إلى قطر، وكانت الدوحة قد طالبت باعتذار بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حماس في العاصمة القطرية مطلع هذا الشهر، ويعني ذلك أن قطر ستتمكن من العودة للعب دور الوسيط بين إسرائيل وحماس.

وقبيل لقاء ترامب ونتنياهو، كثّفت إسرائيل قصفها المدفعي والجوي على مدينة غزة، حيث نشرت فرقة مدرعة ثالثة، ويأتي هذا التصعيد ضمن خطة معلنة للضغط على حماس، لكنه جلب مزيداً من الدمار للمدنيين.

وقد أدانت معظم دول العالم هذه العمليات، فيما يستعد قائد حماس في غزة، عز الدين الحداد، لما وصفه أحد قادة ميدانيي الحركة لبي بي سي بـ"المعركة الحاسمة الأخيرة" بمشاركة نحو خمسة آلاف مقاتل.

وكانت دول أوروبية وعربية، بقيادة فرنسا والسعودية، قد أمضت الصيف في محاولة لإحياء المسار الدبلوماسي، مستاءة من السلوك الإسرائيلي على الأرض، وزاد ذلك من شعور إسرائيل بالعزلة الدولية، خاصة وأن نتنياهو ما يزال موضوع مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.

ورأت الدول الأوروبية أن الصراع يخرج عن السيطرة مع تمكين المتشددين في كلا الجانبين، لكنها اعتقدت أن بإمكانها استمالة المعتدلين المتبقين من أجل حل الدولتين، الذي تعتبره مستقبلاً مشتركاً طويل الأمد للفلسطينيين والإسرائيليين.

وعلى الرغم من أن هذا الحل غير منصوص عليه بوضوح في الخطة، فقد رأت تلك الدول أن استقطاب ترامب لصالح مقترح معدل بشأن غزة يمثل مفتاحاً أساسياً.

ويفترض أن يساهم الإطار الأمريكي في إعادة الزخم إلى المفاوضات، لكنه سيظل بحاجة إلى أسابيع طويلة من العمل المضني قبل أن يتحول إلى ما يعد به ترامب: إنهاء كامل للحرب.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا