آخر الأخبار

رسائل الشرع من نيويورك.. هل هي بوابة نحو تحولات في المنطقة؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

الشرع: ما تقوم به إسرائيل يهدد باندلاع أزمات جديدة

في مشهد وُصف بالتاريخي والاستثنائي، عاد صوت سوريا ليصدح من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ عام 1967. الرئيس السوري أحمد الشرع ألقى خطابه وسط متابعة واسعة داخل دمشق وخارجها، لتتفتح أمام السوريين نافذة جديدة نحو العالم بعد عقود من العزلة الدولية.

وبينما علت أصوات الفرح في شوارع العاصمة السورية، كان الصدى أوسع في نيويورك حيث اجتمع مؤيدون ومعارضون أمام مبنى الأمم المتحدة، في لحظة عكست انقساما داخليا، لكنها جسّدت في الوقت نفسه رغبة سوريا في تقديم نفسها كدولة جديدة.

خطاب الشرع لم يكن مجرد عودة بروتوكولية إلى محفل دولي، بل حمل رسائل سياسية نارية، طالت ملفات الداخل السوري، ورسمت ملامح تموضع إقليمي جديد في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، من غزة إلى الخليج، ومن القاهرة إلى واشنطن.

رمزية العودة إلى الأمم المتحدة

مراسل سكاي نيوز عربية من دمشق، مصطفى الخلف، لخص أهمية هذه اللحظة بالإشارة إلى أن سوريا غابت عن هذا المحفل منذ عام 1967 حين ألقى الرئيس نور الدين الأتاسي آخر خطاب باسمها.

عودة الشرع إلى المنصة الأممية لم تكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل إشارة إلى رغبة دمشق في استعادة شرعيتها الدولية وفتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي.

الاحتفالات التي شهدتها دمشق، من إطلاق الألعاب النارية إلى الأهازيج الشعبية، جسدت شعورا جماعيا بأن سوريا تعود إلى المسرح العالمي ليس كدولة منبوذة، بل كطرف يريد أن يعرّف بنفسه من جديد.

هذا البعد الرمزي هو ما دفع العديد من السوريين إلى وصف الخطاب بأنه "لحظة تاريخية"، توازي في رمزيتها ما بعد نهاية الحروب الكبرى أو الاتفاقيات المصيرية.

الشارع السوري.. بين الأمل والتاريخ

في الداخل السوري، بدت اللحظة وكأنها إعادة إحياء للهوية الوطنية بعد سنوات من الحرب والانقسامات. مشاهد التجمعات الشعبية التي نقلها مصطفى الخلف، من دمشق إلى محافظات أخرى، أبرزت وحدة نادرة حول حدث سياسي.

أما في الخارج، فقد نقل مراسلنا مجدي يازجي أجواء التفاعل في نيويورك حيث تجمع مئات السوريين لمتابعة الكلمة. بعضهم وصفها بأنها "بداية سوريا الجديدة"، فيما شدد آخرون على أهميتها باعتبارها إعلانًا عن انتهاء حقبة "الأسدين".

ومع ذلك، لم تخلُ الصورة من توترات؛ فقد خرجت مظاهرات معارضة بالتزامن مع الكلمة، وحدثت مناوشات مع المؤيدين، في مشهد عكس أن التصدعات الداخلية لم تُمحَ بعد.

مضمون الخطاب.. وعود بالمحاسبة وصياغة هوية جديدة

لم يكتفِ الشرع بالحديث عن السلام، بل أرسل إشارات قوية حول المحاسبة، متعهدًا أمام المجتمع الدولي بملاحقة كل من "تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء".

هذا التعهد يفتح بابًا على ملف حساس يتعلق بالعدالة الانتقالية وحقوق الضحايا، وهو ملف ستراقبه العواصم الغربية بدقة.

كما تحدث عن "سوريا الجديدة"، سوريا التي لا تريد العودة إلى الوراء، وتريد أن تكون جزءًا من الحل لا مصدرًا للأزمات. هذه اللغة الإصلاحية الجديدة تختلف جذريًا عن خطاب الحقبة السابقة، حيث كانت الأولوية للخطاب الأيديولوجي والمواجهة.

لحظة مفصلية

رأى محلل الشؤون السورية في سكاي نيوز عربية، علي جمالو، في الزيارة "كودا" يختصر مرحلة كاملة. فبحسبه، الشكل الرمزي للعودة إلى الأمم المتحدة يتكامل مع مضمون الخطاب الذي أعلن عودة سوريا إلى مكانها الطبيعي في المجتمع الدولي.

جمالو شدد على أن الزمان والمكان جعلا من كلمة الشرع نقطة تحول كبيرة في تاريخ سوريا الحديث. فهو أول رئيس سوري يتحدث في الأمم المتحدة منذ 1967، في لحظة إقليمية متشابكة، حيث تتداخل الحرب في غزة مع التوتر في لبنان والضغوط على إسرائيل، إلى جانب التحركات الخليجية والمصرية.

تحليله أبرز أيضًا البعد الإصلاحي الداخلي، حيث ركّز الشرع على طاقات الشباب السوري ورهانات المستقبل، من دون أن يغفل التحديات الأمنية في الجنوب أو الأزمات التي شهدتها الإدارة خلال الأشهر الماضية. لكنه اختار معالجة هذه الملفات بإيجاز، في محاولة لتقديم صورة مختصرة وواقعية تحترم وقت المجتمع الدولي.

أسلوب الخطاب.. الاختصار المعبّر

اتبع الشرع أسلوبًا لافتًا في الإيجاز، على غرار ظهوره في قمة الدوحة حين لخص موقفه في أقل من دقيقة مستخدمًا بيتًا شعريًا. هذا الأسلوب يعبّر عن رغبة في تكثيف الرسائل وتقديم صورة براغماتية مختلفة عن أسلوب الخطابات الطويلة التي اتسمت بها الأنظمة السابقة.

لكن جمالو لفت إلى أن هذا الاختصار، على الرغم من قوته الرمزية، يفرض تحديًا: فالمجتمع الدولي يريد تفاصيل واضحة عن شكل الدولة الجديدة وآليات الحكم، وهو ما يحتاج إلى "عمل كثير" في الداخل، كما قال، من تفكيك الملفات الساخنة إلى تنشيط الحوار الوطني.

إسرائيل في مرمى الرسائل السورية

أحد أهم جوانب الخطاب والتحليلات المرافقة له كان توجيه رسائل مباشرة إلى إسرائيل. جمالو وصفها بأنها "دولة بلا حدود سياسية أو جغرافية"، دولة تعيش حالة من العدوان المستمر وتتناقض بين صورتها كضحية أمام الغرب وسلوكها كقوة متنمرة في الشرق.

الهجوم على قطر – الدولة الوسيطة – جاء كأبرز مثال على هذا التناقض. فبينما تطلب إسرائيل وساطتها مع حماس، تعود لتقصفها في مشهد اعتبره جمالو "فعلاً مشينًا".

هذه الإشارة تعكس رغبة دمشق في إعادة التموضع ضمن جبهة تفضح سياسات تل أبيب، وفي الوقت نفسه تعزز تحالفاتها الإقليمية.

سوريا بين الهوية الجديدة والامتحان الأصعب

خطاب أحمد الشرع في الأمم المتحدة لم يكن مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل لحظة فارقة في تاريخ سوريا الحديث. هو إعلان عن ولادة "سوريا جديدة"، لكنه في الوقت نفسه بداية اختبار صعب لمدى قدرة دمشق على الوفاء بوعودها.

الرسائل التي حملها الخطاب – من السلام إلى المحاسبة، ومن الهوية الوطنية إلى الانفتاح الإقليمي – ترسم ملامح طموحة، لكنها تحتاج إلى ترجمة عملية على الأرض. التحديات كثيرة: انقسام داخلي لم يُمحَ بعد، ملفات أمنية ملتهبة، وضغوط إقليمية ودولية متشابكة.

ومع ذلك، فإن عودة سوريا إلى المنصة الأممية بعد نصف قرن من الغياب تعني أن صفحة جديدة قد فُتحت. صفحة سيكتبها السوريون بأفعالهم، لا بخطاباتهم فقط، فيما يراقب العالم عن كثب كيف ستترجم دمشق وعودها إلى واقع سياسي جديد في معادلة الشرق الأوسط.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا