بعد ستة عقود من الغياب عن قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعود رئيس سوري ليجلس في نيويورك بصفته فاعلا.
الرئيس أحمد الشرع يصل إلى هناك في لحظة مشحونة، محمّلا بملفات ثقيلة تتصدرها العقوبات الخانقة على دمشق، ومستقبل الجنوب السوري.
وبينما يتطلع الشرع إلى لقاء محتمل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يطرح السؤال الأبرز: هل يخرج من هذه الجولة بصفقة تعيد ترتيب الجنوب وتعيد لسوريا موقعها على المسرح الدولي، أم يكتفي بعنوان جميل بلا بنود ملزمة؟
بين إرث 1974 والخرائط الجديدة
زيارة الشرع إلى نيويورك تأتي في ظل جدل مفتوح حول مستقبل اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974. إسرائيل تسعى إلى فرض واقع جديد يتجاوز خطوط ذلك الاتفاق، مقترحة توسيع المناطق منزوعة السلاح، وتعزيز السيطرة الجوية، وإنشاء نقاط مراقبة تمتد حتى مشارف دمشق. في المقابل، تطرح دمشق فكرة تفعيل اتفاق 1974 من جديد، مع الحفاظ على السيادة السورية تحت رقابة دولية.
لا يتوقف الملف هنا عند تفاصيل فنية، بل يتجاوزها إلى سؤال أعمق: هل نحن أمام صفقة توقف القصف وتفتح المعابر وتثبت الحدود من دون المساس بالسيادة، أم أمام هدنة طويلة؟
رسالة العودة إلى الساحة الدولية
محلل الشؤون السورية علي جمالو، خلال حديثه إلى برنامج "رادار" على "سكاي نيوز عربية"، أكد أن الرسالة الأوضح في زيارة الشرع هي عودة سوريا إلى مكانها في المسرح الدولي بعد عقود من "العتمة والصمت".
وأشار إلى أن هذه هي الزيارة الأولى منذ عام 1967، حين ألقى الرئيس نور الدين الأتاسي كلمة سوريا بعد حرب حزيران، في زمنٍ وُلد فيه القرار الأممي 242.
اليوم، بحسب جمالو، يسعى الشرع إلى إعادة تحريك عجلة الحضور السوري دولياً، مستنداً إلى خطاب دبلوماسي متوازن يدمج بين الانفتاح الخارجي والإصلاح الداخلي، مع تركيز على التنمية والاقتصاد.
ويشدد جمالو على أن الرئيس السوري لا يتجه إلى أي لقاء إلا بعد أن تكون اللجان الفنية قد أنجزت معظم الملفات، لتبقى اللمسات الأخيرة على مستوى القادة.
تحضير ميداني قبل نيويورك
الأجواء التي سبقت الزيارة حملت إشارات واضحة. فقد جرى تسريع إخراج ملف السويداء من دائرة النقاش قبل عشرة أيام فقط من سفر الشرع، من خلال اتفاق أمني رُتّب بعد زيارة وزيرة الخارجية إلى لندن.
هذا التحرك مهّد الطريق للتركيز على صياغة جديدة لخط وقف إطلاق النار المستند إلى اتفاق 1974. بالنسبة لجمالو، هذه التطورات تعكس أن الملفات الجوهرية شبه جاهزة، وأن دور القادة في نيويورك سيكون أقرب إلى وضع "اللمسات الأخيرة" أكثر منه فتح ملفات من الصفر.
الأندوف ومئة تمديد
أحد أبرز عناصر التعقيد هو دور قوات الأندوف. منذ عام 1974، تم تمديد مهمتها مئة مرة بقرار دوري من مجلس الأمن كل ستة أشهر. يرى جمالو أن أي اتفاق جديد لا يُغطى بالقرار 350 المنظم لوجود هذه القوات سيضعف الموقف السوري.
فبدون هذا الغطاء القانوني، ستبدو دمشق وكأنها تدخل تفاهمات ثنائية بلا مرجعية دولية، وهو ما قد يُفقدها شرعية مواقفها التاريخية.
جبل الشيخ… ورقة حساسة
من النقاط التي لا تزال محل نقاش مسألة مرصد جبل الشيخ. الجانب السوري اقترح أن تتولى الولايات المتحدة إدارة هذا المرصد، في محاولة لإيجاد صيغة عملية تحافظ على الحضور الدولي.
جمالو أشار إلى أن أهمية هذا المرصد تراجعت مع تطور وسائل المراقبة الفضائية، لكن التخلي عنه نهائياً ليس وارداً، لأن رمزيته السياسية والعسكرية ما زالت قائمة. القرار في هذا الشأن سيُترك على الأرجح للجلسات النهائية.
توازن الضمانات
لا تدور النقاشات الجارية فقط حول الضمانات التي تطلبها إسرائيل، بل أيضاً حول ما تريده سوريا من ضمانات. فدمشق – كما يقول جمالو – تتعامل مع حكومة إسرائيلية هي "الأكثر تطرفاً في التاريخ"، ولذلك فهي بدورها بحاجة إلى تطمينات جدية تضمن عدم تكرار سيناريو انهيار الخطوط الأمنية السابقة.
القصة لم تعد إذن مجرد تقديم تنازلات، بل صياغة معادلة متبادلة تحافظ على الحد الأدنى من التوازن.