كاتس يقول إن أبواب الجحيم في #غزة قد فُتحت وإن عمليات الجيش ستتصاعد، وحماس ترد: تصريحاته اعتراف علني بارتكاب جرائم إبادة وتهجير قسري#حرب_غزة pic.twitter.com/KmMfuV8IiQ
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 5, 2025
غزة – لم يكن تدمير الأبراج السكنية العالية في قطاع غزة سياسة طارئة فرضتها الحرب الحالية، بل هو نهج قديم يوظفه الاحتلال الإسرائيلي ضمن أدوات الضغط العسكري والسياسي على المقاومة الفلسطينية عبر إيذاء السكان.
فمنذ استهداف برج "الظافر" عام 2014، مرورا بهدم ثلاثة أبراج رئيسية خلال أقل من 24 ساعة في عدوان مايو/أيار 2021، وصولا إلى قصف برج مُشتهى أمس الجمعة، تتكرر الإستراتيجية ذاتها: العقاب الجماعي، والضغط على المقاومة، وتحويل العمران المدني إلى ركام بهدف تشريد الفلسطينيين.
وبحسب ما نشرته الصحافة الإسرائيلية، فإن هذه السياسة تندرج ضمن خطة شاملة لإعادة احتلال مدينة غزة .
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن أمس الجمعة إصدار ما وصفه بـ"أول بلاغ لإخلاء مبنى متعدد الطوابق في مدينة غزة (برج مُشتهى) قبل استهدافه"، وقال "عندما ينفتح الباب لن يغلق وستتزايد عملياتنا تدريجيا حتى تقبل (حركة المقاومة الاسلامية) حماس شروطنا لإنهاء الحرب".
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية خلدون البرغوثي أن "قصف الأبراج السكنية لا يعدو أن يكون ذريعة لتبرير تدمير كل شيء في غزة"، موضحا أن الهدف المركزي يتمثل في "تحويل مدينة غزة إلى ما يشبه الصحراء الأسمنتية لإجبار السكان على النزوح جنوبا تمهيدا لتهجيرهم خارج الحدود".
ويشير البرغوثي، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذا التوجّه يتسق مع الرؤية الفكرية لتيار سياسي إسرائيلي يضم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة-والوزيرين بتسلئيل سموتريتش و إيتمار بن غفير ، إضافة إلى دانييلا فايس ، وهم جميعا معروفون بـ"عرّابة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وغزة، ويدفعون باتجاه حسم ديمغرافي" عبر التهجير القسري.
ويضيف "قصف الأبراج ليس سوى ذريعة للتغطية على سياسة استهداف شامل لكل مظاهر الحياة، خصوصا وأن التحريض على الأبراج التي تؤوي آلاف النازحين، سبق القصف بأسابيع عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية".
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قد كشفت يوم 22 أغسطس/آب الماضي أن جيش الاحتلال يخطط لهدم الأبراج التي لا تزال قائمة في مدينة غزة في إطار خطته لإعادة احتلال المدينة.
ويُقلّل البرغوثي من فرص نجاح هذه السياسة، مشيرا إلى أن العديد من المحللين العسكريين والقادة الأمنيين الإسرائيليين السابقين يعترفون بصعوبة تطبيقها، موضحا أن إسرائيل ستواجه فشلا بتهجير كامل السكان من غزة إلى الجنوب، فضلا عن استحالة تهجير جميع سكان القطاع إلى الخارج.
ويتوقع البرغوثي أن تؤدي هذه السياسة الإسرائيلية إلى تصعيد المواقف والإجراءات الدولية ضد إسرائيل، مؤكدا أن الإصرار على مواصلة التدمير والعدوان سيجعلها في مواجهة عزلة متزايدة.
لكنه يلفت في المقابل إلى أن الولايات المتحدة تتحرك بشكل مواز لتشديد الضغط على الفلسطينيين، سواء بمنع وفودهم الرسمية من الوصول إلى الأمم المتحدة ، أو التضييق على حملة الجوازات الفلسطينية في منح التأشيرات، أو فرض عقوبات على مؤسسات حقوقية ومحاكم دولية.
ويرى أن هذه التطورات ستسهم في تصعيد الوضع الدولي بشكل أكبر، مشيرا إلى أن الإعلام الإسرائيلي بات يوسع تغطيته لهذه الإجراءات الشعبية والرسمية حول العالم، في ظل تزايد الانتقادات التي تحمّل نتنياهو وحكومته مسؤولية تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن التركيز على استهداف الأبراج السكنية بعد مرور 23 شهرا على الحرب لا يندرج في سياق العمليات الاعتيادية.
ويقول للجزيرة نت إن التوقيت الحالي يعكس أبعادا متعددة؛ أولها مرتبط بالكثافة السكانية الكبيرة في مدينة غزة التي تضم قرابة مليون نسمة.
ويضيف أن الهدم يهدف إلى:
كما تراهن إسرائيل -حسب بشارات- على إمكانية حدوث تطورات سياسية أو دبلوماسية لاحقة، بما في ذلك احتمال تقديم المقاومة بعض المرونة أو التنازلات، مما ستعتبره إنجازا ناجما عن الضغط العسكري المكثف.
ويتابع "الاحتلال لا يزال يعتمد مقاربة القوة وفائض القوة كخيار أساسي في إدارة الحرب سعيا لإخضاع المقاومة بشكل كامل".
ويستبعد بشارات أن ينجح الاحتلال في سياسته من خلال هدم الأبراج، مضيفا "التجربة أثبتت حتى الآن أن محدودية الخيارات أمام الفلسطينيين تجعلهم أكثر ميلا للصمود بدلا من رفع الراية البيضاء".
ويشدد على أن الاحتلال يسعى كذلك لاستخدام نموذج غزة كوسيلة ردع إقليمية عبر خلق "نموذج تدميري" يوجّه من خلاله رسالة إلى جبهات أخرى مثل الضفة الغربية المحتلة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، فالمعادلة التي يسعى لتكريسها هي "ما حدث في غزة يمكن أن يتكرر في أي مكان آخر".
أما على المستوى الدولي -يرى بشارات- أن سياسة هدم الأبراج ستثير ردود فعل، لكنها ستظل محصورة في إطار الشجب والاستنكار، دون أي خطوات عملية للضغط على إسرائيل أو ردعها.