آخر الأخبار

العمل الخيري بسوريا.. غياب بعهد الأسد وبحث عن الهوية بعده

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

شكلت المنظمات السورية غير الحكومية جهات فاعلة على مدار الأزمة الإنسانية التي شهدتها سوريا فترة الحرب، ولعبت دورا حاسما من خلال تقديم الخدمات ولعب الأدوار التي خلقها غياب المؤسسات الحكومية الخدمية، إلا أن مصير هذه المنظمات بعد سقوط نظام الأسد، أصبح على المحك بسبب عوامل متعددة.

وأخذت المؤسسات الإنسانية والإغاثية أشكالا مختلفة وتباينت أصنافها وفقا لنشاطها ومنطقة العمل ونوعية السلطات القائمة والتنسيق مع مصادر الدعم، لكن تغيرات عديدة طرأت على عملها منذ سقوط النظام، مع توقعات بتراجع دورها مستقبلا.

وقد أدى قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات الخارجية قبل أشهر، وسياسات تقليص المساعدات التي تبنتها بعض الدول الكبرى إلى تراجع في عمل المنظمات الإنسانية في سوريا وتوقف بعضها.

مصدر الصورة المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا واجهت عراقيل في عهد النظام السابق وبعضها كان مرتبطا به (الجزيرة)

نشأة المنظمات الإنسانية وأصنافها

أشارت دراسة -نُشرت في يناير/كانون الثاني من عام 2021- إلى أن العمل الإنساني غير الحكومي بشكله المؤسساتي لم يكن واضحا قبل اندلاع الثورة السورية ، حيث كانت تغلب على المبادرات الإنسانية والمدنية صفة الفردية أو العائلية أو التطوعية.

بعد عام 2011، بدأت الحاجة تتزايد لتقديم المساعدات للمتضررين والنازحين، حيث اتسمت في بداياتها بالشكل التطوعي غير المنظم، قبل أن يبدأ بعض الناشطين بتنظيم العمل من خلال تشكيل بعض الفرق التي تعمل على جمع التبرعات المحلية.

وبحسب الدراسة التي أعدها باحثون في مركز الحوار السوري، فإنه مع انحسار سيطرة النظام عن بعض المناطق برزت الحاجة بشكل أوضح لسد الفراغ الذي خلفه غياب المؤسسات الحكومية، في حين لم يدخل الدعم الإنساني الدولي حتى عام 2014، وكان لهذا التأخر أثر كبير في نشوء كيانات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها.

إعلان

وبعد سنوات من الحرب، بدأت المنظمات بالانتقال إلى أشكال ذات طابع تنظيمي وإداري، لتتحول بعدها إلى منظمات مرخصة في عدد من الدول، وانقسمت المنظمات المدعومة دوليا إلى قسمين:


* منظمات محلية تقوم بتنفيذ المشاريع وفقا لمعايير الجهة المانحة للتمويل.
* منظمات محلية داعمة تقوم بأخذ التمويل الأممي أو الأجنبي وتقدمه لجهات منفذة تحت إشرافها.

أما منظومة العمل مع المنظمات العربية أو الإسلامية أو تبرعات الأفراد فقد تختلف، إذ غالبا ما كانت تتقدم المنظمات المحلية بمشاريعها وفقا للاحتياجات التقديرية بشكل مباشر من الداعم الذي قد يمول بعض المشاريع بناء على اقتناعه بجدوى المشروع.

التصنيف المحلي وتسييس العمل الإنساني

يرى خبراء أن التصنيف المحلي للمنظمات الإنسانية السورية وفقا لمكانتها على المستوى الداخلي والدولي ظل أمرا معقداً وتحكمه عوامل عديدة.

وبحسب دراسة للباحث صوفي روبورج في مكتبة وايلي، فإن الصورة داخل المنظمات تبدو غير متجانسة فيما يتعلق بالديناميكيات بين الموظفين على الأرض وأولئك الموجودين خارج البلاد، كما أنه عند الحديث عن الأصول التنظيمية داخلياً يتفوق "الارتباط العلائقي" بين الأصدقاء والعائلة على "الارتباط الجماعي".

وأشارت الدراسة، التي تناولت المنظمات الإنسانية الطبية في سوريا، إلى أن التصنيفات مثل "محلي" و"دولي" لم تكن دائما مفيدة، لكن ذلك لم يمنع من تسييس تصنيفات المنظمات، التي كان من الصعب تحقيق الوحدة بينها لأسباب مثل القيود الهيكلية التي تعمل في ظلها، بالإضافة إلى تأثير تلك الاختلافات التنظيمية في حجم وميزانية ومصادر التمويل.

فالمنظمات الأكبر حجما التي تبوأت نشاطا أوسع كانت أكثر قدرة على ترسيخ هيمنتها ووضع المعايير وأخذ المناصب التمثيلية وحتى الهيمنة على إنتاج المعرفة ونشر السياسات والأدبيات، بفضل إنشائها لأقسام البحث والمناصرة والإعلام، بينما كافحت المنظمات الصغيرة والمتوسطة فقط لتأكيد وجودها.

مصدر الصورة تراجع نشاط المنظمات الإنسانية في سوريا منذ سقوط الأسد نتيجة توجهات أميركية ودولية بتقليص الدعم (الجزيرة)

العلاقة مع السلطات

استغلت أطراف الصراع المساعدات الإنسانية، وقيدت وأعاقت وحولت المساعدات الإنسانية لصالحها، مما أدى إلى تقويض قدرة العاملين في المجال الإنساني على خدمة الناس وفقا لاحتياجاتهم بطريقة فعالة، وفقا لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.

وأوضحت دراسة للمركز أعدها الباحثان ويل تودمان وناتاشا هول، أن نظام الأسد قد استغل مرارا وتكرارا وصول المساعدات الإنسانية كسلاح، فحاصر مئات الآلاف من المدنيين كتكتيك عسكري، ودمر البنية التحتية المدنية، ووضع عقبات بيروقراطية وتشغيلية أمام عمال الإغاثة.

وفي حين أن الجماعات المسلحة غير الحكومية كانت أقل تدخلا من نظام الأسد بحسب الدراسة، فإنها أعاقت أيضا عمليات الإغاثة، واحتجزت في بعض الأحيان عمالا وفرضت ضرائب أو لوائح تعسفية.

كما أن تصنيفات الدول الغربية للإرهاب والعقوبات المفروضة عليها خلقت عن غير قصد عقبات أمام منظمات الإغاثة.

وزادت المنظمات الإنسانية غير الحكومية السورية من قوتها التفاوضية مع السلطات المحلية في شمال غرب سوريا الذي سيطرت عليه المعارضة والشمال الشرقي الذي تسيطر عليه الإدارة الذاتية، وذلك من خلال تنمية شبكات ومنتديات المنظمات غير الحكومية، بحسب الدراسة ذاتها.

إعلان

تلاعب بالمساعدات وتمييز على أساس الولاء

وقد ذكرت دراسة لمنظمة هيومن رايتس واتش، أن الحكومة السورية في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد تلاعبت بنظام تقديم المساعدات الإنسانية، لضمان أن تحل فائدة الدولة محل احتياجات السكان.

وبذلك، فقد عرقلت قدرة المنظمات على وضع البرامج، وأعادت توجيه الأولويات نحو الحصول على قدر أكبر من الوصول والموارد، بدلا من خدمة المستفيدين بشكل غير منحاز.

وتشير الباحثة سارة الكيالي من المنظمة إلى أن حقوق السوريين من المساعدات كثيراً ما كانت تخضع لمطالب السلطات، مما أدى إلى زيادة خطر التمييز في توزيع المساعدات الإنسانية بناءً على الآراء السياسية والولاءات المتصورة.

كما خضعت إلى عدم تقييم الانتهاكات الحقوقية الرئيسية التي تواجه السكان والتصرف على أساسها، وفي بعض الحالات، ساهمت المساعدات في الانتهاكات الحقوقية المستمرة وتمويلها، لصالح منتهكي الحقوق.

وقد واجهت الكيانات التي قدمت المساعدات الإنسانية مخاطر حقوقية عديدة -بحسب الدراسة- مثل تقييد الوصول إلى مناطق المشاريع، واشتراط الشراكة مع الأفراد أو المنظمات المتورطة في سوء المعاملة.

وتعين عليها أيضا مواجهة سلسلة من قوانين التنظيم العمراني والاستثمار التي تمنح السلطات سلطة واسعة للاستيلاء على الممتلكات وهدمها دون شفافية كافية أو تعويض، مما ألحق ضررا غير متناسب بالسوريين الأفقر وأولئك الذين اعتبروا معارضين سياسيين.

مصدر الصورة بعد سقوط الأسد تحركت منظمات مدنية لسد الفراغ الذي خلفه انهيار مؤسسات النظام (الصحافة السورية)

دور المنظمات بعد سقوط النظام

وعقب سقوط نظام الأسد نشطت منظمات المجتمع المدني لسد الفراغ الذي تركه الانهيار السريع لمؤسسات النظام، وكرست هذه المنظمات ما لديها من وسائل إغاثية لأجل الاستجابة الطارئة.

وأشارت دراسة أجراها مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، إلى أنه بعد سقوط النظام حدثت حالة من الغياب لتوجهات تمويلية دولية تدعم دخول المنظمات المحلية إلى دمشق والجنوب، ويرجع ذلك إلى موقف الأمم المتحدة ومكاتبها التي تقيدت بتصنيفات الإرهاب.

وذكرت الدراسة التي أعدتها الباحثة حلا حاج علي أن المنظمات قد واجهت صعوبة في دخول مناطق الشمال والوسط المحررة وتلبية الاحتياجات الكبيرة فيها، إذ تطلبت هذه المناطق إغاثة عاجلة نظرا لتحررها مؤخرا من سيطرة النظام.

وعلّقت منظمات دولية، كانت شريكة مع صندوق الأمم المتحدة، نشاطاتها حتى إشعار آخر بحسب الدراسة، واختفت منظمات محلية تماما عن المشهد وأفرغت مكاتبها وحذفت أنشطتها، وذلك لارتباطها بالنظام المخلوع ودعمه وتمويله.

مصدر الصورة اتسمت المنظمات في بداياتها بالشكل التطوعي غير المنظم (الجزيرة)

أهمية الحفاظ على المنظمات

ولا تقتصر حالة التراجع على المنظمات المرتبطة بنظام الأسد، بل تشمل جميع منظمات العمل الإنساني نتيجة العوامل المذكورة.

وفي بيان مدى خطورة ذلك، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن الدولة السورية لا تستطيع الآن القيام بكامل المهمة الإغاثية، وهي تحتاج وقتاً قد يكون طويلا لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى أن المنظمات الإنسانية تلعب دورا مساندا لمؤسسات الدولة.

ويشرح عبد الغني، في حديث للجزيرة نت، أهمية تكريس عمل المنظمات الإنسانية في البلاد قائلا إنه لكي يستمر الدعم الإنساني في سوريا، فإنها تحتاج لجلب الموارد، ووجود مؤسسات مجتمع مدني قادرة، وتبرعات رجال الأعمال، وغيرها.

وبحسب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن تراجع الدعم الدولي أدخل المنظمات الإنسانية في مصاعب كبيرة لا يعلمها الناس، مما يجعلهم يعتقدون أن المنظمات مقصرة في أدائها، وهذا أضر بمصداقيتها أمام المجتمع الذي أصبح يحتاج دعما أكبر من قدرة المنظمات والمؤسسات.

وتؤكد دراسة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن المنظمات أصبحت تعاني من "تحدي بقاء صناديق الدعم الدولية خلال الثورة وإعادة تنظيمها بالتنسيق مع الحكومة، وتغير السياسات الدولية تجاه سوريا، مما قد يفتح المجال لتراجع دور منظمات المجتمع المدني بشكل مبدئي".

إعلان

وذكرت الدراسة التي أعدها الباحث محمد السكري، أنه قد تشكّل عوامل الانتقال من العمل على أساس الجماعة إلى المؤسسة صعوبة بنيوية لدى عدة منظمات، لا سيما ضمن إجراءات الاعتماد والترخيص.

وأشارت إلى أن الموازنة بين دور الدولة والمجتمع المدني خلال المرحلة الجديدة في سوريا سيشكل مفترق طرق ويرسم ملامح سوريا الجديدة الذي لا تتحمله الحكومة وحدها وإنما تتشارك معها المنظمات في المسؤولية وفق الأدوار المنوط بها تنفيذها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا