آخر الأخبار

"تُهمة التآمر" في تونس، سلاح سياسي أم تهديد حقيقي للحريات؟

شارك
مصدر الصورة

اعتقلت السلطات التونسية المحامي البارز أحمد الصواب، بعد مداهمة منزله، وأمرت بإيداعه السجن، للتحقيق في تهم إرهابية.

ويعد الصواب معارضاً للرئيس قيس سعيد، وعضواً في فريق الدفاع عن المتهمين، فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وأصدرت محكمة تونسية، فجر السبت، أحكاماً بالسجن تتراوح بين 13 و66 عاماً على زعماء من المعارضة، ورجال أعمال، ومحامين، يتابعون قضائياً ضمن ما يعرف بـ "قضية التآمر".

وأُدين المتّهمون بدرجات متفاوتة، بتهم أبرزها "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتشكيل تنظيم إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية، والانضمام إليه"، حسب ما نقله القطب القضائي، لمكافحة الإرهاب لوسائل إعلام.

أحكام توصف بالجائرة

نشر أساتذة كليات الحقوق والمعاهد العليا للعلوم القانونية والسياسية بياناً، أكدوا فيه دعمهم ومساندتهم، لجميع المتهمين في هذه الأحكام "دون مراعاة أصول القانون الجزائي والمبادئ الأساسية، للإجراءات، وشروط المحاكمة العادلة، نعتبرها أحكاماً أقرب إلى قضاء التعليمات منه إلى حكم قضائي".

وأكدوا إدانتهم للمسار الذي جرت عليه القضية، واعتبروه انتهاكاً صارخاً، لجميع مقومات المحاكمة العادلة. كما أدانوا بشدة توظيف القضاء خدمة للنظام القائم، بتجريم المعارضة السياسية، وبتكميم حرية التعبير. وعبروا عن رفضهم لمسار 25 يوليو/ تموز 2021، الذي أقره سعيد إذ "يشرع لحكم الفرد" حسب قولهم.

وعبّر الإتحاد العام التونسي للشغل، في بيان، عن تضامنه مع المحامي أحمد صواب، ودعا إلى الإفراج عنه وإسقاط الدعوى ضدّه، واعتبار "تهمة الإرهاب الموجّهة إليه متهافتة، ولا يمكن أن تنطبق عليه البتّة، وأن الشحن والتحريض الذي يتعرّض له المحامي أحمد صواب، منذ مدة، على خلفية آرائه، وتمسّكه بدوره، بوصفه لسان دفاع، يستدعي حمايته لا تتبّعه على خلفية تهم ملفّقة".

وقالت منظمة العفو الدولية إن إصدار السلطات لأحكام قاسية، "بتهم ملفقة يعدّ مؤشراً مقلقاً على مدى استعداد السلطات، للمضي قدماً في حملتها القمعية ضد المعارضة السلمية في البلاد". وأضاف البيان "إن الإدانة تمثل صورة زائفة عن العدالة، وتوضح تجاهل السلطات التام، بالواجبات الدولية المترتبة على تونس تجاه حقوق الإنسان، وسيادة القانون، كما أنه "لا يجوز معاقبة أحد على ممارسته السلمية، لحقوقه الإنسانية، ويجب على السلطة التنفيذية الكف عن استهداف الخصوم السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين".

كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان نشرته "إن المحكمة الابتدائية قد أصدرت الأحكام، بعد ثلاث جلسات فقط من المحاكمة الجماعية، دون إتاحة فرصة كافية للمتهمين، لتقديم دفاعاتهم، ودون أي ضمانات أخرى للإجراءات القانونية الواجبة. كما توضح السلطات التونسية أن أي شخص يشارك في المعارضة السياسية، أو النشاط المدني يواجه خطر السجن لسنوات، بعد محاكمة متسرعة، دون مراعاة الأصول القانونية".

"متآمرون ضد الدولة"

مصدر الصورة

أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس أحكاماً بالسجن، وصلت إلى 66 عاماً في حق رجل الأعمال كمال لطيف، و48 عاماً في حق رجل الأعمال خيام التركي، و18 عاماً بحق المعارضين شيماء عيسى، وجوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري.

وتعدّ "قضية التآمر ضد الدولة " قضية أثارتها السلطات في تونس ضد عدد من السياسيين والحقوقيين، منذ فبراير/ شباط 2023، ووجهت لهم تهماً تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان".

وشملت لائحة المتهمين في هذه القضية ما يزيد عن أربعين شخصاً، من بينهم رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، والسياسي ورئيس الديوان الرئاسي السابق رضا بلحاج، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، إلى جانب ناشطين آخرين، ورجال أعمال.

وقالت هيومن رايتس ووتش "إن الحكومة التونسية تستخدم الاحتجاز التعسفي، والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية لترهيب المنتقدين ومعاقبتهم وإسكاتهم. ومنذ أوائل عام 2023، كثّفت السلطات الاعتقالات التعسفية، واحتجاز الأشخاص من مختلف الأطياف السياسية، الذين يُنظر إليهم على أنهم منتقدون للحكومة".

ومنعت السلطات في تونس حضور المتهمين في قاعة المحكمة، في كلا جلستي المحاكمة السابقتين، بل تمت محاكمتهم عن بُعد، وأكد عضو هيئة الدفاع سمير ديلو لبي بي سي أن "المعتقلين عبروا عن موقف واضح، يتمثل في رفضهم المشاركة في محاكمة صورية ،كما أنهم انتظروا لعامين في السجن، ومنعوا من الدفاع عن أنفسهم، بل حرموا حتى من المثول أمام المحكمة. وهذه سابقة مظلمة لم تعرفها حتى أكبر المحاكمات في تونس منذ الاستقلال، إذ لم نشهد من قبل تعسفاً بهذا الحجم".

وفي نفس السياق، أكد القيادي بجبهة الخلاص الوطني عماد الخميري لبي بي سي: "تلجأ السلطة الآن إلى محاكمات مغلقة، يغيب فيها المتهمون عن الحضور، ومحاكمات عن بُعد، في مخالفة للقوانين، وفي مخالفة أيضاً للمواثيق الدولية، التي تضمن أن يحاكم المتهمون، في إطار محاكمات عادلة، وهو مسعى جديد من السلطة، للهروب إلى الأمام، ولمحاكمة هؤلاء محاكمات جائرة وظالمة، تغيب فيها الحدّ الأدنى من الشفافية، والحدّ الأدنى من توفير شروط المحاكمة العادلة".

مصدر الصورة

واعتبرت عائلات المتهمين أن هذه الأحكام جائرة بإسناد تهم باطلة لذويها، وأن خلفيتها سياسية بحتة، وأكدوا في بيان لهم أن: "هذه المحاكمة المهزلة دامت 30 ثانية فقط، وافتقدت لأدنى مقوّمات المحاكمة العادلة، ولم يتم خلالها احترام أبسط الاجراءات والقوانين".

وقالت زوجة السجين السياسي عبد الحميد الجلاصي منية إبراهيم إن: "المسار كله من بدايته إلى يومنا هذا تم خارج إطار القانون، بل تم في إطار سياق سياسي بتعليمات سياسية. اليوم المعتقلون السياسيون هم محتجزون قسرياً وهذا بتقرير لجنة العمل التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالاحتجاز القسري".

وأكدت منية إبراهيم: "السلطة التنفيذية، هي التي قامت بفبركة هذا الملف، لأنها لا تملك القدرة على مواجهة المعتقلين، لأن السلطة التنفيذية، هي أول من يعرف ومتأكد من تهاوي الملف، لهذا لا تملك السلطة أي حل غير عملية الهروب إلى الأمام من خلال إجراء محاكمة عن بُعد ونحن نعرف أن الأحكام قاسية جداً، ولكن نحن مستعدون لذلك ونحن على يقين ببراءة القادة السياسيين المعتقلين".

وقال رئيس حزب مسار 25 جويلية المساند للرئيس محمود بن مبروك: "أعتبر أن المحاكمات عن بُعد أثارت عدة نقاط، لكنها تظل مسألة تقديرية تعود إلى السلطة القضائية، وهي منظمة بموجب القانون".

وأضاف بن مبروك أن "هناك نوعاً من الاعتراف الضمني من بعض أعضاء هيئة الدفاع، ومن وجوه سياسية بارزة، بوجود تآمر على أمن الدولة"، حيث صرح أحد الأعضاء في إحدى وسائل الإعلام بأن المتهمين "اتفقوا وخططوا، لكنهم لم ينفذوا"، في رأيي، يجب ترك القضاء يأخذ مجراه، فهو مطالب بتطبيق القانون، وسيتحمل مسؤوليته كاملة"، وفق بن مبروك.

ملف سياسي

أكد الرئيس التونسي قيس سعيد في خطابات سابقة أن "الاعتقالات تأتي في إطار المحاسبة وتطبيق القانون"، في حين تؤكد المعارضة أن الحملة ترمي لتصفيتها، كما ندد المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان بتراجع الحريات في تونس، البلد الذي بدأت منه أولى تحركات ما يعرف بـ "الربيع العربي" عام 2011.

وشدد رئيس جبهة الخلاص الوطني الشابي لبي بي سي على أن هذه القضية لا تحتوي على أي دليل مادي يجرّم المتهمين، قائلا ً"لا وثائق، لا تسجيلات، لا وقائع ملموسة، بل تُهم فضفاضة، واعتمدت على شهادات سرية، وإجراءات مشبوهة، أُريد بها صناعة مؤامرة من فراغ. إنها مجرد رواية مفبركة حبكتها السلطة، لتبريرالانتقام السياسي، وإسناد تهم واهية لا تنطبق فيها الشروط القانونية، وتعتمد على شهادات لأشخاص، لا يُعرف هويتهم، ولا تعتمد على أي أدنى معطى واقعي لإصدار أحكام غليظة".

ويضيف الشابي:"أنا سُجنت عام 1968على نفس التهم الباطلة ولا يزعجني في هذا السن المتقدم أن أعود إلى السجن، وأن أغادر الحياة من وراء القضبان لأن الحرية والكرامة والتي هي حق كل تونسي لا تنال إلا بالشجاعة والتضحية".

مصدر الصورة

وأدان مجلس الهيئة الوطنية للمحامين في بيان لهم "الخروقات الإجرائية الفادحة والخطيرة، التي شابت سير قضية بما يعرف بـ "قضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي"، والتي تمثل انتهاكاً خطيراً لأصول ومبادئ المحاكمة العادلة، التي كرسها القانون الوطني، والمواثيق، والمعاهدات الدولية، التي صادقت عليها الدولة التونسية".

وقال رئيس حزب مسار 25 جويلية المساند للرئيس محمود بن مبروك: "الرئيس قيس سعيد لم تكن له نية إبعاد خصومه السياسيين، باعتبار أن بين هؤلاء الخصوم عشرات لا يزالون متواجدين في المشهد السياسي. كما طلب منه الشعب إيقاف جميع السياسيين، لكنه رفض، وأكّد أن الفيصل بين الجميع هو القانون والقضاء. والرئيس ليست له نية لإقصاء خصومه السياسيين، ولكن عندما توفّرت المعطيات والملفات، أخذ القضاء مجراه. إذاً، الشعب التونسي رفض تلك المنظومة، ولا يرى في هذه المرحلة بديلًا للرئيس قيس سعيد".

ووقّعت عدة جمعيات، ومنظمات حقوقية على عريضة، تندد فيها بشدة "ممارسات القضاء" وقالت إنه:" يعدّ شكلاً من أشكال الانتقام، وإسكات كل صوت حر يجاهر برأيه المخالف، أو يفضح التجاوزات السلطوية، حيث أصبحت المحاكمات والإيقافات رداً جاهزاً وسياسة ممنهجة لتصفية كل من يعارض الممارسات السلطوية القائمة".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا