بعد سنوات من الجفاف، تشهد قرية إزغيرة بإقليم وزان (شمال المغرب)، مثل العديد من قرى الشمال المغربي، أمطارا غزيرة ومتواصلة منذ أكثر من أسبوعين.
يقول عبد الرحمن المومني، وهو من سكان القرية، للجزيرة نت، إن الأمطار الغزيرة التي عرفتها المنطقة أعادته إلى ما يقارب عقدا من الزمن، حين كانت السماء تمطر بدون انقطاع ليلا ونهارا، وكانت الوديان تجري بشكل طبيعي وتغذي التربة والفرشات المائية.
وأدت الأمطار المسترسلة لأسابيع إلى توقف موسم قطاف الزيتون، وينتظر القرويون عودة الأجواء المشمسة لاستكمال جني محصولهم، الذي كان قياسيا.
"لأول مرة يتأخر قطاف الزيتون إلى هذا الوقت من السنة بسبب الأمطار الغزيرة التي حالت دون خروج القرويين إلى الحقول لجني محصولهم"، وفق عبد الرحمن.
بالنسبة له لم تكن هذه مجرد أمطار موسمية، بل لحظة استثنائية أعادت الحياة إلى وديان القرية التي كانت قد جفت، وإلى الأراضي التي أنهكها العطش، وإلى ذاكرة جماعية ارتبطت بالوفرة والاستقرار.
وارتفع منسوب مياه سد الوحدة -أكبر سدود المغرب وتطل عليه القرية- بشكل ملحوظ.
تتقاطع النظرة المستبشرة التي يتقاسمها اليوم عبد الرحمن المومني مع آلاف القرويين في مناطق مختلف من شمال المملكة مع رهانات اقتصادية ومائية أعمق.
فبعد 7 سنوات متتالية من الجفاف، ضعفت الموارد المائية وأثرت بشكل مباشر على الزراعة، لكن الأمطار الأخيرة أعادت السؤال حول مدى قدرتها على تخفيف حدة الإجهاد المائي، وإنعاش الدورة الاقتصادية خصوصا في المناطق القروية.
يوضح محمد بنعبو الخبير في الموارد المائية للجزيرة نت أن الأمطار التي شهدها المغرب خلال الأسبوعين الأخيرين أدت إلى ارتفاع ملموس في نسب ملء عدد من الأحواض المائية، خاصة حوضي "اللوكوس" و"سبو"، إضافة إلى تحقيق مجموعة من السدود الكبرى نسب ملء مرتفعة، فضلا عن سدود متوسطة بلغت نسبة ملئها 100%.
غير أن هذا التحسن لم يشمل جميع الأحواض، ووفق بنعبو فإن أحواضا مثل "أم الربيع" و"سوس ماسة" ما زالت تسجل نسب ملء ضعيفة، بينما ما تزال أخرى تعاني من الإجهاد المائي.
بنعبو أوضح أن الأمطار الأخيرة هطلت أساسا على شمال المملكة وغربها، مع توقع امتدادها خلال الأيام المقبلة إلى بعض مناطق الوسط، معتبرا أن هذا التوزيع الجغرافي غير المتكافئ يفسر استمرار العجز المائي في عدد من الأقاليم.
ووفق بيانات مديرية الأرصاد الجوية فقد شهدت الموارد المائية بعدد من السدود بالمملكة ارتفاعا مهما حتى الجمعة 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ تم تسجيل واردات مائية متفاوتة انعكست إيجابا على نسب الملء بعدد من المنشآت المائية.
وسجل سد الوحدة أعلى ارتفاع في الواردات المائية، بلغ 23 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء به إلى حوالي 46%، ما يعزز المخزون المائي بهذا السد الحيوي.
وعرف سد سيدي محمد بن عبد الله بالرباط ارتفاعا مهما في موارده المائية قدره 20 مليون متر مكعب، لتصل نسبة الملء إلى 87%، وهو ما يعكس وضعية مائية جيدة.
وشهد سد إدريس الأول ارتفاعا أيضا بلغ 12 مليون متر مكعب، لتزيد نسبة الملء إلى 38%.
ووفق المديرية فإن هذه المعطيات تعكس الأثر الإيجابي للواردات المائية الأخيرة، بما يسهم في تحسين الوضعية بعدد من السدود.
ومع ذلك، يرى الخبير محمد بنعبو أنه لا يمكن الحديث عن إنهاء حالة الطوارئ المائية أو الجزم بتجاوز المغرب لمرحلة الإجهاد المائي أو للظواهر المناخية العنيفة.
وأوضح أن 7 سنوات متتالية من الجفاف أدت إلى تراجع كبير في الفرشات المائية وحقينة السدود، وهو وضع لا يمكن تعويضه خلال أسبوعين أو شهر من الأمطار، مهما كانت غزيرة.
وأضاف أن الإشكال الأكبر يظل مرتبطا بالفرشات المائية الباطنية، مؤكدا أن تعبئتها تتطلب سنوات طويلة بسبب الاستنزاف الحاد الذي تعرضت له خلال فترات الجفاف، والذي كان سببه في جانب كبير منه عوامل بشرية أكثر منها مناخية أو طبيعية.
بين التفاؤل الذي يعبر عنه المزارعون والقرويون، والحذر الذي يفرضه الواقع المناخي والبنيوي يتبادر سؤال: هل يكون لهذه الأمطار الغزيرة انعكاس فعلي على القطاع الزراعي وبالتالي الاقتصاد الوطني؟ أم أنها مجرد انفراج ظرفي سرعان ما يتبدد مع أول موجة جفاف جديدة؟
ويشكل القطاع الزراعي ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي، إذ يسهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل لأكثر من 40% من السكان.
وبالنسبة للخبير الاقتصادي ورئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة رشيد الساري، فإنه من السابق لأوانه تقييم الموسم الزراعي، إذ لا يمكن الحكم على الموسم قبل بلوغ مارس/آذار المقبل، للنظر في تطور سقوط الأمطار خلال الأشهر المقبلة.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن هناك سيناريوهين محتملين:
وفي إطار هذا السيناريو ينتظر ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي إلى ما بين 5% و5.7 %، مدفوعا بتحسن القيمة الفلاحية المضافة وبلوغ نسب ملء السدود ما بين 55 و60%.
وأشار الساري إلى أن المعطى الإيجابي على المدى القريب يتمثل في توفر احتياطي مائي مهم، غير أنه عاد ليؤكد أن الأمطار الحالية على الرغم من أهميتها، تبقى ظرفية، ولا يمكن التعويل عليها وحدها للحكم على مستقبل الموسم الزراعي أو الأداء الاقتصادي بشكل عام.
من جهته، دعا الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المستقل للدراسات الاستشرافية، إدريس الفينة، إلى عدم التقليل من أهمية الأمطار الأخيرة، موضحا أنها حسنت بشكل ملموس وضعية التربة، وأنعشت الغطاء النباتي، ورفعت آمال المزارعين في الموسم الزراعي.
وأشار إلى أن الثلوج تشكل مخزونا مائيا إستراتيجيا سيسهم تدريجيا في تعزيز الموارد المائية خلال فصل الربيع، خاصة بعد سنوات من الإجهاد المائي الحاد.
وأوضح الفينة للجزيرة نت أن الجفاف في المغرب ليس حادثا عابرا، بل نتيجة تراكم عوامل هيكلية من بينها التغير المناخي، واختلالات تدبير الموارد المائية، ونموذج فلاحي كثيف الاستهلاك للماء، إضافة إلى الضغط الديمغرافي المتزايد، وهو ما يجعل موسما مطريا واحدا غير كاف للإعلان عن نهاية الجفاف.
وتحدث عن الانكاسات الإيجابية للأمطار لا سيما على القطاع الزراعي، حيث يُرتقب تحسن المردودية، وانعكاس ذلك إيجابا على النمو الاقتصادي وعلى الطلب الداخلي، خصوصا في الوسط القروي.
ورأى الفقنة تحسن المراعي قد يخفف الضغط على مربي الماشية ويحد جزئيا من ارتفاع كلفة الأعلاف، ويسهم في استقرار أسعار بعض المواد الغذائية، مشددا على أن هذه الآثار تبقى رهينة باستمرار سقوط الأمطار.
وبلغة الأرقام، يتوقع الفينة أن يسهم سقوط الأمطار الأخيرة في استحداث ما بين 120 و180 ألف فرصة عمل موسمية في الزراعة والأنشطة المرتبطة بها، وتحسين المراعي وخفض كلفة الأعلاف بنحو 20% إلى 30%.
كما ينتظر أن ترفع الأمطار من الناتج الإجمالي للقرى بما بين 8 و12 مليار درهم (2.2 إلى 3.3 مليارات دولار) خلال سنة واحدة، وتقلص الهشاشة والفقر في البادية بنحو 1 إلى 1.5 نقطة مئوية، مع تهدئة مؤقتة للهجرة من البوادي بنسبة تتراوح بين 15 و25%.
غير أن الفينة أكد أن هذه المكاسب تظل هشة في غياب سياسات عمومية قادرة على تحويل التحسن المناخي إلى أثر اجتماعي مستدام.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة