على مدى قرنين ونصف من الزمن، أعاد الاقتصاد الأميركي تشكيل ذاته جذريا، لينتقل من مجتمع زراعي يعتمد على الأيدي العاملة إلى اقتصاد خدماتي متنوع تقوده التكنولوجيا والمعرفة.
ويقدم تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال قراءة تاريخية معمّقة لمسار التحولات في سوق العمل الأميركي منذ عام 1774 وحتى عام 2025، كاشفا عن تحولات هائلة في الدخل، وعدد العاملين، وهيكل القطاعات الإنتاجية .
* في عام 1774، وقبيل الثورة الأميركية، بلغ إجمالي الدخل القومي نحو 164 مليون دولار فقط (يعادل حوالي 70 دولارا للفرد سنويا بأسعار اليوم)، في حين لم يتجاوز عدد العاملين 800 ألف شخص، معظمهم من المزارعين والعمال اليدويين.
* بحلول عام 1800، تضاعف عدد القوى العاملة إلى 1.68 مليون عامل، منهم 83% في الزراعة، وكان نحو ثلثهم من العبيد، وفق بيانات التقرير. أما الأجور فكانت زهيدة للغاية، إذ لم يتجاوز أجر العامل في البناء في ماساتشوستس دولارا واحدا في اليوم.
* مع حلول عام 1860، أي على أعتاب
الحرب الأهلية ، ارتفع عدد العاملين إلى 11.11 مليونا، بينهم 2.34 مليون مستعبد، في حين كان العامل الزراعي يتقاضى 13.66 دولارا شهريا.
وتُظهر البيانات المرفقة أن مناطق الجنوب الأميركي كانت تعتمد بشكل شبه كامل على العمل القسري، حيث شكّل العبيد ما يصل إلى 70% من القوة العاملة في بعض الولايات، مما جعلهم عنصرا حاسما في الناتج الزراعي القومي.
مصدر الصورة
العبودية كانت حجر الأساس القاسي الذي بُنيت عليه بدايات الاقتصاد الأميركي قبل تحرره الصناعي وتحوّله الخدماتي (رويترز)
من التصنيع إلى الخدمات
* بحلول عام 1910، بدأت الزراعة تفقد قبضتها، وبرز التصنيع كقطاع صاعد، تغذّيه موجات الهجرة الأوروبية، ووصل عدد العاملين حينها إلى 36.2 مليون شخص، وكان 22% منهم من المهاجرين، في حين بلغ متوسط ساعات العمل الأسبوعية في المصانع 51 ساعة.
* بعد
الحرب العالمية الثانية ، في عام 1950، ارتفع عدد العاملين إلى 56.9 مليونا، وشكّل التصنيع 26% من إجمالي القوى العاملة، مع تراجع ساعات العمل إلى 41 ساعة أسبوعيا.
* توضح البيانات أن عدد العاملين في المصانع الأميركية بلغ ذروته عام 1979 عند 20 مليون عامل قبل أن يبدأ بالانخفاض التدريجي إلى نحو 12.7 مليون عامل اليوم، في انعكاس لتحوّل البلاد نحو الخدمات والتكنولوجيا.
نصف القوة العاملة من النساء
ومع نهاية القرن الـ20، بلغت التحولات الاجتماعية ذروتها، ففي عام 2000، أصبح عدد العاملين 129.7 مليون شخص، وشكّلت النساء 47% من القوة العاملة، في حين ارتفعت حصة قطاع الخدمات إلى 42% من إجمالي الوظائف.
وتُظهر البيانات أن مسار مشاركة النساء في العمل كان تصاعديا منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ ارتفع تدريجيا من نحو 30% في منتصف القرن الـ20 إلى ما يقارب النصف بحلول الألفية الجديدة، في تغيير هيكلي غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الأميركي.
مصدر الصورة
النساء أصبحن يشكلن نصف القوة العاملة الأميركية، بعد مسيرة طويلة من الكفاح والاندماج في مختلف القطاعات المهنية (شترستوك)
اقتصاد رقمي ومرن في الحاضر
اليوم، في عام 2025:
* تضم سوق العمل الأميركية نحو 159.8 مليون عامل، وتصل نسبة العاملين في الخدمات إلى ما يقارب 49%، في حين يبلغ متوسط الدخل السنوي نحو 63 ألفا و914 دولارا، أي بزيادة تفوق 300% عن مستويات عام 1890 المعدّلة بالقيمة الحالية.
* يعمل 23% من الموظفين من منازلهم، مقارنة بنحو 35% خلال ذروة الجائحة عام 2020، مما يعكس تحولا دائما نحو العمل المرن.
* أما متوسط ساعات العمل الأسبوعية فقد تراجع إلى 34.2 ساعة فقط، مما يعكس مزيجا من الإنتاجية العالية والتوازن بين الحياة والعمل.
وتخلص الصحيفة إلى أنه من الاقتصاد الزراعي القائم على العبودية إلى اقتصاد الخدمات الرقمي المتنوع، تغيّر وجه العامل الأميركي بالكامل. فبينما انخفضت ساعات العمل وارتفعت الأجور، بقيت روح التحول والابتكار هي الثابت الوحيد في مسيرة 250 عاما من العمل والإنتاج في الولايات المتحدة .