آخر الأخبار

ماليزيا.. صورة مشرقة للاقتصاد تخفي أعباء المعيشة

شارك

قالت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير موسع إن الصورة الاقتصادية الزاهية التي تعيشها ماليزيا لا تعكس حقيقة الضغوط اليومية التي يواجهها ملايين الماليزيين، من ارتفاع تكاليف المعيشة إلى ركود الأجور وعبء الضرائب الجديدة.

التقرير لفت إلى أن هذا التباين بين الاقتصاد الكلي والواقع الاجتماعي قد يتحول إلى تهديد مباشر لاستدامة التعافي، في وقت يشكل فيه الاستهلاك المحلي الركيزة الأهم للاقتصاد منذ سنوات.

فجوة بين المؤشرات الاقتصادية والواقع

وأوضحت الصحيفة أن الاستهلاك القوي كان على مدى سنوات بمثابة ركيزة أساسية للنمو الماليزي وحائط صد أمام الصدمات الخارجية، بما في ذلك الرسوم الجمركية الأميركية، ومع أن التضخم تراجع نسبيًا، فإن ذلك لم يُترجم إلى راحة للمستهلكين.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك "معاملة ماليزيا" محمد أفزانيزام عبد الرشيد إن "الأسعار ما زالت مرتفعة، لكنها ترتفع بوتيرة أبطأ".

أما فيرداوس روسلي، كبير الاقتصاديين في مجموعة "آم بنك"، فقد أكد أن "التضخم، حتى مع تراجعه، ظل يتجاوز نمو الأجور بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، خصوصًا منذ جائحة كورونا". هذا الخلل جعل دخل الأسر غير قادر على مجاراة ارتفاع التكاليف.

مصدر الصورة ثقة المستهلكين الماليزيين أصبحت العامل الحاسم لاستقرار الاقتصاد (رويترز)

شهادات مباشرة وسياسات حكومية

التقرير أورد شهادة إم كيه خو، وهو مسوّق رقمي يعيش في العاصمة كوالالمبور، قال فيها "لقد وصلنا إلى نقطة أصبح فيها العمل بجدية أكبر لا يعني كسب المزيد، وأصبح تناول وجبة بسيطة يشعر وكأنه رفاهية"، وهو تصريح يلخص حالة الضيق الاقتصادي لدى شريحة واسعة من السكان.

البنك المركزي الماليزي بدوره أقرّ بالتحدي القائم، في حين دعا محللون مثل روسلي إلى "تعزيز قدرة العمال على الكسب وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة". وفي محاولة لمعالجة الضغوط، بدأت الحكومة تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات ذات الدخل المنخفض، ورفعت الحد الأدنى للأجور منذ فبراير/شباط الماضي. كما أعلن رئيس الوزراء أنور إبراهيم حزمة من الإجراءات الشهر الماضي، شملت خفض أسعار الوقود وتأجيل زيادات رسوم الطرق، إلى جانب توزيع إعانات نقدية.

إعلان

غير أن محللين، مثل محمد سيف الدين صفوان من بنك كنانغا الاستثماري، حذروا من أن استمرار الضغوط قد يدفع الأسر لتقليص الإنفاق غير الضروري، مما سينعكس سلبًا على النمو . وأضاف "قد يرتفع الضغط المالي مع اعتماد الناس بشكل أكبر على الائتمان لتغطية المعيشة، وهذا غير مستدام للاقتصاد المحلي". كما نبه إلى احتمال حدوث حلقة مفرغة بين الأجور والأسعار، حيث قد يطالب العمال بزيادات في الأجور تؤدي إلى رفع الكلفة الإجمالية بمرور الوقت.

مخاطر محلية وتحديات خارجية

ورغم هذه التحديات، ذكرت وول ستريت جورنال أن سجل ماليزيا الاقتصادي يوحي بأن الأزمات الداخلية ليست السبب الأكثر احتمالًا لتعطيل النمو، إذ كانت فترات الركود التاريخية ناجمة بدرجة أكبر عن الصدمات الخارجية. وقالت دينيس تشيوك، الاقتصادية في "موديز أناليتكس"، إن "التهديد الأكبر للناتج المحلي الإجمالي الآن يتمثل في تقلبات التجارة العالمية".

وتتعرض ماليزيا بالفعل لضغوط تجارية بعد أن فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية بنسبة 19% على سلعها، وهي أقل من 25% التي كانت مهددة في البداية لكنها تبقى مرتفعة بما يكفي لإلحاق الضرر. كما أن مقترحًا أميركيا بفرض رسوم بنسبة 100% على أشباه الموصلات يمثل خطرا إضافيًا على أحد أهم صادرات ماليزيا، ويهدد بخسارة حصص سوقية حيوية في الولايات المتحدة .

معركة مزدوجة للحفاظ على التوازن

وخلص التقرير إلى أن صانعي السياسات في ماليزيا يقفون اليوم أمام معادلة صعبة، إذ يتعين عليهم إدارة ضغوط المعيشة الداخلية من جهة، والتعامل مع الاضطرابات التجارية العالمية من جهة أخرى.

هذه الازدواجية تضع الحكومة في موقف لا تحسد عليه، فهي مطالبة في الوقت نفسه بطمأنة الأسر وحماية ثقة المستهلكين، مع العمل على تحصين الاقتصاد ضد تداعيات الحروب التجارية وتقلبات الأسواق.

وإذا لم تُترجم الخطوات الحكومية إلى تحسن ملموس في حياة الناس اليومية، فقد يتآكل الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الماليزي، والمتمثل في الاستهلاك المحلي.

وفي ظل المخاطر الخارجية المتزايدة، خصوصًا الرسوم الجمركية الأميركية على السلع وأشباه الموصلات، فإن الحفاظ على هذا التوازن سيحدد إلى حد بعيد مسار النمو الماليزي في السنوات المقبلة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار