آخر الأخبار

الطائفة السامرية: فسيفساء دينية تزين نابلس

شارك
منطقة "كريات لوزا"، حيث يقيم السامريون، مشهد يعكس تعايشًا ثقافيًا وتاريخًا يمتد لآلاف السنين صورة من: Husny Cohen

في منطقة "كريات لوزا"، الواقعة على جبل جرزيم جنوب شرق نابلس في الضفة الغربية ، حيث يقيم السامريون، تُفاجئ الزائر مشاهد غير مألوفة: رجال يرتدون أثوابًا بيضاء وعمامات حمراء، ويتحدثون بالعبرية القديمة، في مشهد يعكس تعايشًا ثقافيًا وتاريخًا يمتد لآلاف السنين. وتُعد المنطقة نقطة جذب سياحي للمهتمين بتاريخ الأديان، حيث يقع "المتحف السامري"، الذي يشكل نافذة على تراث الطائفة ومعتقداتها.

الكاهن حسني واصف كوهن، الذي يعمل منذ أكثر من أربعة عقود في المتحف، يوضح في حديث مع DW عربية أن السامريين يؤمنون بالله الواحد، ويتبعون موسى كنبي، ويعتبرون التوراة المكوّنة من خمسة أسفار فقط المرجع الوحيد لهم، ويكتبونها ويقرأونها بلغة عبرية قديمة يتعلمها الأطفال منذ الصغر.

يقيم نحو نصف أبناء الطائفة في نابلس، فيما يعيش النصف الآخر في مدينة حولون قرب تل أبيب في اسرائيلصورة من: Husny Cohen

بين التاريخ والانقسام

ورغم وجود أوجه شبه عديدة بين السامرية والديانة اليهودية، كقدسية يوم السبت، إلا أن اختلافًا جوهريًا يتمثل في وجهة القِبلة، حيث يعتبر السامريون جبل جرزيم مكانهم المقدس، وليس القدس.

ينحدر السامريون من سلالة النبي يعقوب، ويستندون في معتقدهم إلى روايات العهد القديم التي تشير إلى خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى، ومن بعده يوشع بن نون. ولكن خلافات لاحقة أدت إلى انقسام المملكة إلى مملكتين: "يهودا" في الجنوب، وعاصمتها القدس، و"السامرة" في الشمال، وعاصمتها "شكيم"، المعروفة اليوم بنابلس.

يقيم نحو نصف أبناء الطائفة في نابلس، فيما يعيش النصف الآخر في مدينة حولون قرب تل أبيب في اسرائيل. الباحث جميل ضبابات، المختص في الشأن السامري، أشار في حديث مع DW عربية إلى أن انتقال بعض العائلات إلى حولون، كان بدافع اقتصادي، وتزايد بعد عام 1967 مع دخول القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية. ويحرص أبناء الطائفة على الحفاظ على علاقات دائمة بين المجموعتين في نابلس وحولون.

يؤمن السامريون بالله الواحد، ويتبعون موسى كنبي، ويعتبرون التوراة المكوّنة من خمسة أسفار فقط المرجع الوحيد لهمصورة من: Husny Cohen

شعائر وأعياد

يحتفل السامريون بسبعة أعياد دينية، أبرزها "عيد الفسح" (بمعنى "الفسح" وليس الفصح)، الذي يخلد ذكرى الخروج من مصر ونجاتهم من فرعون، حيث تُذبح القرابين شكراً لله. كما يحتفلون بعيد الفطير، الغفران، والعرش. وتقتصر أعيادهم على الطقوس الدينية ، دون ارتباطات قومية أو وطنية.

ويتمسك السامريون بطقوس دقيقة يوم السبت تشمل ارتداء زي خاص، والوضوء قبل الصلاة، التي تتضمن حركات جسدية تُشبه تلك الموجودة في الطقوس الإسلامية.

باعتبارهم أقلية دينية تعيش في منطقة تشهد نزاع سياسيا طويل الأمد، يحافظ السامريون على موقف "الحياد"، وفق ما أوضحه إسحاق السامري، السكرتير السابق للطائفة، في حديثه مع DW عربية. ويؤكد مسؤولو الطائفة أن هذا الحياد ينبع من معاناة تاريخية وانخفاض في عدد أفرادها بفعل الحروب والنزاعات.

مدير المتحف السامري أشار إلى أن تحقيق السلام في المنطقة لا يمكن أن يتم دون حل سياسي عادل، يشمل إقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة إسرائيل.

تتمتع الطائفة السامرية في نابلس بالجنسية الفلسطينية، بينما يحمل أفرادها في حولون الجنسية الإسرائيليةصورة من: Husny Cohen

جسر للسلام

تتمتع الطائفة السامرية في نابلس بالجنسية الفلسطينية، بينما يحمل أفرادها في حولون الجنسية الإسرائيلية، ويملك بعضهم الجنسية الأردنية. هذا التعدد في الهويات، دفع أبناء الطائفة لأن يلعبوا دور "الجسر" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي إطار سعيهم لتعزيز التفاهم، أطلقت الطائفة منذ عام 2005 "مدالية سامرية" تُمنح لشخصيات فلسطينية أو إسرائيلية ساهمت في جهود السلام والعمل الإنساني ، وفق ما صرّح به بنيامين صدقة، مدير معهد "أليف بيت" للدراسات السامرية. ويجري تسليم الجائزة في احتفال رسمي يُقام على جبل جرزيم.

وفي ختام المشهد، تبقى منطقة "كريات لوزا" على جبل البركة واحةً من السكينة والرمزية الدينية ، وركنًا هادئًا من فسيفساء نابلس المتعددة، يجمع بين التاريخ، الروح، والسعي للسلام.

تحرير: هشام الدريوش

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار