آخر الأخبار

مصر .. مُبادرة تؤهل المُعلمين لمكافحة التحرش بأطفال المدارس

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

مبادرة ضد التحرش الجنسي بالأطفال في المدارس: شيرين لويس خلال دورة تدريبية لأولياء الأمور لتوعيتهم وتمكينهم من مواجهة التحرش بالأطفال.صورة من: Shereen Lewis

تحت اسم "سيف للإسعافات الأولية"، أطلقت مؤسسة "سيف إيجيبت" العاملة في مجال حماية الأطفال والمرأة، مُبادرة جديدة خلال شهر (أيار/ مايو 2025)، نظمت في أولى فعالياتها لقاءً افتراضيًا ضم ما يقرب من مائتي مُدرس وأخصائي اجتماعي ونفسي وتربوي من الجنسين، لتدريبهم على آليات التعامل مع حالات التحرش الجنسي بالأطفال والإبلاغ عنها.

شملت محاور الفعالية الأولى، تدريبات على تقديم دعم نفسي أولي لطفل تعرّض لتحرش، والتعرف على خطوات التصرف الأولي عند حدوث حالة تحرش داخل المدرسة، والتوعية بالدور القانوني والنفسي للمربي والأخصائي، وكيفية الإبلاغ عن الاعتداء بطريقة تحفظ حق الطفل وتحميه، وأبرز الأخطاء الممكن حدوثها، وطرق تجنبها.

وفي هذا السياق، كشفت سارة عزيز، مؤسسة المُبادرة، في فيديو نشرته عبر الصفحة الرسمية "سيف إيجيبت"، عن التحضير لسلسلة ورشٍ أخرى مستقبلية حضورية وافتراضية، تستهدف مقدمي الرعاية والمدرسين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين للتعامل الفعال مع أشكال التحرش الجنسي والتوعية بها والتصدي لها.

كما جرى الإعلان عن برنامج جديد يتكامل مع المبادرة، حمل اسم "درع سيف" موجه للمؤسسات التربوية والتعليمية بالتعاون مع جهات حكومية، استهدفت مرحلته الأولى قياس احتياجات المدارس، والحضانات ودور الرعاية، بهدف دعم المعلمين ومقدمي الرعاية في 6 محافظات مصرية من بينها الإسكندرية والقاهرة، على أن يغطي 60 مؤسسة تعليمية خلال 2025 و2026.

ووفق القائمين عليه فإن البرنامج هو التزام مستدام لحماية الأطفال من العنف والتنمر والتحرش، من خلال التوعية، وتوفير الأدوات، وتقديم الدعم اللازم لخلق بيئات تعليمية ورعائية آمنة.

وتتزامن الجهود السابقة، مع تكرار وقوع حالات تحرش واعتداء جنسي على أطفال داخل مدارس، بينها خمس وقائع مُعلنة لتحرش واعتداء جنسي على تلميذات بالمرحلة الابتدائية، خلال شهر أيار/ مايو 2025، داخل مدارس حكومية بـخمس محافظات مصرية مختلفة.

كان من بين هذه الوقائع المُشار إليها، تحرش مُدرس بـ 13 تلميذة داخل مدرسة ابتدائية في محافظة الوادي الجديد، بينما لم يتجاوز أعمار الضحايا 12 عاماً، وأُرغمن على السكوت جراء خوفهن من عقابه.

يقوض التحرش الجنسي في المدارس الثقة في النظام التعليمي.صورة من: Mahmoud El Tabakh

الأمر الأكثر لفتاً للانتباه، هو انكشاف هذه الاعتداءات عقب تنظيم المدرسة ورشة لمواجهة التحرش حملت اسم "لا للتحرش.. جسمي ملكي"، فكانت سبباً في توعية الأطفال، فاندفعت خمس منهن نحو الإبلاغ عما حدث معهن على يد المدرس، الذي أقدم على ملامسة مناطق حساسة من أجسادهن بداعي اللعب.

دور مبادرات التوعية بخطر الإساءة الجنسية للأطفال

شيرين لويس، استشارية نفسية وتربوية شاركت في الفعالية الأولى لمبادرة "سيف للإسعافات الأولية"، وتصفها بالمبادرة المهمة للغاية، لما تهدف إليه من إعادة المدرسة إلى دورها الأصلي عبر تدريب وتأهيل القائمين على العملية التعليمية.

وتقول شيرين في حديثها لـ DW إن "دور المدرسة تربوي بالأساس وهي بمثابة بيئة آمنة للأطفال، لكن خلال السنوات الأخيرة اهتزت هذه الصورة النمطية وانحرف دور المدرسة التربوي بفعل ما تشهده من اعتداءات بداخلها".

وبحسب شيرين لويس، فإن مبادرات مجابهة التحرش بالأطفال تعمل على ثلاث فئات: الأولى المدرسون من خلال توعيتهم بآليات التعامل الناجح مع الأطفال، والثانية الأخصائيون الاجتماعيون لإعادتهم لدورهم الأساسي في حل مشكلات الطلاب. أما الفئة الثالثة فهم أولياء الأمور، من خلال تدريبهم على أساليب تحصين أبنائهم من الوقوع ضحايا للاعتداءات، بجانب توعيتهم بأساليب العلاج الفاعلة مع أقل الأضرار، في حال وقوع اعتداء بالفعل.

ظاهرة التحرش بالأطفال ليست جديدة، لكنها تصاعدت خلال الفترة الأخيرة في مصر وجرى كشف حالات كثيرة داخل المدارس بفعل "الوعي المُجتمعي"، الذي شجع الفتيات وأولياء الأمور على التحدث وكسر دائرة الصمت ، والإبلاغ عن وقائع تحرش واعتداء جنسي تحدث معهن، حسب شيرين.

وبجانب العامل الرئيسي السابق، تشير الأخصائية التربوية إلى عوامل أخرى كانت سبباً في التأثير بشكل كبير في هذه الحوادث، وهي انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ووجود خلل أو ضعف "تربوي" واضح في المؤسسات التربوية والتعليمية، وانشغال الأسرة، التي باتت تركز على كيفية التأقلم مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الهائلة لتحقيق الكفاية المادية، ما أنقص من دورهم التربوي الأسري.

"سميرة" - اسم مستعار-، طفلة مصرية عانت حالة نفسية سيئة جراء تعرضها للتحرش على يد مُعلمها في إحدى المدارس الابتدائية بمحافظة الشرقية. لاحظت أمها "مريم أحمد" - اسم مستعار- تغَير سلوك ابنتها، لم تكن على طبيعتها؛ باتت تكره المدرسة، ولم تعد تحب الذهاب إليها، وتبكي كثيراً دون سبب وترغب في الانزواء عن الأعين.

تقول الأم في حديثها لـ DW، إن المُعلم انتهك أمانته، استغل غياب زميلة ابنتها التي تجلس بجوارها في المقعد، وجلس بجوارها حيث طالت يداه مواطن عفتها وأجزاء حساسة من جسدها، وتجاوز الأمر إلى تهديدها حتى لا تخبر أحداً بفعلته.

فور إبلاغ الطفلة أمها، أبلغت الأسرة الشرطة، التي سرعان ما أجرت تحرياتها واستمعت لشهادة الأسرة وزميلات الطفلة، وجرى القبض على المُدرس المُتهم بالتحرش في مايو/ أيار الماضي، وفق ما تشير إليه الأم.

مصر، شيرين لويس، مبادرة ضد التحرش الجنسي بالأطفال في المدارسصورة من: privat

بحسب المادة "306 مكرر أ" من قانون العقوبات المصري وتعديلاتها المعمول بها منذ 16 أغسطس/ آب 2021)، فإنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى".

وتزيد العقوبة السابقة حال تكرار الفعل من الجاني بالملاحقة وتتبع المجني عليها. فيما تشدد المادة "306 مكرر ب"، على أن الجرائم المشار إليها في المادة السابقة بمثابة تحرش جنسي، مادام سعى الجاني للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات.

أما إذا كان الجاني ممن نصت عليهم الفقرة الثانية من المادة (267) من قانون العقوبات المصري، أي "كان له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحاً تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن 7 سنوات".

التحرش الجنسي بالمدارس يزعزع الثقة بالمنظومة التعليمية

تُسبب وقائع التحرش بالأطفال في المدارس، والتي يجري الكشف عنها من حين لآخر، حالة من الذعر لدى الأهالي على أبنائهم، حيث تزيد مخاوفهم وتقل ثقتهم في المنظومة التعليمية، وهو ما يجعل المدرسة أمام تحدٍ كبير لتوفير كل سُبل الأمان وطرح برامج تربوية فاعلة لمجابهة الظاهرة.

في هذا السياق، تصف سلمى مراد، 39 عاماً، أم لطفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، في المرحلة الابتدائية بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة الجيزة، تخوفاتها بـ "الكبيرة"، بحيث لم يعد هُناك أمان سواء في المدرسة أو النادي أو أي مكان يمكن ترك ابنتها بداخله، حسب كلامها.

وتُشدد سلمى، في حديثها لـ DW، على أن وقائع التحرش التي يجري كشفها في المدارس سببت هلعاً كبيراً لدى أولياء الأمور، الأمر الذي دفعهم للتحرك نحو المدرسة ومُطالبتها بتثبيت كاميرات مراقبة في كل جزء بداخلها: في الفصول، والطرقات، حتى أمام أبواب المراحيض.

وتلفت سلمى، إلى أن جرائم الاعتداء على الأطفال خلقت أيضاً وعياً لدى أولياء الأمور نابعاً من مخاوفهم على أبنائهم، بقولها: "أدركنا أنه لم يعد جائزاً ترك أبنائنا وحدهم، حتى مع أقربائنا".

تتفق شيرين لويس، الاستشارية التربوية والنفسية، مع الطرح السابق، بتأكيدها أن جرائم التحرش تُفقد ثقة الأهل في البيئة التربوية والتعليمية، وتتسبب في ذُعر المجتمع وخوفه من المدرسة المنوط بها حماية الأطفال. بجانب السابق، فإن هذه الجرائم تؤثر على الصحة النفسية للأسرة، كاشفةً عن تواصل عدد من الأهالي معها خلال الفترة الأخيرة ممن يُعانون من اضطرابات في النوم والحياة عموما بسبب خوفهم من احتمالية تعرض أطفالهم للتحرش داخل المؤسسات التربوية، ناهيك عن الأثر النفسي الكبير الذي يتركه هذا الأمر على صحة الأطفال أنفسهم .

تخلق هذه الاعتداءات، وصمة مجتمعية تُصيب الطفل المُعتدى عليه وعائلته، وتجعله موضع شك دائم. أما بخصوص المُربي ذاته، فقد تأثرت صورته الذهنية في عيون المجتمع والأهل والأطفال، ولم تعد مكانته مكانة الحافظ الأمين، ما يؤثر على العملية التربوية ككل، وبات الأهل ينظرون لأي خطأ ولو بسيط بشكل مُريب، ما خلق لديهم شعورا عدوانيا تجاه المدرسة.



حلول مُبتكرة لمواجهة التحرش والاعتداء على الأطفال

تقوم جميع حلول وبرامج مجابهة التحرش بالأطفال على عامل "التوعية المبكرة" في سن 4 سنوات، باعتبارها حائط الصد الأول ضد الاعتداء الجنسي بالأطفال، إلا أنها تأخذ صوراً وآليات مُتعددة، وفق ما يقوله الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي.

يُناشد فرويز، خلال حديثه مع DW، الأمهات والآباء بسرعة تعريف الأطفال بأجسادهم، مستخدمين لغة بسيطة مُناسبة لأعمارهم، مع التنبيه على ضرورة إبلاغهم إذا حاول أي شخص في المدرسة أو ومكان آخر ملامسة مناطقهم الحساسة، هذا، فضلاً عن أهمية فتح قنوات اتصال مع الأطفال أساسها الطمأنينة تجعل من أباءهم ملجأهم ومصدر أمانهم الأول.

ويُشدد فرويز على عامل الرقابة، وأهمية معرفة الوالدين بالأشخاص الموجودين في حياة طفلهم، خاصة ممن يتعامل معهم بشكل يومي، وملاحظة أي سلوك غريب يطرأ على شخصية أولادهم كالشعور بالخوف تجاه أشخاص أو أماكن أو الغضب غير المبرر، أو العزلة عن الآخرين، كذلك التبول اللاإرادي، وشكوتهم من مناطقهم الحساسة أو وجود اضطرابات النوم أو الأرق.

بدورها، تدير شيرين لويس مبادرة منفصلة منذ عام 2019، تحمل اسم "عرفت أربي" تستهدف أولياء الأمور والأطفال لتوعيتهم وتدريبهم، عبر فعاليات افتراضية وواقعية لتمكين الأهالي والأطفال وتعريفهم بالمخاطر وطرق التربية السليمة وغير العنيفة.

وقد ركزت مبادرة "عرفت أربي"، خلال شهر مايو/ أيار الماضي، على فكرة "حماية الطفل" من كل الجوانب: الجنسية، الجسدية، النفسية والاجتماعية، حيث جرى تصميم "دليل" لقادة الكشافة لتدريبهم على آليات حماية الأطفال من التحرش والاعتداءات.

وحول الحلول "غير التقليدية"، تُطالب شيرين لويس، بإقرار "منهج" وسياسات حماية خاصة تتعهد بها المؤسسات التربوية، ولا يقتصر ذلك على المدرسة فقط، بل يكون في كل مكان يتواجد فيه الأطفال ويقضون فيه أوقاتهم، داعيةً إلى سرعة تبني قانون يُلزم هذه المؤسسات بوضع سياسة لحماية الطفل يقرها جميع العاملين في هذه الأماكن ويوقعون عليها.

مصر، مدرسة ابتدائية في المنطقة الريفية بالجيزة، مبادرة ضد العنف الجنسي ضد الأطفالصورة من: Mahmoud el Tabakh/DW

وتُطالب لويس أيضاً بسرعة دمج برامج التوعية الجنسية المناسبة - حسب السن - لجميع المراحل العمرية في المدرسة بشكل يتوافق مع الثقافة المجتمعية، مع استحداث آليات وطرق حديثة لتوصيل الرسائل للأطفال سواء بالألعاب أو الرسوم أو المسرحيات والقصص، مع إعادة تفعيل الحصص المدرسية التي ترعى إبداع الأطفال وتتعلق بفكرة الحماية.

كما تقترح الأخصائية التربوية، تأسيس "فريق حماية" داخل كل مدرسة يلجأ إليه الطفل مباشرة حال تعرض لأي اعتداء، بحيث يجري تشكيله من أخصائيين نفسيين وتربويين واجتماعيين وإداريين، ويكون من أهدافه توعية الأهالي ومدهم بأدوات الحماية والمعرفة النفسية والتربوية لتشكيل دائرة حماية قوية تتخطى حدود المدرسة.

وعلى مستوى أولياء الأمور، تدعو سلمى مراد جميع المدارس، لاسيما الحكومية ذات الموارد المحدودة، إلى فتح باب التبرعات للاستثمار في عوامل المراقبة بداخلها؛ حتى تكون مؤهلة لحماية الأطفال، داعيةً إلى توفير ملاجئ آمنة داخل المدرسة يتوجه إليها الأطفال حال تعرضهم لأي اعتداء ، على أن تؤخذ شكواهم على محمل الجد، ولا يجري التستر عليها حمايةً للمُعتدين أو إهمالها.

وكشفت سلمى، عن قيام أولياء الأمور فيما بينهم بتفعيل مبادرة خاصة، يجري التنسيق لها عبر "جروب" (مجموعة) "واتس آب" يضم الأهالي، يقومون خلالها بتوحيد "اللغة" والمفردات والنصوص الدينية المستخدمة لمخاطبة أطفالهم دون التفرقة بين مسلم ومسيحي، بغرض تعريفهم بحرمة الجسد وقدسيته وكيفية الحفاظ عليه، ما يخلق وعيًا ودراية لدى الأطفال، وهو أمر لاقى صدى واسعا ومؤثرا عند تطبيقه.

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار